المطلب الرابع فی مقدّمة الواجب
وهی کلّ ما یتوقّف علیـه ا لواجب فی تحقّقـه ، ویحتاج إلیـه فی وجوده ، وقبل ا لخوض فی ا لمقصود نقدّم اُموراً تبعاً للقوم :
الأمر الأوّل: فی عدم کون المسألة اُصولیة
ا لمبحوث عنـه فی هذه ا لمسألـة وإن کان هو ا لملازمـة بین وجوب ا لشیء ووجوب ما یتوقّف علیـه ، لکن مع ذلک لاتکون ا لمسألـة اُصولیّـة ، بل هی من
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 111
ا لمبادئ ا لأحکامیّـة ، وقد حقّقنا فی محلّـه ا لفرق بین ا لمسائل الاُصولیّـة وغیرها ، ووجـه امتیاز مسائل ا لعلوم بعضها عن بعض فا لمسألـة لیست اُصولیّـة علیٰ ما حقّقنا .
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 112
الأمر الثانی: تقسیمات المقدّمة
لمّا کان عنوان ا لبحث فی مقدّمـة ا لواجب ؛ هو أنّ مقدّمـة ا لواجب هل هی واجبـة أم لا ؟ جرت عادة الاُصولیّین علی ا لبحث عن ا لمقدّمـة وتقسّماتها ، وا لواجب وتقسّماتـه ، وا لمحصّل أنّ للمقدّمـة تقسّمات :
منها: تقسیمها إلی الداخلیّة والخارجیّة
منها : إلی ا لداخلیّـة ؛ وهی ا لأجزاء ا لمأخوذة فی ماهیّـة ا لمأمور بـه ، وا لخارجیّـة ؛ وهی الاُمورا لخارجـة عنها ، ممّا یتوقّف وجودها علیها ، ولاتوجد بدونها .
وربّما یقال : إنّ ا لأجزاء با لأسر عین ا لمرکّب فی ا لمقدّمات ا لداخلیّـة .
فیستشکل تارة : بأنّ ذا ا لمقدّمـة یحتاج إلی ا لمقدّمات ، وا لاحتیاج نحو
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 113
إضافةٍ بین ا لشیئین ، ولایعقل أن یکون ا لمحتاج عین ا لمحتاج إلیـه .
واُخریٰ : بأنّ ا لمتوقّف علیـه لابدّ وأن یکون مقدّماً علیٰ ما یتوقّف علیـه ، وا لشیء ا لواحد لایعقل أن یکون متوقِّفاً ومتوقَّفاً علیـه ؛ للزوم ا لدّور .
ولعلّ هذا ا لإشکال مأخوذٌ من ا لإشکال ا لمعروف فی فنّ ا لمعقول ؛ وهو أنّ ا لعلّـة ا لتامّـة بجمیع أجزائها ، لابدّ وأن تکون متقدّمـة علیٰ معلولها ، مع أنّ ا لمادّة وا لصورة من أجزائها ، وهما عین ا لماهیّـة ا لمرکّبـة منهما .
وا لجواب : أنّ ا لمرکّبات ا لاعتباریّـة عبارة عن عدّة اُمور متکثّرة حقیقةً ، اعتبرت بنعت ا لوحدة فی جهـة من ا لجهات ، کاشتراکها فی تحصیل ا لغرض مثلاً ، فا لکثرة فی ا لمرکّبات ا لاعتباریّـة حقیقیّـة ، وا لوحدة اعتباریّـة .
کما أنّ ا لأمر بعکس ذلک فی ا لمرکّبات ا لحقیقیّـة ا لتی لها وحدةٌ حقیقیّـة ، فإنّـه قد تکون ا لکثرة اعتباریّـة ، وا لوحدة حقیقیّـة ، کاعتبار ا لکثرة فی ا لماهیّـة ا لواحدة .
وبا لجملـة : ما لم تعتبر فی الاُمور ا لمتکثّرة ا لمتحقّقـة بوجودات متعدّدة وحدة ، لایصیر ا لمجموع مرکّباً ، ولا ا لکثرات أجزاءه .
فإذا عرفت ذلک فاعلم : أنّ ا لمرکّب فی ا لمرکّب ا لاعتباریّ ، عبارة عن ا لأجزاء با لأسر مع اعتبار ا لوحدة فیها ، وهذا هو ذو ا لمقدّمـة ، وا لمقدّمـة عبارة عن کلّ واحدٍ واحدٍ من ا لأجزاء ، فا لعسکر مثلاً عبارة عن عدّة أفراد تعتبر فیها ا لوحدة ، وکلّ واحدٍ واحدٍ من ا لأفراد مقدّمـة لـه ، فذو ا لمقدّمـة ا لأجزاء با لأسر
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 114
مع اعتبار ا لوحدة ، وا لمقدّمـة هی کلّ واحدٍ واحدٍ من ا لأجزاء وا لأفراد .
لایقال : فإذا کان کلّ واحدٍ من ا لأجزاء مقدّمـة ، فا لمجموع یصیر مقدّمـة ، مع أ نّـه عین ا لمرکّب ، فلا محا لـة یکون ا لاختلاف بینهما اعتباریّاً .
فإنّـه یقال : کلاّ ، فإنّ ا لمجموع مقدّمات متکثّرة ، لا مقدّمـة واحدة حتّیٰ یرد ا لإشکال ، کما أنّ کون کلّ واحد من زید وعمرو وبکر إنساناً لایلزم أن یکون ا لمجموع منهم إنساناً واحداً ، بل أناسیَّ کثیرة ، فإنّ ا لکثیر لیس موجوداً علیٰ حِدة [مغایراً] لوجود ا لمتکثّرات .
ألا تریٰ : أ نّـه یصدق علیٰ کلّ واحد من أجزاء ا لمرکّب : «أ نّـه بعض ا لمرکّب» ولایصدق علیٰ جمیعها : «أ نّـه بعض ا لمرکّب» ویصدق : «أ نّها أبعاض بنحو ا لکثرة ونعت ا لعموم ا لأفرادیّ» .
فقد علم ممّا ذکرنا : أنّ ا لمرکّب غیر ا لأجزاء حقیقـة ؛ فإنّ ا لمرکّب أمر وحدانیّ با لوحدة ا لاعتباریّـة ، وا لأجزاء ـ وهی ا لمقدّمات ـ اُمور متکثّرة ، موجودة با لوجودات ا لحقیقیّـة .
ومن هذا ظهر ا لخلل فی ما أفاده ا لمحقّق ا لخراسانی وغیره : من أنّ ا لاختلاف بین ا لمقدّمات وذیها با لاعتبار ؛ وأنّ ا لأجزاء با لأسر هی ا لمقدّمـة ، وبشرط ا لاجتماع هی ذوها .
ثمّ اعلم : أنّ ا لوجوب ا لمتعلّق با لمرکّب هو وجوبٌ وحدانیّ منبسطٌ علی ا لأجزاء ، وباعتبار انبساطـه علیها یعتبر فیـه ا لأبعاض ، فا لوجوب واحد حقیقیّ ، وا لأبعاض کثیرة اعتباراً ، وکلّ بعض متعلّق بجزء من ا لأجزاء ، وا لأجزاء واجبـة بعین وجوب ا لمرکّب ، لکن با لمعنی ا لذی ذکرنا ؛ أی یعتبر فیـه أبعاض کثیرة حسب کثرة ا لأجزاء ، فکلّ جزء تمام ا لمتعلَّق لبعض ا لوجوب ، وبعض ا لمتعلَّق
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 115
لنفس ا لوجوب .
ومن هذا یظهر فساد احتما لات اُخر : من کون ا لأجزاء واجبةً با لوجوب ا لغیریّ فقط ، أو ا لنفسیّ فقط إن ارید منـه کون کلّ جزء متعلَّقاً لتمام ا لوجوب ، أو هما معاً .
وأسخف ا لأقوال هو ا لأوّل ؛ فإنّ وجوب ا لمقدّمـة یترشّح من وجوب
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 116
ذیها ، فإذا لم یکن للأجزاء وجوب نفسیّ ، فمن أین یترشّح ا لوجوب ا لغیری ؟ !
منها: تقسیمها إلیٰ مقدّمة الوجوب، والواجب، والصحّة، والعلم
لا إشکال فی خروج مقدّمـة ا لوجوب عن حریم ا لنزاع ؛ لتوقّف وجوب ذی المقدّمـة علیٰ وجودها ، فلا یُعقل وجوبها من قِبَل وجوبـه .
ومقدّمـة ا لصحّـة ترجع إلیٰ مقدّمـة ا لوجود ولو علی ا لقول با لأعمّ ؛ لتعلّق ا لوجوب با لصحیح لا ا لأعمّ .
وا لمقدّمات ا لعلمیّـة أیضاً خارجـة عن حریم ا لنزاع ؛ لعدم ترشّح ا لوجوب علیها من ا لواجب فی ا لبین .
منها: تقسیمها إلی السبب، والشرط، وعدم المانع، والمُعدّ
وعُرِّف ا لسبب : بما یلزم من وجوده ا لوجود ، ومن عدمـه ا لعدم . وهذا ینطبق علی ا لعلّـة ا لتامّـة ، وأخصّ من ا لمقتضی .
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 117
وا لأولیٰ أن یقال : إنّ ما یتوقّف علیـه ا لشیء إمّا أن یکون ما منـه ا لوجود ، وهو ا لذی یکون ا لمعلول أثرَهُ ومقتضاه ، وهو ا لسبب وا لمقتضی ؛ أو لایکون منـه ا لوجود ، بل یکون بـه ا لوجود . وهو إمّا یکون بوجوده دخیلاً فی تحقّق ا لمعلول ، أو بعدمـه ، أو بوجوده وعدمـه ، فا لأوّل ا لشرط ، وا لثانی ا لمانع ، وا لثا لث ا لمُعدّ .
ولایخفیٰ : أنّ ا لمقصود من کون ا لعدم دخیلاً ، هومضادّة وجود ا لمانع وممانعتـه للوجود ، ولمّا کان کذلک یقال : إنّ عدمـه دخیل ، وإ لاّ فلیس ا لعدم دخیلاً حقیقـة فی شیء . کما أنّ ا لمراد من کون ا لعدم وا لوجود دخیلین فی ا لمُعِدّ ـ مثل ا لأقدام لتحقّق ا لکون علی ا لسطح ؛ فإنّها بوجودها وعدمها تکون معدّة ـ هو أنّ ا لحرکـة بوجودها ا لاستمراریّ مُعِدّة ، لا أنّ ا لعدم دخیل . وفی ا لحقیقـة : أنّ ا لشرط إن کان من قبیل ا لحرکـة یقال لـه : ا لمُعِدّ . ویمکن إرجاع غیر ا لسبب إلی ا لشرط ، وا لأمر سهل .
ثمّ إنّـه قد وقع بینهم نزاع فی ا لسبب وا لمسبّب فی ا لأفعال ا لتولیدیّـة ـ مثل حرکـة ا لید وا لمفتاح وفتح ا لباب ـ غیر نزاع وجوب ا لمقدّمـة ، وهو أنّ ا لأمر ا لمتعلّق با لمسبَّب بحسب ظاهر ا لدلیل هل هو أمرٌ بسببـه لُبّاً وحقیقةً ، أم لا ، أو یُفصَّل بین ا لأسباب ا لتی تکون آلـة لإیصال قوّة ا لفاعل إلی ا لمسبَّب ، کحرکـة ا لید وا لمفتاح ، وبین غیرها ، کا لإحراق وا لإلقاء فی ا لمسبعـة ؟
وتحقیق ا لحال یحتاج إلیٰ مقدّمـة : هی أ نّـه لا إشکال فی أنّ ا لإرادة سببٌ لوجود ا لمسبّب ا لتولیدی ، لکنّ ا لسبب ا لذی هو محلّ ا لکلام هو ا لفعل ا لصادر من ا لإرادة لانفسها ، فإذا صدرت حرکـة ا لید من إرادة ا لفاعل ، وترتّبت علیها حرکـة ا لمفتاح ، وترتّب علیها فتح ا لباب ، تحقّقت اُمور ثلاثـة :
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 118
أحدها : ا لحرکـة ا لقائمـة با لید .
