شرح قوله «اللهم إنی أسألک من قدرتک...»

«اللهم إنی أسألک من قدرتک بالقدرة التی استطلتَ بها علی

‏کلِّ شیء، وکلُّ قدرتک مستطیلة. اللهم إنی أسألک بقدرتک کلها.»‏

‎ ‎

‎    ‎‏القدرة من امهات الصفات الإلهیة؛ ومن الائمة السبعة التی هی‏‎ ‎‏الحیاة والعلم والارادة والقدرة والسمع والبصر والتکلم. ولها الحیطة‏‎ ‎‏التامة والشمول الکلی؛ وان کانت محتاجة فی التحقق الی الحیاة والعلم.‏‎ ‎‏هذه احدی مراتب الاستطالة وسعة القدرة، ان کان المراد بالشیء شیئیةَ‏‎ ‎‏التعینات الصفاتیة والأسمائیة أی: الأعیان الثابتة فی الحضرة العلمیة.‏

‏     وهی علی لسان الحکیم کون الفاعل فی ذاته بحیث ان شاء فعل وان‏‎ ‎‏لم‌یشأ لم یفعل. والمشیئة المأخوذة فی القدرة الإِلهیة هی التی بحسب‏‎ ‎‏الحقیقة عین الذات المقدسة؛ ولا ینافیها تأحّد المشیئة فی الحضرة‏‎ ‎‏الربوبیة، لعقد الشرطیة من الواجبتین والممتنعتین والممکنتین: أَلَمْ‏‎ ‎‏تَرَ‌إِلی رَبِّکَ کَیْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ ساکِنا‏‏224‏‏. وهو تعالی شاء‏‎ ‎‏بالمشیئة الأزلیة الذاتیة الواجبة الممتنعةِ العدم ان یمد ظل الوجود‏‎ ‎‏ویبسط الرحمة فی الغیب والشهود؛ لأن واجب الوجود بالذات واجب‏

کتابشرح دعاء السحرصفحه 109
‏الوجود من جمیع الجهات والحیثیات؛ ولو شاء ان یجعل الفیض‏‎ ‎‏مقبوضاً‌وظل الوجود ساکناً لجعله ساکناً مقبوضاً، لکنه لم یشأ‏‎ ‎‏ویمتنع‌ان یشاء.‏

‏     وعلی لسان المتکلم صحة الفعل والترک؛ لتوهم لزوم الموجبیة فی‏‎ ‎‏حقه تعالی وهو منزه عنها. وهذا التنزیه تشبیه والتقدیس تنقیص،‏‎ ‎‏للزوم‌الترکیب فی ذاته والإِمکان فی صفته الذاتیة، تعالی عن ذلک علواً‏‎ ‎‏کبیراً. ولم یتفطنوا ان الفاعل الموجب من کان فعله بغیر علم وارادة او‏‎ ‎‏کان الفعل منافراً لذاته، وهو تعالی علمه وقدرته وارادته عین ذاته،‏‎ ‎‏احدیّ‌الذات والصفات، ومجعولاته ملائمات لذاته. فإذا کان الفعل‏‎ ‎‏الصادر عن الفاعل الممکن، مع علمه الناقص الممکن الزائل، والارادة‏‎ ‎‏المسخرة للدواعی الزائدة الخارجیة، والاغراض غیر الحاصلة لذاته‏‎ ‎‏یکون عن اختیاره فکیف بالفاعل الواجب بالذات والصفات! أتری ان‏‎ ‎‏وجوب الذات وتمامیة الصفات وبساطة الحقیقة وشدة الاحاطة‏‎ ‎‏والعلم السرمدی والارادة الازلیة توجب الموجبیة؛ ام الامکان‏‎ ‎‏واللاشیئیة‌والزوال وبطلان الحقیقة ودثور الذات والصفات والحدوث‏‎ ‎‏والتجدد والتصرم والتغیر من شرائط الاختیار؛ او امکان ان لا یفعل‏‎ ‎‏المؤدی الی الجهل، بل الامکان فی ذات الفاعل من محققات حقیقة‏‎ ‎‏الاختیار؟ فانتبه یا حبیبی من نومتک وانظر بعین الحقیقة والبصیرة الی‏‎ ‎‏ربک ولا تکن من الجاهلین.‏