ا لثانی : ا لحرکـة ا لقائمـة با لمفتاح .
ا لثا لث : فتح ا لباب .
فقد تـتعلّق إرادة ا لفاعل استقلالاً وأوّلاً وبا لذات بفتح ا لباب ، وقد تـتعلّق بحرکـة ا لمفتاح مثل أن یتعلّق غرضـه بامتحان ا لمفتاح ، وقد تـتعلّق بحرکـة ا لید مثل أن یتعلّق غرضـه بامتحان قوّة یده ، فیحرّکها فیترتّب علیٰ حرکتها حرکـة ا لمفتاح ، وعلیها فتح ا لباب .
فهاهنا وجودات ثلاثـة ، وإیجادات ثلاثـة ؛ لأنّ ا لإیجاد وا لوجود واحد حقیقـة ، متکثّر اعتباراً ؛ لأنّ ا لوجود إذا اعتبر فی نفسـه [فهو] وجود ، وإذا اعتبر انتسابـه ا لصدوری [إلیٰ] ا لفاعل [فهو] إیجاد ، فلایمکن أن یکون ا لوجود متعدِّداً ، وا لإیجاد واحداً ، بل هما فی ا لوحدة وا لتعدّد متکافئان .
لکن مع کونها وجودات وإیجادات ، یکون انتسابها إلی ا لفاعل بواسطـة ا لإرادة ا لواحدة ، ا لمتعلّقـة بأقدم ا لأسباب ؛ أی ا لفعل ا لمباشریّ ، فحرکـة ا لید متعلَّقـة للإرادة بلا واسطـة ، وحرکـة ا لمفتاح وفتح ا لباب منتسبان إلیها مع ا لواسطـة ، لا أنّ هاهنا إرادات ثلاثـة مستقلّـة ، بل إرادة واحدة متعلِّقـة با لفعل ا لمباشریّ ، وبا لفعل ا لتولیدیّ بواسطتـه ، وبا لمولَّد عن ا لتولیدیّ بواسطـة ا لتولیدی . . . إلیٰ آخر ا لأسباب وا لمسبّبات .
إذا عرفت ذلک فاعلم : أ نّـه قد استدلّ ا لقائلون بلزوم صَرف ا لتکا لیف ا لمتعلِّقـة با لمسبَّبات إلیٰ أسبابها :
تارة : بعدم مقدوریّـة ا لمسبّبات .
وفیـه : أنّ ا لمقدور مع ا لواسطـة مقدور .
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 119
وتارة : بأنّ ا لتکلیف لابدّ وأن یتعلّق با لفعل ا لصادر من ا لمکلّف ، وما هو صادرٌ منـه هو ا لسبب ا لمباشریّ ، دون غیره من ا لأسباب وا لمسبّبات ا لمتأخّرة عنـه .
وفیـه : أ نّـه إن اُرید من ا لفعل ا لصادر منـه ما هو صادر بلا واسطـة ، فا لکبریٰ ممنوعـة ؛ لعدم ا لدلیل علیها ، بل ا لضرورة قاضیـة بأنّ ا لتکلیف یحسن تعلّقـه بما هو فعل اختیاری لـه ولو مع ا لواسطـة . وإن اُرید منـه ما هو صادر مطلقاً ، فا لصغریٰ ممنوعـة ؛ لقضاء ا لضرورة بصدور کلٍّ من ا لأسباب وا لمسبّبات منـه اختیاراً .
ومنـه یظهر ا لخلل فی ا لمؤیّد ا لذی ذکروه : وهو أنّ ا لفاعل بعد إصدار ا لفعل ا لمباشریّ قد یموت قبل تحقّق ا لفعل ا لتولیدیّ ، کما لو فرض موت ا لرامی قبل إصابـة ا لسهم ا لغرض ، فانتساب ا لفعل إلی_' ا لرامیانتساب إلی ا لمیّت ، وهو باطل با لضرورة .
وفیـه : أنّ ا لانتساب إلیـه إنّما هو بصدور ا لرمی منـه وهو فی حال حیاتـه ، وأمّا ا لمسبّب فلایکون بإرادة مستقلّـة ، ولابقوّة فاعلـة اُخریٰ ، وهو واضح .
فاتّضح من ذلک : أ نّـه لا وجـه لصرف ظاهر ا لأدلّـة ا لدالّـة علیٰ تعلّق التکلیف با لمسبّبات ؛ ضرورة صحّـة ا لتکلیف بها ، کما یصحّ با لأسباب .
وممّا ذکرنا یعلم : أنّ مقارنـة ا لأسباب وا لمسبّبات زماناً غیر لازم ، بل یمکن انفکاکهما ، کما أنّ ا لتأخّر ا لزمانیّ أیضاً غیر لازم ، نعم ا لتأخّر ا لرتبیّ للمسبّب ـ قضاءً لحقّ ا لمعلولیّـة ـ لازم .
هذا حال ا لأسباب وا لمسبّبات ا لتولیدیّـة من ا لفواعل ا لطبیعیّـة ا لواقعـة فی
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 120
عمود ا لزمان .
وأمّا ا لأسباب وا لمسبّبات فی ا لفواعل ا لإلهیّـة ـ ا لتی یتقوّم ا لمسبّب [فیها] با لسبب ، ویکون ا لمسبّب عین ا لتعلّق بسببـه ـ فلایمکن انفکاکهما زماناً ، کما لایمکن ا لانفکاک بین ا لعلّـة ا لتامّـة ومعلولها مطلقاً .
منها: تقسیمها إلی المقارن والمتقدّم والمتأخّر
وقد استشکل فی ا لأخیرین : بأنّ ا لمقارنـة بین أجزاء ا لعلّـة ومعلولها لازمـة ؛ لاستحا لـة تأخّر ا لعلّـة عن ا لمعلول ، وکذلک تقدّمها علیـه ، فأشکل ا لأمرُ فی ا لمقدّمـة ا لمتأخّرة کا لأغسال ا للیلیّـة ا لمعتبرة فی صحّـة صوم ا لمستحاضـة عند بعضٍ وکا لإجازة فی صحّـة ا لعقد علی ا لکشف ، وفی ا لمقدّمـة ا لمتقدّمـة أیضاً کا لشرائط وا لمقتضیات وا لمتصرّمات زماناً ، وا لمتقضیّـة أجزاؤها ؛ لعدم بقائها حین ا لعقد بجمیع أجزائها ا لمؤثّرة فی ا لعقد ، فیعمّ إشکالُ انخرام ا لقاعدة ا لعقلیّـة فی غیر ا لشروط وا لمقتضیات ا لمقارنـة .
وا لتحقیق فی ا لجواب أن یقال : إنّ ا لموارد ا لتی تُوهم ورود ا لإشکال ، إمّا أن یکون ا لمتقدّم أو ا لمتأخّر شرطاً للتکلیف ، وإمّا شرطاً للمکلّف بـه ، وإمّا لأمر وضعیّ :
أمّا ا لأوّل : فکون شیء شرطاً للتکلیف ـ مثل ا لشرائط ا لعامّـة ، کا لقدرة ، وا لتمییز بین ا لحسن وا لقبیح ، وأمثال ذلک ـ إنّما هو بمعنیٰ دخا لـة ا لشرط فی
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 121
إمکان تعلّق ا لتکلیف با لمکلّف .
وبعبارة اُخریٰ : لایکون توجُّـه ا لتکلیف إلی ا لمکلّف ، وتعلّقـه با لمکلّف بـه ـ من ا لمولی ا لحکیم ـ ممکناً ، إ لاّ مع شرائط وقیود فی ا لمکلَّف ؛ من کونـه قادراً ممیّزاً بین ا لحسن وا لقبح ، وفی ا لمکلّف بـه ؛ من کونـه مقدوراً ممکن ا لتحقّق ، ولاتکون تلک ا لشروط مؤثّرة فی وجود ا لتکلیف حتّیٰ یرد ا لإشکال ؛ لاستحا لـة دخا لـة ما هو من شرائط إمکان تعلّق ا لتکلیف با لمکلّف بـه أو توجّهـه إلی ا لمکلّف فی ا لمؤثّریّـة فی وجوده ، فعِللُ وجود ا لتکلیف اُمور اُخریٰ کلّها مقدّمـة علیـه ، وأمّا تلک ا لشروط ا لدخیلـة فی إمکان ا لتکلیف ، فلا محذور فی تقدّمها أو تأخّرها عنـه ، کما لایخفیٰ .
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 122
وأمّا ا لثانی : فکون شیء شرطاً للمکلّف بـه لیس بمعنیٰ کونـه مؤثّراً فی وجوده ، بل بمعنیٰ أ نّـه من حدوده وقیوده .
فتارة : یکون ا لمکلّف بـه هو عنوان «ا لصلاة» ا لتی یقارنها ا لستر ، أو یتقدّم علیها ا لوضوء مثلاً ، أو یتأخّر عنها شیء ، ومن هذا ا لقبیل صوم ا لمستحاضـة ؛ فإنّ ا لمأمور بـه هو ا لصوم ا لمتقیّد بکونـه متعقّباً با لأغسال ا للیلیّـة .
وتارة : یتعلّق ا لتکلیف بعنوان بسیط ، غیر منطبق بحسب ا لواقع إ لاّ علیٰ شیء ، یکون مقارناً أو مسبوقاً أو ملحوقاً بشیء .
وکلّ ذلک ممّا لا إشکال فیـه أصلاً ، ولیس فی البین تأثیر وتأثّر وعلّیّـة ومعلولیّـة .
ومن ذلک یُعلم حال ا لوضع أیضاً ؛ فإنّ ما هو موضوع انتزاع ا لنقل وا لانتقال منـه هو ا لعقد ا لمتعقَّب با لإجازة ، ولیس ا لعقد من قبیل ا لعلّـة ا لمؤثّرة ؛ بمعنیٰ ما منـه ا لوجود ، بل هو موضوع لأمر اعتباریّ عند ا لعقلاء بلاتأثیر وتأثّر فی ا لبین ، کما هو واضح .
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 123
نعم ، قد تکون ا لشروط من أجزاء ا لعلّـة ا لتی منها ا لوجود ، وحینئذٍ فتقدّمها ا لطبعیّ علی ا لمعلول ممّا یحکم بـه ا لعقل ، أمّا مقارنتها ا لزمانیّـة فی غیر ا لزمانیّات فممّا لا معنیٰ لها ، وأمّا فیما هو واقع فی سلسلـة ا لأزمان ، فلزوم ا لمقارنـة بینـه وبین ا لمعلول محلّ تأمّل وإشکال ، تأمّل .
إذا عرفت ما تلوناه علیک فاعلم : أنّ ا لکلام واقع فی أنّ شروط ا لمأمور بـه ـ ا لتی هی من قیوده ـ هل هی واجبـة با لوجوب ا لترشّحی ا لمقدّمی ـ کما فی ا لمقدّمات ا لوجودیّـة ا لخارجیّـة علی ا لقول بوجوبها ـ أم هی واجبـة بعین
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 124
وجوب ذی ا لمقدّمـة کا لمقدّمات ا لداخلیّـة علیٰ ما عرفت حا لها ؟
ا لحقّ هو ا لثانی ؛ لأنّ ا لتقیّدات ا لمأخوذة فی ا لمأمور بـه موجودة بعین وجود ا لقیود ، لابوجود آخر ، ویکون ا لوجوب ا لمنبسط علیها منبسطاً علی ا لقیود أیضاً ، ولایکون لها وجوب علیٰ حِدَة ، فحا لها حال ا لمقدّمات ا لداخلیّـة ا لتی عرفت أ نّها واجبـة بعین وجوب ذیها .
الأمر الثالث: فی أقسام الواجب
قد عُرّف ا لواجب : بما یستحقّ علیٰ فعلـه ا لثواب ، وعلیٰ ترکـه ا لعقاب .
وهذا لازم ا لمعنیٰ ، کما لایخفیٰ .
وا لأولیٰ تعریفـه : بأ نّـه ما تـتعلّق بـه ا لإرادة ا لمؤکّدة ، وقد ذکرنا سابقاً حال ا لإرادة فی ا لواجب وا لمستحبّ ، فراجع .
وکیف کان ، فقد قسّم ا لواجب بتقسیمات :
منها: تقسیمه إلی المطلق والمشروط
وقد عرّفهما ا لقوم بتعریفات شتّیٰ ، وأطا لوا ا لنقض وا لإبرام فی أطرافها . فقیل : إنّ ا لمطلق ما لایتوقّف وجوبـه علیٰ شیء .
وقیل : هو ما لایتوقّف وجوبـه علیٰ شیء سوی ا لشرائط ا لعامّـة .
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 125
وقیل : ما لایتوقّف وجوبـه علیٰ ما یتوقّف علیـه وجوده .
وا لمشروط فی کلٍّ من ا لتعاریف مقابل ا لمطلق .
وا لحقّ : ما أفاد ا لمحقّق ا لخراسانی رحمه الله : من أنّ ا لإطلاق والاشتراط وصفان إضافیّان ، ومن قبیل ا لمتضایفین ، وهما لایجتمعان فی موضع واحد بجهـة واحدة ، کالاُبوّة وا لبُنوَّة ا للّتین لاتجتمعان فی موضع واحد باعتبار واحد ، وأمّا بجهتین فلا مانع من اجتماعهما ، فیمکن أن یکون شخص واحد أباً وابناً من جهتین ، وا لمطلق وا لمشروط من هذا ا لقبیل ؛ فإنّ کلّ شیء یلاحظ مع ا لواجب ، فإمّا أن یکون وجوبـه با لنسبـة إلیـه مشروطاً ، أو لا .
وا لثانیمطلق با لإضافـة إلیـه ، وإن أمکن أن یکون مشروطاً با لإضافـة إلیٰ غیره وهذا واضح .
وا لظاهر أنّ تخصیص ا لتفتازانی وبعض آخر ا لکلامَ با لمقدّمات ا لوجودیّـة ـ حیث عرّفوه : بما لایتوقّف وجوبـه علیٰ ما یتوقّف علیـه وجوده ـ لیس لأجل أنّ فی ا لمطلق وا لمشروط اصطلاحاً خاصّاً ؛ بل لأنّ کلامهم لمّا کان فی وجوب ا لمقدّمـة ، وکانت ا لمقدّمـة ا لوجودیّـة ا لتی هی مقدّمـة للوجوب أیضاً من مستثنیات وجوب ا لمقدّمـة ، خصّصوا ا لکلام بذلک ، وإ لاّ فلیس فی ا لبین اصطلاح خاصّ ، ولاینبغی ا لنقض وا لإبرام فیما لاتـترتّب علیـه ثمرة مهمّـة .
ثمّ ا لظاهر من ا لفقهاء والاُصولیّین وا لمتکلّمین وکلّ مَنْ تصدّیٰ لبیان ا لواجب ا لمشروط ، هو رجوع ا لشرط إلی ا لهیئـة إلیٰ زمن ا لشیخ قدّس سرُّه وهو أیضاً
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 126
اعترف بأنّ مقتضی ا لقواعد ا لعربیّـة رجوعـه إلیها ، کما أنّ ا لمتفاهم ا لعرفیّ ذلک إ لاّ أ نّـه أشکل فیـه علیٰ ما فی تقریرات بحثـه .
وما یمکن أن یکون وجـه ا لإشکال اُمور :
منها : أنّ ا لطلب عقلاً لابدّ وأن یتعلّق با لمادّة لُبّاً ؛ لأنّ ا لعاقل إذا توجّـه إلیٰ شیء ، فإمّا أن یکون ممّا فیـه ا لمصلحـة مطلقاً ، فیصیر متعلّقاً لشوقـه وإرادتـه وطلبـه کذلک ، وإمّا أن تکون فیـه مصلحـة علیٰ تقدیر خاصّ . وذلک ا لتقدیر : تارة یکون من الاُمور الاختیاریّـة ، واُخریٰ لایکون کذلک . وما کان من قبیل ا لأوّل : قد یکون مأخوذاً علیٰ نحوٍ یکون مورداً للتکلیف ، أو لاٰ .
وعلیٰ أیّ حالٍ : یتعلّق ا لشوق وا لإرادة وا لطلب بـه علیٰ نحو ما یکون فیـه ا لمصلحـة ، ولا معنیٰ لعدم تعلّق ا لإرادة وا لطلب بـه ، وتوقّفـه علیٰ شیء .
ومحصّل مرامـه : أنّ ا لأوامر إنّما تـتعلّق با لمتعلّقات لأجل ا لمصا لح ا لکامنـة فیها ، وفی ا لواجبات ا لمشروطـة لابدّ وأن تـتعلّق با لمقیّد ؛ لکون ا لمصلحـة فیـه دون ا لمطلق .
لکن لمّا أشکَل ا لأمرُ فی ا لقیود الاختیاریّـة من أنّ تعلّق ا لأمر با لمقیّد بها مستلزم لوجوب تحصیل ا لقید أیضاً ؛ لأنّ ا لطلب ا لمطلق إذا تعلّق با لمطلوب ا لمقیّد یجب تحصیل قیده بلا إشکال ، مع أنّ فی ا لواجبات ا لمشروطـة لم یکن تحصیل ا لشرط واجباً با لضرورة .
فأجاب عنـه : بأنّ ا لمصلحـة کما أ نّها قد تکون فی ا لمقیّد بنحو یکون ا لقید مورداً للتکلیف کما فی ا لصلاة ا لمقیّدة ـ با لوضوء وا لغسل ، فإنّهما دخیلان فی ا لمصلحـة ، فتعلّق ا لتکلیف بهما ـ کذلک قد تکون فی ا لمقیّد بنحو یکون ا لقید غیر
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 127
مکلّف بـه ، عکس ا لصورة ا لمتقدّمـة ، کما فی ا لحج ا لمقیّد با لاستطاعـة ، فا لاستطاعـة وإن کان تحصیلها من الاُمور الاختیاریّـة ا لقابلـة لتعلّق ا لتکلیف بها ، لکنّ ا لمصلحـة إنّما هی فی ا لحجّ ا لمقیّد با لاستطاعـة ، ا لتی اُخذت علیٰ نحوٍ لم یتعلّق ا لتکلیف بها ؛ أی حصولها من باب ا لاتّفاق مثلاً ، فا لطلب ا لمتعلّق با لحجّ ا لمقیّد لایسری إلی ا لقید ؛ لقیام ا لمصلحـة [بـه ]بهذا ا لنحو .
هذا ملخّص ما أفاده ا لمقرّر رحمه الله .
ویرد علیـه : ـ مضافاً إلیٰ أنّ عدم کون شیء مورداً للتکلیف لیس من الاُمور ا لدخیلـة فی ا لمصلحـة ؛ فإنّ ا لأعدام لا معنیٰ لدخا لتها فی شیء ، بل هذا فی ا لحقیقـة یرجع إلیٰ أنّ نفس ذات ا لمقیّد مصلحـة ؛ بلا دخا لـة شیء آخر فیها ، فقیاس ذلک علیٰ موردٍ یکون ا لأمر ا لعبادیّ دخیلاً فی ا لمأمور بـه کا لوضوء وا لغسل ، لیس علیٰ ما ینبغی ـ أنّ لرجوع ا لقیود إلی ا لواجب أو إلی ا لوجوب ملاکات بحسب مقام ا لثبوت وا لواقع ، لایمکن ا لتخلّف عنها ، فلابدّ أوّلاً من بیان تلک ا لملاکات ا لواقعیّـة ؛ حتّیٰ یتّضح ا لأمر ، ویرتفع ا لخلط .
فنقول : إنّ ا لأوامر قد تـتعلّق با لمتعلَّقات لغرض جلب ا لمنافع ا لکامنـة فیها ، وقد تـتعلّق لغرض دفع ا لمفاسد وا لمضارّ ، فکلّ قید یکون دخیلاً بحسب ا لثبوت فی جلب ا لمنافع أو دفع ا لمضار ـ بحیث یکون ا لمتعلّق بلاتقیّده بـه لایجلب ا لمصلحـة ، أو لایدفع ا لمفسدة ـ لابدّ وأن یرجع إلی ا لواجب لا ا لوجوب ؛ فإنّ ا لوجوب وا لإیجاب آلـة لتحصیل تلک ا لمصلحـة أو دفع ا لمفسدة ، ووسیلـة لإیصا لها إلی ا لعباد محضاً ، وأمّا ا لمصلحـة فقائمـة بنفس ا لمقیّد بما أ نّـه مقیّد ، ففی مثل تلک ا لموارد یرجع ا لقید إلی ا لواجب وا لمادّة ، لا ا لوجوب وا لهیئـة ، فلو فرض أنّ ا لصلاة لاتکون بنفس ذاتها بلاتقیّدها با لطهارة ذات مصلحـة ، لا یُعقل تعلّق ا لطلب بها بنحو ا لإطلاق ، کما لا یُعقل أن یکون ا لطلب ا لمتعلّق بها مشروطاً ،
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 128
بل ا لطلب ا لمطلق یتعلّق با لصلاة ا لمقیّدة بها .
هذا ملاک ا لقیود ا لتی لابدّ من إرجاعها إلی ا لمادّة لُبّاً .
وأمّا ملاک ا لقیود ا لتی لا یُعقل رجوعها إلیها ، بل لابدّ من رجوعها إلی ا لهیئـة بحسب ا لثبوت ، فإنّما یکون فی موارد :
ا لأوّل : ما إذا کانت ا لمصلحـة فی فعلٍ مطلقاً وبلا شرطٍ ، ولکن یکون فی بعث ا لمولیٰ نحوه بنحو ا لإطلاق مانع ، کموارد عجز ا لمکلّف وجنونـه ، أو کونـه غیر ممیّز ، أو کونـه غافلاً أو نائماً . . . إلیٰ غیر ذلک من موارد قصوره ، فإذا کان ا لفعل علیٰ نحو ا لإطلاق ذا مصلحـة ، فلایمکن أن یرجع ا لقید إلی ا لمادّة عقلاً ؛ ضرورة عدم دخا لـة تلک ا لقیود فی ا لمصلحـة ، فلا معنیٰ لتقیّدها بها ، ولمّا لم یمکن أن یتعلّق ا لبعث با لقاصر علیٰ نحو ا لإطلاق ، فلابدّ وأن ترجع ا لقیود إلی ا لوجوب لا ا لواجب ، وهذا واضح .