کتابشرح دعاء السحرصفحه 110
‏     ‏تنبیه للمستبصرین وایقاظ للراقدین‏ ‏

‎    ‎‏واعلم، هداک الله الی طرق اسمائه وتجلی لقلبک بصفاته واسمائه،‏‎ ‎‏ان‌الأعیان الموجودة الخارجیة ظل الأعیان الثابتة فی الحضرة العلمیة؛‏‎ ‎‏وهی ظل الأسماء الإِلهیة الحاصلة بالحب الذاتی من حضرة الجمع،‏‎ ‎‏وطلب ظهور مفاتیح الغیب بالفیض الأقدس فی الحضرة العلمیة،‏‎ ‎‏وبالفیض المقدس فی النشأة العینیة. والفیض الاقدس اشمل من‏‎ ‎‏الفیض المقدس؛ لتعلقه بالممکنات والممتنعات. فإن الاعیان منها‏‎ ‎‏ممکن ومنها ممتنع؛ والممتنع، منه فرضی کشریک الباری واجتماع‏‎ ‎‏النقیضین، ومنه حقیقی کصور الأسماء المستأثرة لنفسه؛ کما قال‏‎ ‎‏الشیخ‏‏ فی ‏‏الفتوحات‏‏: «واما الاسماء الخارجة عن الخلق والنسب فلا‏‎ ‎‏یعلمها الا هو لأنه لا تعلق لها بالأکوان.»‏ ‏ ‏ ‏انتهی کلامه.‏

‏     فما کان قابلاً فی الحضرة العلمیة للوجود الخارجی تعلق به الفیض‏‎ ‎‏المقدس؛ ومالا یکون قابلاً لم یتعلق به، اما لعلوّ الممتنع وعدم‏‎ ‎‏الدخول تحت الاسم الظاهر، واما لقصوره وبطلان ذاته وعدم قابلیته.‏‎ ‎‏فإن‌القابل من حضرة الجمع؛ فعدم تعلّق القدرة بالممتنعات الفرضیة‏‎ ‎‏والذوات الباطلة من جهة عدم قابلیتها، لا عدم القدرة علیها وعجز‏‎ ‎‏الفاعل عن ایجادها، تعالی عن ذلک علواً کبیراً.‏

‏     قال ‏‏السید المحقق الداماد‏‏ والسند الممجد الاستاذ ذو الرئاستین‏‎ ‎‏العقلیة والنقلیة وذو السیادتین العلمیة والعملیة استاذ الکل فی الکل،‏‎ ‎‏رضی الله تعالی عنه وجزاه الله عن اولیاء الحکمة والمعرفة أفضل‏

‏ ‏


کتابشرح دعاء السحرصفحه 111
‏الجزاء، فی ‏‏القبسات‏‏: «إنما مصحح المقدوریة ومناط صحة الوقوع‏‎ ‎‏تحت‌سلطان تعلق القدرة الربوبیة الوجوبیة هو طباع الإِمکان الذاتی.‏‎ ‎‏فکل‌ممکن بالذات فإنه فی سلسلة الاستناد منته الی الباری القیوم‏‎ ‎‏الواجب بالذات، جل سلطانه؛ ومستند هو وجمیع ما یتوقف وجوده‏‎ ‎‏علیه من الممکنات فی السلسلة الطولیة الیه سبحانه.»‏