ا لثانی : ما إذا کانت ا لمصلحـة فی ذات ا لفعل مطلقاً بلا قیدٍ وشرطٍ ، ویمکن
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 129
أن یتعلّق ا لأمر بـه علیٰ نحو ا لإطلاق ، لکن لطف ا لمولیٰ با لعبد یقتضی أن یتعلّق ا لطلب بـه علیٰ نحو خاصٍّ ، ویجعل للوجوب شرطاً أو شرائط ؛ لأجل ا لتسهیل علی ا لعباد وا لتوسعـة علیهم ، أو لأنّ ا لمولیٰ یریٰ أنّ ا لأمر إذا تعلّق با لفعل بنحو ا لإطلاق یقع نوع ا لمکلَّفین فی ا لمعصیـة ، فلأجل لطفـه علیهم یشترط وجوبـه بشرائط تسهّل ا لأمر علیهم ، فلو فرض أنّ فی ا لحجّ مصلحـة مطلقاً ، کان ا لمکلّف مستطیعاً شرعاً أو لاٰ ، وفی ا لزکاة مصلحـة ، بلغ ا لمال ا لزکویّ حدّ ا لنصاب أو لم یبلغ ، لکن مصلحـة ا لتسهیل وا للّطف ا لإلٰهیّ اقتضت أن یُشترط ا لوجوب با لاستطاعـة وبلوغ ا لنصاب ، ففی مثل تلک ا لموارد لایمکن أن یتوجّـه ا لقید إلی ا لواجب وا لمادّة ؛ فإنّ ا لقید لا دخا لـة لـه فی ا لمصلحـة با لفرض ، فلا معنیٰ لتقیّدها بـه ، بل ا لمانع فی ا لإیجاب وا لأمر علیٰ نحو ا لإطلاق .
ا لثا لث : ـ وهو أوضح ا لموارد ـ أن لایکون ا لغرض من ا لأمر جلب ا لمنافع ، بل ا لغرض منـه دفع منقصـة متوجّهـة إلی ا لعبد ، أو رفع مفسدةٍ ابتلیٰ بها ، کما فی باب ا لکفّارات .
مثلاً : لو فرض أنّ ا لظِّهار ، أو ا لإفطار متعمّداً فی شهر رمضان ، وحَنث ا لنَّذر وا لعهِد ، وا لصیدَ حال ا لإحرام . . . وأمثال ذلک ، توجب منقصـة للعبد لاتنجبر إ لاّ با لکفّارات ، فلابدّ من تعلّق ا لطلب با لکفّارات بعد تحقّق تلک ا لمنقصة ؛ لأجل رفعها .
ولایعقل أن ترجع ا لشروط وا لقیود ا لکذائیـة إلی ا لمادّة ، ولایعقل أن یتقیّد ا لمکلّف بـه بتلک ا لقیود ؛ فإنّها موجبـة للمنقصـة ، ولایعقل دخا لتها فی رفعها ، فلایمکن أن یقال : إنّ ا لمصلحـة قائمـة با لکفّارة ا لمقیّدة بإفطار شهر رمضان ، ففی قولـه : «إن أفطرت متعمّداً وجبت ا لکفّارة» لابدّ وأن یرجع ا لشرط إلی ا لهیئـة ،
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 130
ولایعقل رجوعـه إلی ا لمادّة .
وإن شئت فانظر إلی ا لأمثلـة ا لعرفیّـة ، مثل قول ا لطبیب للمریض : «إذا مرضت فاشرب ا لدواء» فهل یمکن أن یقال : إنّ ا لأمر تعلّق بشرب ا لدواء ا لمتعقَّب با لمرض ، وإنّ ا لمرض لـه دخا لـة فی ا لمصلحـة أو دفع ا لمفسدة ؟ ! تدبّر ولاتغفل .
إذا عرفت ما ذکرنا : من حال ا لقیود فی عا لم الُلبّ والثبوت ، وأنّ بعضها یرجع إلی ا لمادّة ، وبعضها إلی ا لهیئـة ، ومعلوم أنّ مقتضی ا لقواعد ا لعربیّـة وا لمتفاهم ا لعرفیّ رجوع ا لقیود إلی ا لهیئات ، فلابدّ مع عدم إحراز ا لرجوع إلی ا لمادّة [من ]إرجاعها إلی ا لهیئـة لا ا لمادة فی مقام ا لإثبات ؛ ضرورة أنّ إفهام مثل هذا ا لمعنیٰ ؛ أی ا لوجوب ا لمشروط ، من ضروریّات أهل ا للسان ، فحکمـة ا لوضع تقتضی أن یکون بإزاء هذا ا لمعنیٰ ـ ا لذی هو مورد ا لاحتیاج کثیراً فی ا لمحاورات ـ لفظ دالّ علیـه ، فا لشبهات ا لواردة فی ا لمورد من قبیل ا لشبهـة فی مقابل ا لبدیهـة ، مع أ نّها کلّها قابلـة للدفع :
منها : أنّ ا لهیئـة لمّا کانت آلـة إیجاد ا لطلب وتحقّقـه ، لایمکن أن تکون معلَّقـة ومشروطـة بشیء ؛ فإنّ ا لإیجاد هو ا لمساوق للوجود وا لتحقّق ، وا لتعلیق هو اعتبار ا للا تحقّق ، وهما لایجتمعان .
وا لجواب عنـه : أنّ ا لإیجاد الاعتباری أمره سهلٌ ، وا لمغا لطـة إنّما وقعت من اشتباه ا لأمر ا لمحصّل با لأمر الاعتباری ، وإ لاّ فا لإیجاد الاعتباری قابل
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 131
للإطلاق وا لاشتراط وا لتعلیق .
ومنها : أنّ ا لهیئـة من ا لمعانی ا لحرفیّـة ، فلایعقل أن تکون مستقلّـة با للّحاظ ، مع أ نّـه لابدّ فی ا لاشتراط وا لتعلیق من ا للّحاظ ا لاستقلالیّ فی ا لمشروط وا لمعلّق .
وا لجواب : أ نّها قابلـة للّحاظ ولو بنظرة ثانیـة ، مع أنّ لنا أن نقول بمقا لـة ا لمحقّق ا لقمّی رحمه الله ؛ من أنّ حقیقـة ا لاشتراط هی رجوع ا لشرط إلی ا لمکلّف ، وتنویع ا لمکلّفین إلیٰ نوعین فقولـه : «للّه ِ عَلَی النّاسِ حِجُّ البَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إلَیْهِ سَبیلاً» أنّ ا لمستطیع یجب علیـه ا لحجّ ، کما أنّ ا لظاهر من الآیـة ا لشریفـة ذلک أیضاً ؛ فإنّ ا لموصول بدل [من] ا لناس بدل ا لجزء من ا لکلّ .
وبا لجملـة : فی جمیع ا لموارد ا لتی ترجع ا لقیود فیها إلی ا لهیئـة ، یمکن ا لتخلّص عن کافّـة ا لإشکا لات بإرجاع ا لقیود إلی ا لمکلّفین .
ومنها : أنّ ا لهیئـة جزئیّـة حقیقیّـة ؛ فإنّ ا لوضع فیها عامّ ، وا لموضوع لـه خاصّ ، ولایمکن تقیید ا لجزئیّات ا لحقیقیّـة .
وا لجواب أوّلاً : بمنع ا لصغریٰ . وثانیاً : برجوع ا لشرط إلی ا لمکلّف ، کما
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 132
عرفت .
وبا لجملـة : لا محیص عن رجوع ا لقید إلی ا لوجوب ، ولابدّ من ردّ ا لشبهات ا لواردة فی مقابل ا لحقیقـة ا لرائجـة ، تدبّر ولاتغفل .
ومنها: تقسیمه إلی المعلّق والمنجّز
وهذا تقسیم واصطلاح من صاحب «ا لفصول» رحمه الله . قال فی ما ملخّصـه :
وینقسم باعتبار آخر إلیٰ ما یتعلّق وجوبـه با لمکلّف ، ولایتوقّف حصولـه علیٰ أمرٍ غیر مقدورٍ لـه کا لمعرفـة ، ولیسمّ منجّزاً . وإلیٰ ما یتعلّق وجوبـه بـه ، ویتوقّف حصولـه علیٰ أمرٍ غیر مقدورٍ لـه ، ولیسمّ معلَّقاً کا لحجّ ؛ فإنّ وجوبـه فی أوّل زمن ا لاستطاعـة ، ویتوقّف فعلـه علیٰ مجیء وقتـه ، وهو غیر مقدورٍ . وا لفرق بین هذا ا لنوع وبین ا لواجب ا لمشروط هو أنّ ا لتوقّف هناک للوجوب ، وهنا للفعل .
ثمّ شرع فی سدّ ثغوره بما محصّلـه : أنّ ا لوجوب فی ا لواجب ا لمعلّق حا لیّ ، وا لواجب استقبا لیّ ، وا لوجوب ا لحا لی إنّما هو مشروط بأمر انتزاعیّ متحقّق فی ا لحال ، وإن انتُزع من أمر متأخّر ، فوجوب ا لحجّ قبل مجیء ذی ا لحجّـة معلّق علیٰ أمر انتزاعیّ ؛ هو کون ا لمکلّف بحیث یدرک ذا ا لحجّـة قادراً علی ا لحجّ ، وهذا
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 133
ا لأمر ا لانتزاعیّ صادق علی ا لمکلّف فی ا لحال ، وإن کان انکشافـه فی ا لاستقبال ، فلایکون ا لزمان ا لمقدّم ظرفاً للوجوب وا لواجب ؛ حتّیٰ یلزم ا لتکلیف با لمحال ، ولایکون نفس بلوغ ا لمکلّف إلی ا لوقت شرطاً للوجوب ؛ حتّیٰ یتعلّق ا لوجوب بـه بعد حضور ا لوقت ، بل ا لشرط هو هذا ا لأمر الانتزاعی ا لمتحقّق فی ا لحال وا لمنطبق علی ا لمکلّف ، ویکون ا لوجوب ـ لأجل حصول شرطـه ـ حا لیّاً ، وا لواجب استقبا لیّاً .
وا لفرق بین ا لواجب ا لمعلّق وا لمشروط : أنّ ا لأوّل مشروط بأمر انتزاعیّ ، وا لثانی مشروط بنفس ا لأمر ا لخارجیّ ، ففرق إذاً بین قول ا لقائل : «إذا دخل وقت کذا فافعل کذا» وبین قولـه : «افعل کذا فی وقت کذا» فإنّ ا لأوّل جملـة شرطیّـة ، مفادها تعلّق ا لأمر وا لوجوب با لمکلّف عند دخول ا لوقت ، وا لثانی جملـة طلبیّـة مفادها إلزام ا لمکلّف با لفعل فی ا لوقت الآتی .
ومن هذا ا لنوع کلّ واجب مطلق توقّف وجوده علیٰ مقدّمات مقدورة غیر حاصلـة ، فإنّـه یجب قبل وجود ا لمقدّمات إیجاد ا لفعل بعد زمن یمکن إیجادها فیـه ، وإ لاّ لزم خروج ا لواجب ا لمطلق عن کونـه واجباً مطلقاً ، أو ا لتکلیف بما لایطاق ، وکلاهما ضروریّ ا لفساد .
ومحصّل مرامـه : أ نّـه کما أنّ ا لحجّ قبل دخول ذی ا لحجّـة یکون واجباً علیٰ من یدرکـه قادراً علیـه ، وظرف ا لإتیان هو ذو ا لحجّـة ، فکذلک ا لصلاة فی أوّل ا لوقت واجبـة علیٰ من یأتی با لمقدّمات قادراً علیٰ إتیانها بعدها ، فلا فرق بین کون ا لمکلّف بـه غیر ممکن ا لوجود [لأجل] تقیّده بزمان استقبا لیّ أو أمر آخر استقبا لیّ لم یکن تحت قدرة ا لعبد ، وبین کونـه کذلک [لأجل] امتناع تحقّقـه عقلاً قبل حصول ا لمقدّمات ، ففی کلیهما یکون ا لوجوب حا لیّاً وا لواجب استقبا لیّاً .
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 134
ثمّ شرع فی بیان أمر آخر سیأتی فی باب ا لترتّب إن شاء اللّه تعا لیٰ .
فتحصّل ممّا لخّصنا من کلامـه : أ نّـه لم یقسِّم ا لواجب إلی ا لمطلق وا لمشروط ، وا لمطلق إلی ا لمعلَّق وا لمنجَّز ، کما قیل .
وأیضاً لم یجعل ا لمعلَّق قسماً ثا لثاً فی مقابل ا لمطلق وا لمشروط ، بل هو قسَّم ا لواجب ـ باعتبار ـ إلی ا لمطلق وا لمشروط ، وباعتبارٍ آخر إلی ا لمعلَّق وا لمنجَّز ، وباعتبارٍ آخر إلیٰ غیرهما .
وبما ذکرنا ـ من تصویر ا لواجب ا لتعلیقی ، وأنّ ظرف ا لواجب فی ا لاستقبال ، ولکنّ ا لوجوب حا لی ـ اندفع ا لإشکال ا لمعروف فی وجوب بعض ا لمقدّمات فی ا لواجبات ا لموقّتـة قبل وقتها ، کغسل ا لجنابـة ا لذی هو شرط لصحّـة ا لصوم ، فإنّـه واجب قبل ا لفجر ، مع أنّ وجوب ا لصوم من أوّل ا لفجر ، فیلزم وجوب ا لمقدّمـة قبل وجوب ذیها .
فأجاب عن ا لإشکال صاحب «ا لفصول» رحمه الله : بکون ا لواجب فی مثلـه تعلیقیٌّ .
وأجاب أخوه ا لمحقّق رحمه الله عنـه : بأنّ ا لغسل واجبٌ نفسیّ تهیّئی .
وأجاب ا لشیخ ا لعلاّمـة رحمه الله عنـه ـ بعد ا لإشکال علیٰ صاحب ا لفصول : بعدم ا لفرق لُبّاً بین ا لمثا لین ا لمتقدّمین ؛ أی قولـه : «إذا دخل ا لوقت» إلیٰ آخره ـ بأنّ ا لوجوب فی مثل تلک ا لمقدّمات لایکون بملاک ا لوجوب ا لترشّحی ا لمقدّمی ،
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 135
بل بملاک تفویت ا لواجب ، فکما أنّ ا لعقل یحکم بقبح مخا لفـة ا لواجب ، کذلک یحکم بقبح ترک أمرٍیفوت بـه ا لواجب ، وإن لم یکن ا لوجوب فی ا لحال ، فترک ا لغسل قبل وجوب ا لصوم موجبٌ لتفویتـه ، وا لعقل یحکم بوجوب إتیانـه حتّیٰ یتمکّن من صوم ا لیوم .
هذا ، ولایخلو کلام ا لشیخ رحمه الله فی ا لمقام من تهافتٍ مع ما اختاره فی ا لواجب ا لمشروط ؛ فإنّ ا لوجوب ا لمشروط ـ بما حقّقـه ـ یکون کا لوجوب ا لمعلّق علیٰ مذهب صاحب «ا لفصول» ، مع أنّ ما ذکره من حکم ا لعقل بلزوم إتیان أمثال ذلک لابملاک ا لمقدّمیّـة ، بل بملاکٍ آخر ، فی محلّ ا لمنع .
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 136
ثمّ إنّ هاهنا إشکالاً علی ا لواجب ا لمعلّق : وهو أنّ وزان ا لإرادة ا لتشریعیّـة کوزان ا لإرادة ا لتکوینیّـة ، طابق ا لنعل با لنعل ، وحذو ا لقذّة با لقذّة ، وهی فی ا لإمکان وا لامتناع تابعـة للتکوینیّـة ، فکما أنّ ا لإرادة ا لتکوینیّـة ممتنعـة ا لتعلّق بأمر یکون متقیّداً بشیء غیر مقدور کا لزمان ا لمتأخّر ، أو أمر آخر لایکون تحت قدرة ا لعبد ، فکذلک ا لإرادة ا لتشریعیّـة ا لتی هی بإزاء ا لتکوینیّـة .
وا لحاصل : أ نّـه فرقٌ بین ا لفعل ا لمقیّد بأمرٍ غیر مقدورٍ ـ کا لحجّ فی ذی ا لحجّـة قبل حضور ا لموسم ـ وبین ا لفعل ا لذی یکون مقدوراً ، لکن یتوقّف علیٰ مقدّمات مقدورة تدریجیّـة ا لحصول ، ربّما یطول إتیانها عدّة ساعات أو أیّام ، ففی ا لأوّل یمتنع تعلُّق ا لإرادة ا لتکوینیّـة ا لفعلیّـة علیٰ إیجاد ا لفعل ، وإنّما تکون ا لإرادة تعلیقیّـة مشروطـة ؛ بأ نّـه «لو أدرکتُ ذا ا لحجّـة مثلاً قادراً علی ا لحجّ لحججتُ» بخلاف ا لثانی ، فإنّ ا لإرادة ا لفعلیّـة لا مانع من تعلّقها بـه ؛ فإنّ ا لمقدور با لواسطـة مقدور ، فقبل ا لزوال لایمکن تعلّق ا لإرادة ا لفعلیّـة بإتیان ا لصلاة ، خصوصاً إذا لم یکن لها مقدّمات ، أو کانت حاصلـة ، ویکون ا لمکلّف منتظراً لدخول ا لوقت ، فلایمکن فعلیّـة ا لإرادة ضرورة ، وأمّا بعد تحقّق ا لزوال فتتعلّق ا لإرادة بها [وإن] توقّف وجودها علیٰ عدّة مقدّمات غیر حاصلـة تکون تحت قدرة ا لعبد ، کتحصیل ا لساتر وا لماء وغیرهما من ا لمقدّمات ؛ فإنّ ا لصلاة مقدورة مع ا لقدرة علیٰ مقدّماتها ، فتتعلّق ا لإرادة بها .
هذا حال ا لإرادة ا لتکوینیّـة ، وا لإرادة ا لتشریعیّـة مثلها طابق ا لنعل با لنعل ،
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 137
فلایمکن تعلّقها بأمرٍ متأخّر یتوقّف حصولـه علیٰ أمرٍ غیر مقدور ـ کا لزمان وشبهـه ـ إ لاّ علیٰ سبیل ا لاشتراط ، ویمکن تعلّقها بأمرٍ متوقّف علیٰ مقدّمات مقدورة .
فإذاً فرقٌ بین تأخّر ا لفعل لأجل عدم حضور وقتـه ، وتأخّره لأجل ا لتوقّف علیٰ مقدّمات تدریجیّـة مقدورة ، تأمّل .
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 138
فذلکة
وفذلکـة مرام صاحب «ا لفصول» : أنّ اعتبار انقسام ا لواجب إلی ا لمشروط وا لمطلق غیر اعتبار انقسامـه إلی ا لمنجَّز وا لمعلّق ، وإن کان ا لمعلّق قسماً من ا لمشروط بحسب ا لواقع ، لکنّ ا لاعتبارین مختلفان ؛ فإنّ ا لتعلیق باعتبار کون ا لواجب کأ نّـه مراعیٰ إلیٰ حصول وقتـه ، وإن کان ا لوجوب فعلیّاً باعتبار اشتراطـه بأمر انتزاعیّ متحقّق با لفعل ، وإنّما ا لباعث علی هذا ا لتقسیم عدم تصویره ا لشرط ا لمتأخّر .
وأمّا نحن ففی فُسحـة من ذلک ، فإنّ ا لشرط ا لمتأخّر ممّا لا مجال لإنکاره ؛ ألا تریٰ أنّ ا لقدرة علیٰ ا لعمل شرط ا لتکلیف عقلاً ، مع عدم لزوم کونها مقارنـة للتکلیف ، بل ا للاّزم عقلاً کون ا لمکلّف قادراً حین ا لإتیان ، بل کلّ ا لأعمال ا لتدریجیّـة مشروطـة با لشرط ا لمتأخّر ، وهو ا لقدرة علی ا لعمل إلیٰ تمامـه .
وا لإیرادات ا لتی أوردوا علی صاحب «ا لفصول» وإن لم تکن واردة علیـه ، لکن یرد علیـه ـ مضافاً إلیٰ عدم ا لداعی إلی هذا ا لتقسیم بعد تصوّر ا لشرط ا لمتأخّر ـ أنّ إشکال ا لشرط ا لمتأخّر وارد علی ا لواجب ا لتعلیقی أیضاً ؛ فإنّ الاُمور
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 139
ا لانتزاعیّـة ا لتی جعلها شروطاً للواجب لاتکون شروطاً بمفاهیمها ، بل بوجوداتها ، ومعلوم أنّ الاُمور الانتزاعیّـة موجودیّتها بعین مناشئ انتزاعها ، وا لغرض أنّ ا لمناشئ متأخّرة وجوداً .
وعلیٰ أیّ حالٍ : إنّ ا لإشکال ا لمعروف ـ وهو وجوب ا لمقدّمـة فی بعض ا لواجبات قبل وجوب ذیها ـ مرتفعٌ ؛ إمّا بتصویر ا لواجب ا لتعلیقی ، أو با لالتزام با لشرط ا لمتأخّر ، أو با لالتزام با لوجوب ا لنفسی لأجل ا لغیر لو دلَّ دلیلٌ علیـه .
بقیت تـتمّات لعلّنا نتعرّض لها إن شاء اللّه تعا لیٰ .
ومنها: تقسیمه إلی الأصلی والتبعی
وهذا تقسیم بحسب مقام ا لإثبات وا لدلالـة ، کما أنّ ا لتقسیم إلی ا لنفسی وا لغیری بحسب مقام ا لثبوت وا لواقع .
فا لأصلی ـ علیٰ ما عرّفـه ا لمحقّق ا لقمی رحمه الله ـ هو ما فهم وجوبـه من خطاب مستقلّ غیر لازم لخطاب آخر ، وبعبارة اُخریٰ ما یکون ا لمتکلّم قاصداً لإفهامـه من ا لکلام .
وا لتبعی بخلافـه ، مثل دلالـة ا لإشارة ، کأقلّ ا لحمل ا لمفهوم من قولـه تعا لیٰ : «وَالْوَالِداتُ یُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَیْنِ کامِلَیْنِ» ، وقولـه : «وَحَملُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً» ، فإنّ دلالتها علیٰ أقلّ ا لحمل تکون بدلالـة ا لإشارة ، ولاتکون مقصودة ، وا لواجب ا لتبعی أیضاً کذلک .
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 140
هذا ، لکن یرد علیـه : أنّ دلالـة ا لإشارة إنّما تـتأتّیٰ فیما إذا کان للمدلول واقع ونفس أمریّـة ، مع قطع ا لنظر عن ا لدلالـة وا للّفظ ، وأمّا فیما لایکون کذلک ، کا لإنشائیّات ا لتی لاتحصُّل لها إ لاّ بنفس ا لإنشاء ، ویکون استعمال ألفاظها فی معانیها استعمالاً إیجادیّاً ، فلایتأتّیٰ فیها ذلک ؛ فإنّ ما یکون تحصّلـه متقوّماً با لإنشاء لایمکن فیـه عدم إرادة ا لإفهام حتّیٰ یکون ا لإفهام بدلالـة ا لإشارة ؛ لأنّ تحقّق ا لمعانی ا لإنشائیّـة إنّما یکون با لإنشاء وا لإیجاد ا لمتقوِّمین با لقصد ، فکیف یمکن مع عدم قصد ا لإفهام ـ ا لذی یرجع إلیٰ عدم قصد ا لإنشاء ، وإلیٰ عدم ا لإنشاء ـ تحقُّقُ ما هو متقوِّم ومتحقِّق بـه ؟ !