‏     ثم قال: «وهو الخلاق علی الإِطلاق لکل ذی سبب، بقاطبة علله‏‎ ‎‏وأسبابه؛ إذ لا یخرج شیء مما یعوزه فی سلسلة الفاقة الإِمکانیة عن‏‎ ‎‏علمه وإرادته وصنعه وقدرته، تعالی کبریائه. فإذن قد بان واستبان ان‏‎ ‎‏عدم‌تعلق القدرة الحقة الوجوبیة بالممتنعات الذاتیة من جهة‏‎ ‎‏المفروض مقدوراً علیه إذ لا حقیقة ولا شیئیة له بوجه من الوجوه اصلاً‏‎ ‎‏لا من جهة نقصان القدرة وعجزها. فهذا سر ما تسمعهم یقولون:‏‎ ‎‏الامکان‌مصحح المقدوریة لا مصحح القادریة. فالمحال غیر مقدور‏‎ ‎‏علیه بحسب نفسه الباطلة لا انه معجوز عنه بالنسبة الی القدرة الحقة،‏‎ ‎‏فإن بین التعبیرین بل بین المفهومین المعبر عنهما بالعبارتین فرقاناً‏‎ ‎‏مستبیناً‌ومباینة مابائنة.» انتهی کلامه بالفاظه، نَوَّر الله مضجعه واسکنه‏‎ ‎‏الله جنته‏‏225.‏

‏     ‏‏وقد بلغ کمال النصاب فی التحقیق وأتی بغایة الصواب والتوفیق،‏‎ ‎‏کیف وهو امام الفلسفة وابن بجدتها وشیخ اصحاب المعرفة وسید‏‎ ‎‏سادتها.‏


کتابشرح دعاء السحرصفحه 112
‏     ‏اشراق عرشی

‏     ‏‏واعلم ایها المسکین، ان السالک الی الله بقدم المعرفة قد ینکشف له فی‏‎ ‎‏بعض حالاته ان سلسلة الوجود ومنازل الغیب ومراحل الشهود من‏‎ ‎‏تجلیات قدرته تعالی ودرجات بسط سلطنته ومالکیته، ولا ظهور لمقدرة‏‎ ‎‏إلا مقدرته ولا إرادة إلا إرادته؛ بل لا وجود الا وجوده. فالعالم کما انه ظل‏‎ ‎‏وجوده ورشحة جوده ظل کمال وجوده؛فقدرته وسعت کل شیء وقهرت‏‎ ‎‏علی کل شیء. والموجودات بجهات أنفسها لا شیئیة لها ولا وجود، فضلا‏‎ ‎‏عن کمالات الوجود من العلم والقدرة. وبالجهات المنتسبة الی بارئها القیوم‏‎ ‎‏کلُّها درجات قدرته وحیثیات کمال ذاته وظهور أسمائه وصفاته.‏

‏     ومن ذلک ینکشف ‏‏[‏‏وجه‏‏]‏‏ قوله « بالقدرة التی استطلت بها علی کل‏‎ ‎‏شیء»؛ فإن الاستطالة هی سعة القدرة وبسط السلطنة علیها، وهو تعالی‏‎ ‎‏بظهور قدرته وسع کل شیء: مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِیَتِها‏‏226‏‏. وله‏‎ ‎‏تعالی الاستطالة وبسط القدرة بالفیض المقدس علی الاعیان‏‎ ‎‏الموجودة والمهیات المحققة، فی عوالم الشهادة المضافة والمطلقة؛‏‎ ‎‏وله‌الاستطالة بالفیض الأقدس علی الأعیان الثابتة والمهیات المقدرة‏‎ ‎‏فی الحضرة العلمیة الجمعیة.‏

‎    ‎‏ثم ان القدیر من الأسماء الذاتیة علی ما مر من تحقیق شیخنا العارف‏‎ ‎‏الکامل، ادام الله تأییداته‏‏227‏‏. والقادر من اسماء الصفات علی ما عیّن‏‎ ‎‏الشیخ الکبیر‏‏ فی ‏‏انشاء الدوائر‏‏228‏‏. والمقتدر باسماء الأفعال أشبه، وان‏‎ ‎‏جعله الشیخ من اسماء الصفات‏‏229.‏

‏     ‏‏والله العالم.‏


کتابشرح دعاء السحرصفحه 113

‎ ‎

کتابشرح دعاء السحرصفحه 114