وا لشیخ ا لمحقّق ا لأنصاری ـ علیٰ ما فی تقریرات بحثـه ـ أرجع هذا ا لتقسیم إلی ا لثبوت وا للُّب ، لا ا لدلالـة وا لإثبات ، فحینئذٍ یرتفع ا لفرق بینـه وبین ا لتقسیم إلی ا لنفسی وا لغیری ، فراجع .
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 141
ومنها: تقسیمه إلی النفسی والغیری
وقد عرّف ا لنفسی : بما اُمر بـه لأجل نفسـه ، وا لغیری : بما اُمر بـه لأجل غیره .
واُشکل علیـه : بأنّ جُلّ ا لواجبات ـ إن لم یکن ا لکلّ ـ مطلوبات لأجل ا لغایات ا لخارجیّـة ، فیلزم أن تکون واجبات غیریّـة ، وهو کما تریٰ .
وما قیل : من أنّ ا لغایات لایتعلّق بها ا لطلب ؛ لکونها غیر اختیاریّـة ، مدفوع : ضرورة کونها تحت ا لاختیار ولو مع ا لواسطـة ، فإنّ ا لقدرة علی ا لسبب قدرة علی ا لمسبّب ، وإ لاّ لما صحّ وقوع مثل ا لتطهیر وا لتزویج وا لتملیک وأمثا لها مورداً للأحکام ا لتکلیفیّـة .
کما أنّ ما قیل : من أ نّـه لایلزم أن یکون ا لغیر ـ ا لذی یکون لأجلـه هذا ا لمراد ـ مراداً أیضاً ؛ حتّیٰ یرد ا لإشکال ، مدفوع أیضاً : بأنّ ما تـتعلّق بـه ا لإرادة لأجل غیره ، لابدّ وأن ینتهی إلی ما تـتعلّق بـه ا لإرادة لأجل ذاتـه ؛ فإنّ کلّ ما با لعرض لابدّ وأن ینتهی إلی ما با لذات ، وإ لاّ لتسلسل . فا لمراد با لذات هو أوّل سلسلـة ا لمرادات ، وتـتعلّق بـه ا لإرادة أوّلاً ، ثمّ تنشأ منها إرادة إلیٰ مقدّمتـه ، ومن مقدّمتـه إلیٰ مقدّمـة مقدّمتـه . . . وهکذا حتّیٰ ینتهی إلی ما لا مقدّمـة لـه ، فتنقطع ا لسلسلـة ، فما تـتعلّق بـه ا لإرادة آخراً یتعلّق بـه ا لإیجاد أوّلاً .
وا لتحقیق فی ا لجواب أن یقال : إنّ ا لواجبات ا لنفسیّـة هی ما تکون واجبـة
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 142
لأجل ذاتها ، لا لأجل بعث آخر ، ویکون بعث ا لمولیٰ متعلِّقاً بها أوّلاً ، ویکون لها استقلال فی عا لم ا لبعث وا لطلب وإن کان تـترتّب علیها فوائد .
بخلاف ا لواجبات ا لغیریـة ، فإنّ ا لطلب ا لغیری طلب فانٍ فی ا لغیر مترشِّح عنـه مستظلّ بـه غیر مستقلّ فی عا لم ا لبعث ، فا لبعث فی ا لواجبات ا لغیریـة یکون ظلَّ بعثٍ آخر وفیئـه ؛ بحیث یمکن أن یقال : إنّـه لیس بطلب وبعث باعتبارٍ ، ویمکن أن یقال : إنّـه بعث مندکّ فی بعث ، فیمکن أن یقال : أن لابعث إ لاّ إلی ذی ا لمقدّمـة ، ویکون ا لبعث إلی ا لمقدّمات بعین ا لبعث إلیٰ ذیها ، لا أنّ لها بعثاً مستقلاًّ منظوراً إلیـه ، بخلاف ا لبعث إلیٰ ذی ا لمقدّمـة ، فإنّـه مستقلّ منظور إلیـه ولو لأجل ترتّب فوائد علیـه .
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 143
هذا ، وقال ا لمحقّق ا لخراسانی رحمه الله فی رفع ا لإشکال ما محصّلـه : إنّ ا لواجبات ا لتی لها آثار وخواصّ مطلوبـة ، یتعلّق ا لطلب بها لأجل تلک الآثار وا لخواصّ ، وإن کانت واجبات غیریّـة بهذا ا للحاظ ، لکن لاینافی ذلک أن تکون لها عناوین حسنـة منطبقـة علیها ، تکون بواسطتها واجبات نفسیّـة . فا لفرق بین ا لواجب ا لنفسی وا لغیری : أنّ ا لغیری ما یکون وجوبـه لأجل ا لتوصّل إلی ا لغیر بما أ نّـه متوصَّل بـه إلیـه ، وهذا لاینافی أن تکون لـه جهـة نفسیّـة أیضاً ، یکون بها واجباً نفسیّاً .
وفیـه : أنّ تلک ا لواجبات ا لتی یُدّعیٰ أنّ لها جهـة نفسیّـة وغیریّـة ، إمّا أن تکون با لنسبـة إلی ا لغیر من قبیل ا لأسباب با لنسبـة إلی ا لمسبّبات ، کحرکـة ا لید وا لمفتاح ، [فحینئذٍ یکون صدور ا لمسبّبات بنفس إرادة أسبابها ، لابإرادة اُخریٰ مستقلّـة ، فلایکون ا لثابت إ لاّ وجوباً واحداً ، لا وجوبین : نفسیّ وغیریّ .
وإمّا أن تکون جزء ا لمؤثّر فی وجود ا لغیر ، ویکون ا لجزء الآخر للعلّـة خارجاً عن قدرة ا لمکلّف ، فحینئذٍ لایکون ا لغیر مقدوراً للمکلّف ، فکیف یتعلّق بـه وجوب نفسیّ ؟ !] .
حکم الشکّ فی النفسیّة والغیریّة
ثمّ إنّـه لا إشکال فیما إذا علم أحد ا لقسمین ، وأمّا مع ا لشکّ فی واجب بأ نّـه
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 144
نفسیّ أو غیریّ ، فقد قال ا لمحقّق ا لخراسانی رحمه الله فی بحثـه : إنّ مقتضی ا لإطلاق هو ا لحمل علی ا لنفسیّـة ؛ سواء کان ذلک ا لغیر واجباً فی بعض ا لأحیان وغیر واجب فی بعضها ، أو کان واجباً علیٰ کلّ حال .
أمّا فی ا لأوّل فواضح ؛ أنّ إطلاق ا لهیئـة یقتضی أن یکون هذا واجباً ، وجب غیره أو لم یجب .
وأمّا فی ا لفرض ا لثانی ؛ فلأنّ مطلق اشتراط شیء بشیءٍ آخر تقیید لإطلاقـه ، وأصا لـة ا لإطلاق ترفع ا لشکّ فی ا لتقیید .
هذا مضافاً إلیٰ أنّ ا لوجوب منصرفٌ إلیٰ ا لنفسی .
وفیـه : أنّ ما أفاد فی ا لشقّ ا لثانی ـ من تقیید ا لوجوب ا لغیری ـ غیرُ معقولٍ ؛ لأنّ ا لوجوب ا لغیری ناشٍ من ا لنفسی ومعلول لـه ، ولایمکن أن یتقیّد ا لمعلول بعلّتـه ؛ للزوم تجافی ا لعلّـة عن محلّها ، فا لبعث ا لغیری ا لمتأخّر عن ا لبعث ا لنفسی لایمکن تقیّده بـه . . . للزوم تأخّر ا لشیء عن نفسـه ومحلّـه .
وأمّا ا لانصراف ا لذی ادّعاه فهو فی محلّـه ، لکن علیٰ ما قرّرنا من ا لفرق بین ا لنفسی وا لغیری ؛ فإنّ ا لواجب ا لغیری هو ا لواجب ا لفانی فی ا لغیر ، ولا نفسیّـة لـه أصلاً ، وا لواجب منصرف عنـه ، کما لایخفیٰ .
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 145
تذنیبان:
الأوّل: فی استحقاق المثوبات
قد اختلف کلمـة أصحاب ا لکلام فی أنّ هذه ا لمثوبات ـ ا لتی تکون فی فعل ا لواجبات وا لمستحبّات ، وترک ا لمحرّمات وا لمکروهات ـ هل هی بصِرف ا لتفضّل منـه تعا لیٰ شأنـه أم ا لعقل یحکم باستحقاق ا لعبد ؛ بحیث یُعَدّ عدم إعطائها قبیحاً علیـه تعا لیٰ ؟
وا لقائلون با لاستحقاق استدلّوا : بأنّ حمل ا لمشاقّ علی ا لغیر بلا أجر قبیح عقلاً ، ولا شکّ أ نّـه فی إطاعـة ا لمولیٰ مشقّات وریاضات للعبد ، فلابدّ من جبرانها با لأجر وا لثواب .
ولایخفیٰ ما فیـه من ا لوهن وا لخطأ ؛ فإنّـه ـ مضافاً إلی أنّ ا لعبد وجوده وقواه وحرکاتـه وسکناتـه مملوکـة للّه تعا لیٰ با لملکیّـة ا لحقیقیّـة ا لقیّومیّـة ، وفی مثلها لا معنیٰ للاستحقاق ـ أنّ أوامر اللّه ونواهیـه ألطاف عقلیّـة ؛ لإصلاح حال ا لعباد وتزکیتهم وتطهیرهم ، وإیصا لهم إلیٰ مدارج ا لکما لات ا لنفسانیّـة وا لفضائل ا لروحانیّـة ، أو حفظ ا لنظام ا لذی یرجع نفعـه إلیهم .
وبا لجملـة : لیس فی أوامره ونواهیـه تعا لیٰ نفع لـه ؛ فإنّـه غنیّ عن ا لعا لمین ، بل ا لمنافع ترجع إلیهم ، وإنّما أوامره ونواهیـه کأوامر ا لطبیب ونواهیـه ؛
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 146
لإصلاح حال ا لمریض ، فهل یجوز عند ا لعقل أن یرجع ا لمریض إلی ا لطبیب ، ویطا لبـه با لأجر علیٰ إطاعـة أوامره ونواهیـه ـ من شرب ا لأدویـة ا لبشعـة ، وترک ا لمشتهیات ا لنفسانیّـة ـ ویقول : إنّ حمل ا لمشقّـة علی ا لغیر بلا أجر قبیح . وهذا واضح لدی ا لتفکّر فی حال ا لعبد مع اللّه ، ونسبـة ا لعبودیّـة إلی ا لربوبیّـة .
ولعمری إنّ ا لقول با لاستحقاق لایخلو عن جسارةٍ علیٰ ساحتـه ا لمقدّسـة ، وعُجبٍ با لأعمال ، وجهلٍ بحقیقـة ا لحال .
وأمّا استحقاق ا لعقاب فی مخا لفـة ا لمولیٰ ، فهو ممّا حکم بـه ا لعقل ؛ فإنّ ا لخروج عن إطاعـة ا لمولیٰ هتک لمقام ا لربوبیّـة ، وفی مثلـه یحکم ا لعقل با لاستحقاق ، ومعناه أ نّـه لو عذّبـه ا لمولیٰ یکون فی محلّـه ، لا أ نّـه یعذبّـه [حتماً] ؛ فإنّ باب ا لرحمـة وا لعفو واسعـة .
هذا ، ولو ا لتزمنا با لاستحقاق فی امتثال ا لواجبات ا لنفسیّـة ، فهل امتثال ا لأوامر ا لغیریّـة ـ علیٰ فرض وجوب ا لمقدّمـة ـ یوجب الاستحقاق ، أم لا ؟
ا لتحقیق : ـ حسبما عرفت من أنّ ا لواجبات ا لغیریّـة لانفسیّـة لها ، بل باعتبار یمکن سلب ا لوجوب عنها ـ عدم ا لاستحقاق .
ولکن هاهنا أمر آخر ، وهو أنّ إتیان ا لمقدّمات مع عدم تعلّق ا لوجوب ا لغیریّ بها ـ کما هو ا لتحقیق ـ إذا کان لأجل ا لإتیان بذی ا لمقدّمـة ، یوجب استحقاق ا لمثوبـة ؛ فإنّ ا لعقل لایفرّق بین ا لإتیان با لواجب ا لنفسی ، وبین ا لإتیان با لواجب ا لغیری ؛ لأجل إطاعـة ا لمولیٰ ، لا للشهوات ، فإذا کان ا لباعث للعبد نحو ا لمقدّمـة إطاعـة أمر ذی ا لمقدّمـة ، ولا داعی لـه إ لاّ ا لامتثال فیستحقّ ا لمثوبـة علی ا لقول با لاستحقاق ؛ فإنّـه تحمّل ا لمشقّـة لـه تعا لیٰ ، وا لعقل یجد ا لفرق بین
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 147
مَنْ یتحمّل ا لمشقّـة بإتیان مقدّمات کثیرة للواجب ا لنفسی ، ومات قبل إتیانـه ، وبین مَنْ لم یتحمّلها ، فا لاستحقاق إنّما هو لأجل إطاعـة ا لواجب ا لنفسی وإن کان علیٰ مقدّماتـه .
إشکال ودفع
ربّما یُشکل فی بعض ا لمقدّمات ـ کا لطهارات ا لثلاث ـ من جهتین :
الاُولیٰ : من حیث ترتّب ا لثواب علیها ، مع أنّ ا لأمر ا لغیری لامثوبـة فیه .
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 148
ا لثانیـة : من حیث إنّـه یعتبر فیها قصد ا لتقرّب وا لامتثال ، فلابدّ من تعلّق ا لأمر ا لغیری با لطهارات بداعی أمرها ، فیأتی ا لإشکال ا لمعروف فی ا لواجبات ا لتعبّدیّـة : من کون ا لأمر داعیاً إلیٰ داعویّـة نفسـه ولایأتی ا لجواب ا لذی قال بـه ا لمحقّق ا لخراسانی رحمه الله هناک : من تعلّق ا لأمر با لأوسع من ا لغرض ؛ لأنّ ا لأمر ا لغیری إنّما یتعلّق با لمقدّمـة بملاک ا لمقدّمیّـة ، ولم یکن ا لملاک إ لاّ فی ا لطهارة ا لمقیّدة با لتقرّب .
هذا ، وا لتحقیق فی ا لجواب عن ا لأوّل ما عرفت : من أنّ ا لثواب لم یکن لأجل وجوبها ا لغیری ، بل لأجل ا لوجوب ا لنفسی ا لمتعلّق بذی ا لمقدّمـة .
مضافاً إلیٰ أنّ ا لوضوء وا لغسل من ا لمستحبّات ا لنفسیّـة ، فإن أتیٰ ا لمکلّف بهما بداعی استحبابهما ا لنفسی ، فلا إشکال فی ترتّب ا لثواب علیهما ، وإن لم یکن لـه داعٍ إ لاّ ا لإتیان بذی ا لمقدّمـة ، فیأتی بهما لأجلـه ، فیکون مُثاباً لأجل داعویّـة ا لأمر ا لنفسی لإتیانهما ، کما عرفت .
وعن ا لثانی : أنّ ا لجواب عن ا لإشکال هاهنا أهون ؛ فإنّ ا لطهارة مع داعی ا لامتثال إذا کانت مقدّمـة للصلاة ، تکون نفس ا لطهارة أیضاً مقدّمـة ؛ فإنّها مقدّمـة ا لمقدَّمـة ، فیتعلّق ا لأمر بذات ا لطهارة لأجل ا لمقدّمیّـة ، وقد مرّ منّا ا لتحقیق فی مثل ا لمقام ، فتذکّر .
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 149
الثانی: فی الوضوء التهیّئی
قد انقدح بما ذکرنا ـ من داعویّـة ا لوجوب ا لنفسی ا لمتعلِّق بذی ا لمقدّمـة إلیٰ إتیان ا لمقدّمات بلا احتیاجٍ إلیٰ تعلّق ا لوجوب ا لغیری بها ـ : إمکانُ تطبیق ا لوضوء ا لتهیّئی ـ ا لمفتی بـه بین ا لأصحاب ـ علی ا لقاعدة وإن لم نلتزم با لوجوب ا لتعلیقی با لنسبـة إلیٰ ذی ا لمقدّمـة ؛ فإنّ علمَ ا لمکلّف بأمر ا لمولی فی موطنـه یدعوه إلیٰ إتیان مقدّمتـه قبل ا لوقت ، فإنّ ا لتوقیت لذی ا لمقدّمـة لا لمقدّمتـه ، فا لوضوء مقدّمـة للصلاة مطلقاً ؛ أتیٰ بـه قبل دخول وقتها أو بعده ، فا لإتیان بـه بداعی حصول مقدّمتها عند حضور وقتها ممّا لا إشکال فیـه ، فتدبّر .
کما أ نّـه قد انقدح بما حقّقنا سابقاً : أ نّـه لیس ا لوضوء متعلَّقاً لأوامر کثیرة
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 150
حسب تکثّر ا لغایات ، بل لـه أمر نفسیّ استحبابیّ فقط ، نعم ا لأمر با لغایات یدعو إلیٰ إتیانـه لأجل ا لمقدّمیّـة بلاتعلّق أمر غیریّ بـه ، فا لأمر ا لغیری لا أساس لـه أصلاً ، فا لإشکال ا لمعروف : من لزوم اجتماع ا لمثلین أو ا لأمثال فی ا لوضوء لا أساس لـه .
الأمر الرابع: فی بیان ما هو الواجب فی باب المقدّمة
لا إشکال فی أنّ وجوب ا لمقدّمـة ـ بناء علی ا لملازمـة ـ یتبع فی ا لإطلاق وا لاشتراط وجوب ذی ا لمقدّمـة ، فما عن صاحب «ا لمعا لم» رحمه الله : من أنّ وجوبها مشروط بإرادة ا لمکلّف إتیانَ ذی ا لمقدّمـة منظور فیـه .
مضافاً إلیٰ أنّ تعلّق ا لأمر بشیء إنّما هو لأجل ا لداعویّـة وا لتحریک نحوه ، فإذا کان ا لمکلّف مریداً لإتیان ذی ا لمقدّمـة ، فمن ا لضروری تعلّق إرادتـه بإتیان
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 151
مقدّمتـه ، فبعد تعلّقها بـه یصیر تعلّق ا لأمر بـه لغواً باطلاً غیر صا لح للداعویّـة .
وهل یعتبر فی وقوعها علیٰ صفـة ا لوجوب أن یکون ا لإتیان بها بداعی ا لتوصّل بها إلیٰ ذی ا لمقدّمـة کما یُتراءیٰ من ظاهر کلام بعض محقّقی مقرّری بحث ا لشیخ ا لعلاّمـة أعلی اللّه مقامـه ، أو یعتبر فیـه أن یترتّب ذو ا لمقدّمـة علیها بحیث لو لم یترتّب یکشف عن عدم وقوعها علیٰ صفـة ا لوجوب کما ذهب إلیـه صاحب ا لفصول رحمه الله ، أو یعتبر فیـه کلا ا لأمرین ـ أی قصد ا لتوصّل ، وا لموصلیّـة ـ ، أو لایعتبر شیء منهما ؟
وا لتحقیق عدم اعتبارهما :
أمّا عدم اعتبار قصد ا لتوصّل : فلأنّ تمام ا لملاک فی تعلّق ا لوجوب با لمقدّمـة ـ علی ا لقول با لملازمـة ـ هو کونها مقدّمـة ؛ وممّا یتوقّف علیها ذوها ، ومعلوم أنّ قصد ا لتوصّل لایکون ممّا یتوقّف علیـه ا لواجب ، فلا معنیٰ لترشّح ا لوجوب علیـه منـه ؛ لفقدان ما هو ا لملاک .
ولیعلم : أنّ ا لمتراءیٰ من صدر کلام ا لمحقّق ا لمقرّر وإن کان ما ذکر ، لکن بعد ا لتأمّل فی تمام کلامـه واحتجاجاتـه یعلم أنّ قصد ا لتوصّل إنّما اعتبره فی ا لتقرّب با لمقدّمـة ، لا فی وقوعها علیٰ صفـة ا لوجوب ، وهذا موافق للتحقیق ؛ فإنّ ا لتقرّب بها لایحصل إ لاّ مع قصد ا لامتثال ، وهو لایحصل إ لاّ مع قصد ا لإیصال إلیٰ ذی ا لمقدّمـة ، ولعلّ هذا موافق لما قلنا : من أنّ استحقاق ا لثواب علی ا لمقدّمـة إنّما
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 152
یکون لأجل ا لأمر ا لنفسی ، ا لمتعلّق بذی ا لمقدّمـة ا لذی یدعو إلی مقدّمتـه . هذا حال قصد ا لتوصّل .
وأمّا ا لمقدّمـة ا لموصلـة : فحاصل ما أفاد صاحب «ا لفصول» رحمه الله : أنّ ا لموصوف با لوجوب هو ا لمقدّمـة مع قید ا لإیصال ، وإ لاّ یلزم الالتزام بجواز إتیان ا لمقدّمـة ا لمحرّمـة بلاتوصّلٍ إلیٰ ذی ا لمقدّمـة ، فیجوز دخول ا لملک ا لغصبی ا لذی یکون مقدّمـة لإنقاذ ا لغریق مع عدم إنقاذه ، وهو کما تریٰ .
نعم ، لو قصد ا لتوصّل ولم یتوصّل أتیٰ با لمحرّم ا لواقعی ، لکنّـه معذور فیـه ، کما أ نّـه لو أتیٰ با لمقدّمـة ا لمحرّمـة بلا قصد ا لإیصال ، ولکن بدا لـه ا لتوصّل إلیٰ ذی ا لمقدّمـة فتوصّل ، أتیٰ با لواجب ا لواقعی ، لکنّـه متجرٍّ .
وبا لجملـة : ما هو ا لواجب هو ا لمقدّمـة مع قید ا لإیصال .
ویرد علیـه : أ نّـه إن أراد بوجوب ا لمقدّمـة ا لموصلـة ا لتفصیل بین ا لمقدّمـة ا لتی هی موصلـة با لحمل ا لشائع ـ أی ما یلزم من عدمـه ا لعدم ومن وجوده ا لوجود ـ وبین غیرها ؛ أی ما یلزم من عدمـه ا لعدم ، کما هو شأن ا لمقدّمیـة ، لکن لایلزم من وجوده ا لوجود ، فهذا تفصیل بین ا لمقدّمـة ا لسببیّـة وغیرها ؛ أی بین ا لأفعال ا لتولیدیّـة ا لتی لم تکن إرادة ا لفاعل متوسِّطـة بینها وبین أسبابها ، وبین غیرها ، ولیس هذا خلافاً جدیداً ، بل هو ما نُسب إلیٰ عَلَم ا لهدی ا لسیّد
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 153
ا لمرتضیٰ رحمه الله ، وأنکره صاحب «ا لمعا لم» . ویأتی حینئذٍ ا لنزاع ا لمعروف فی ا لتسبیبیّات : من أنّ ا لأوامر هل هی متعلّقـة با لأسباب أو بمسبّباتها ؟
وإن أراد بوجوبها وجوب جمیع ا لمقدّمات ، لکنّـه ذهب إلیٰ أنّ اتّصافها با لوجوب لایکون إ لاّ مع ا لإیصال ، فتجب علی ا لمکلّف ا لمقدّمـة وتحصیل قید ا لإیصال .
ففیـه : أنّ تحصیل هذا ا لقید لایکون إ لاّ بإتیان ذی ا لمقدّمـة ، فبناء علی ا لملازمـة یترشّح ا لوجوب ا لغیری من نفس ذی ا لمقدّمـة علیٰ نفسها بعدد ا لمقدّمات ، فیکون متعلَّقاً لوجوب واحد نفسیّ ووجوبات کثیرة غیریّـة مترشّحـة من ذاتها إلیٰ ذاتها .
وبا لجملـة : یلزم أن یکون ذو ا لمقدّمـة مقدّمـة لنفسها ، وهو ضروریّ ا لبطلان .
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 154
إیقاظ:
لایخفیٰ : أنّ کلاًّ من صاحبی «ا لمعا لم» و «ا لفصول» وا لعلاّمـة ا لأنصاری رحمهم اللّه أرادوا ـ بما ا لتزموا فی باب مقدّمـة ا لواجب ـ تصحیح ا لعبادة ا لتی یتوقّف علیٰ ترکها فعل ا لواجب ؛ بناءً علیٰ کون ترک ا لضدّ مقدّمـة لفعل ضدّه ، فإنّ ترکها ـ علیٰ مبنیٰ صاحب «ا لمعا لم» ـ لایکون مطلقاً واجباً ، بل ا لواجب هو ا لترک فی حال إرادة فعل ا لواجب ، ومعلوم أنّ الآتی با لضدّ لایرید فعل ضدّه ، فلایکون ترکـه مقدّمـة .
وسیأتی فی باب ا لضدّ زیادة توضیحٍ لذلک ، وکذا توضیح ما أراد صاحب «ا لفصول» وا لشیخ ا لعلاّمـة ا لأنصاری رحمهما اللّه ، فانتظر .
تَذنیب: فی ثمرة النزاع فی هذه المسألة
لایخفیٰ : أ نّـه لا ثمرة مهمّـة فی هذه ا لمسألـة ؛ ضرورة أنّ وجوب ا لمقدّمـة ـ علی ا لقول بـه ـ لایکون وجوباً یترتّب علیـه أثر ؛ فإنّ هذا ا لوجوب ا لترشّحی لایکون لـه إطاعـة ومعصیـة ، ولا فی إتیانـه وترکـه استحقاق مثوبـة وعقوبـة ، ولابدّ بحکم ا لعقل من إتیان ا لمقدّمـة ، تعلّق بها ا لوجوب ا لشرعی أو لاٰ .
وما قیل به من سائر ا لثمرات ـ مثل ا لبرّ با لنذر وغیرهـ کلّها مخدوش ، ومنها ا لثمرة ا لتی سیأتی ذکرها فی باب ا لضدّ مفصّلاً ، فلاداعی للتعرّض لها هـاهنـا .
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 155
تتمّة: حول الأصل عند الشکّ فی الملازمة
لا أصل فی ا لمسألـة یُعوَّل علیـه عند ا لشکّ ؛ فإنّ ا لملازمـة لا حا لـة سابقـة لها . ووجوب ا لمقدّمـة وإن کان مسبوقاً با لعدم ، لکن جریان ا لأصل فیـه مشکل ، فإنّ أصا لـة عدم تنجّز ا لتکلیف ؛ بمعنیٰ عدم استحقاق ا لعقوبـة علیٰ ترکها ، غیر جاریـة ؛ فإنّ ا لتنجّز ـ مضافاً إلی کونـه أمراً عقلیّاً ، لیس بید ا لشارع جعلـه ورفعـه ـ لا معنیٰ لـه فیباب ا لمقدّمـة ، فإنّـه فیترکها لیس استحقاق ا لعقوبـة ، ولا فی فعلها استحقاق ا لمثوبـة .
وإن کان ا لمراد بأصا لـة عدم ا لوجوب رفع فعلیّتـه ، ففیـه : أ نّـه لا یُعقل رفع فعلیّـة وجوب ا لمقدّمـة مع فعلیّـة وجوب ذیها ؛ فإنّ وجوب ا لمقدّمـة تابع لذیها فی ا لوجود ومرتبتـه ، فلایعقل انفکاکهما فی ا لفعلیّـة ، وا لفرض أنّ ا لشکّ فی وجوب ا لمقدّمـة ناشٍ عن ا لشکّ فی الملازمـة وعدمها ، ولیس ا لشکّ فی وجوب مستقلّ یمکن رفعـه ووضعـه .
حول استدلال القائلین بوجوب المقدّمة
إذا عرفت ذلک فاعلم : أنّ ا لمشهور بین الاُصولیّین وجوب ا لمقدّمـة
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 156
ومقصودهم منـه هو ا لوجوب ا لشرعی ، لا ا للابدّیـة ا لعقلیّـة ؛ فإنّها غیر قابلـة للنزاع وا لنقض وا لإبرام .
ولیعلم : أنّ ا لشهرة فی ا لمسائل ا لأصلیّـة ا لفقهیّـة وإن لم تبعد حجّیّتها ، بل تـترجّح عندنا ، لکن لیست مسألتنا هذه منها ؛ فإنّ ا لاشتهار فی هذه ا لمسألـة ـ علی ا لظاهر ـ لایکون إ لاّ بملاک إدراک ا لملازمـة ا لعقلیّـة ، لا ا لأمر ا لتعبّدی ا لواصل إلیهم دوننا ، ففی مثلها لا حجّیّـة لاتّفاق الآراء فضلاً عن ا لشهرة ؛ فإنّ ا لحاکم فی مثلها ا لعقل ، فإن أدرک ا لملازمـة فهو ، وإ لاّ فلا موجب لحکمـه با لوجوب .
نعم ، ربّما یتوهّم : أنّ تفصیل بعضهم بین ا لسبب وغیره وبعضهم بین ا لشرط ا لشرعی وغیره ـ مع أنّ ا لملاک ا لعقلی مطَّردٌ فی جمیعها ـ یُرجِّح کون ا لوجوب شرعیّاً ، لا عقلیّاً محضاً ، وإ لاّ فلا معنیٰ للتفصیل .
وفیـه : أنّ ا لتفصیلین مبنیّان علی اشتباه وخطأ لابدّ من رفعهما ؛ حتّیٰ یرفع ا لتوهّم :
أمّا ا لتفصیل بین ا لسبب وغیره ، فمبنی ا لاشتباه فیـه أنّ ا لمسبّبات ا لتولیدیّـة لایعقل تعلّق ا لأمر بها ، بل لابدّ من صرف ا لأوامر ا لمتعلّقـة بها ظاهراً إلیٰ أسبابها ؛ فإنّ ا لقدرة إنّما تـتعلّق بأسبابها ، وإیجاد ا لأسباب عین إیجادها ، ولیس بینها وبین أسبابها تخلّل إرادة وقدرة .
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 157
ولایخفیٰ : أنّ هذا لیس تفصیلاً فی مقدّمـة ا لواجب ، بل هو أجنبیٌّ عنها تماماً ، مع أ نّها فی حدّ نفسها أیضاً باطلـة ؛ فإنّ ا لمقدور مع ا لواسطـة مقدورٌ کما مرّ .
وأمّا ا لتفصیل بین ا لشرط ا لشرعی وغیره ، فغایة ما یُتوهّم فیـه أنّ ا لشرطیّـة ـ فیما لایکون عند ا لعقل شرطاً ـ إنّما تنتزع من تقیید ا لمکلّف بـه بـه ، کما إذا قیل : «صلِّ مع ا لطهارة» فلابدّ من تعلّق ا لطلب ا لمتعلّق با لمرکّب بـه أیضاً .
ولایخفیٰ ما فیـه ؛ فإنّـه ـ مضافاً إلی خروجـه عن مورد ا لنزاع فی باب مقدّمـة ا لواجب ، فإنّ ا لنزاع إنّما یکون فی ا لمقدّمات ا لخارجیّـة ، لا ا لقیود وا لشرائط ـ أنّ ا لشرائط ا لشرعیّـة ترجع إلی ا لعقلیّـة ، فما یریٰ أ نّـه یمکن وجوده بغیر ا لمقدّمـة ا لشرعیّـة ، کا لصلاة ا لتی یتوهّم إمکان وجودها بلا طهارة عقلاً ، لایکون کذلک واقعاً ؛ فإنّها حقیقـة واقعیّـة لایمکن تحقّقها إ لاّ با لطهور ، فا لشرائط ا لشرعیّـة مقدّمات عقلیّـة کشف عنها ا لشارع .
إذا عرفت ما ذکرنا : فقد استدلّ علیٰ وجوب ا لمقدّمـة أبو ا لحسین ا لبصری ، وتبعـه غیره : بأ نّـه لو لم تجب ا لمقدّمـة لجاز ترکها ، وحینئذٍ إن بقی ا لواجب علیٰ وجوبـه یلزم ا لتکلیف بما لایطاق ، وإ لاّ خرج ا لواجب ا لمطلق عن کونـه واجباً مطلقاً ؛ لصیرورتـه مشروطاً بإتیان مقدّمتـه ، لکنّ ا للازمین باطلان ، فا لملزوم مثلهما ، فإذا بطل ا لملزوم ـ أی جواز ا لترک ـ وجبت ا لمقدّمـة ، وهذا هو ا لمطلوب .
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 158
وا لجواب عنـه : أنّ ما یُضاف إلیـه ا لظرف إمّا أن یکون ا لجواز ، وإمّا أن یکون ا لترک ، فعلی ا لأوّل لاتصدّق ا لشرطیّـة ا لثانیـة ؛ فإنّـه بمجرّد جواز ا لترک لایلزم ا لتکلیف بما لایطاق ، وعلی ا لثانی لاینتج ا لقیاس ؛ لعدم تکرار ا لوسط .
وقد یستدلّ علیٰ وجوب ا لمقدّمـة : بتعلّق ا لأوامر ا لشرعیّـة وا لعرفیّـة بها ، کما هو واضح .
وفیـه : أنّ ا لأمر با لمقدّمـة إنّما هو تحریک إلی ا لمطلوب ا لنفسی ، لاتحریک إلیٰ ا لمقدّمـة .
وقد یقال ـ کما عن بعض ا لمعاصرین ـ : إنّ وزان ا لإرادة ا لتشریعیّـة کوزان ا لإرادة ا لتکوینیّـة فی جمیع ا لخصوصیّات ، فکما أنّ ا لإرادة ا لتکوینیّـة إذا تعلّقت بشیء تـتولّد منها إرادة اُخریٰ تـتعلّق بمقدّماتـه ، کذلک ا لإرادة ا لتشریعیّـة طابق ا لنعل با لنعل ، فلابدّ من طلب غیریّ مقدّمیّ متولِّد من ا لطلب ا لنفسی .
وفیـه : أ نّـه ممنوع ؛ فإنّ ا لإرادة ا لتشریعیّـة لیست إ لاّ ا لبعث وا لتحریک نحو ا لفعل ، لیحصل فی نفس ا لمکلّف حبّـه واشتیاقـه وإرادتـه ، لیتحرّک نحو إیجاده ، وهذا لیس إ لاّ إنشاء ا لبعث ا لنفسی نحو ذی ا لمقدّمـة ، بدون أن یکون هناک إنشاءات بعثیّـة اُخریٰ .
ألا تریٰ : أ نّـه لو سُئل الآمر عن ذلک ، لایعترف بأزید من بعث واحد متعلّق بذی ا لمقدّمـة . نعم ، لابأس بافتراض ا لوجوب ا لذی لیس لـه ثواب ولا عقاب
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 159
ولا بعث ولاتحریک نحو ا لمقدّمـة ؛ فإن ا لبعث إلیها هو ا لبعث إلیٰ ذیها حقیقـة ، لا إلیها ، تدبّر .
کتابلمحات الاصول: افادات الفقیه الحجة آیة الله العظمی البروجردیصفحه 160