الدلیل الثالث والرابع : الإجماع وسیرة العقلاء
هذا ، وأمّا الاستدلال بالإجماع علی حجّیـة خبر الواحد فمخدوش من وجوه لایخفی علی المتأمّل .
نعم ، استمرار سیرة العقلاء علی العمل بأخبار الآحاد فی اُمور معاشهم وسیاساتهم دلیل قطعی علی حجّیـة أخبار الآحاد لو لم یردع عنـه الشارع ، وهو العمدة فی هذا الباب ؛ إذ قد عرفت عدم تمامیـة الأدلّـة الثلاثـة المتقدّمـة .
ولایخفی : أنّ ذلک إنّما هو فی مقام المحاجّـة ، وأمّا الأغراض الشخصیـة الجزئیـة فیمکن أن لایعملوا فیها بأخبار الآحاد ، کما نراه بالوجدان ، ولکن ذلک لایضرّ بما نحن بصدده ، فإنّ الغرض إثبات حجّیـة خبر الثقـة فی مقام الاحتجاج ، فإنّـه لاشبهـة فی أنّـه لو أمر المولی عبده بشیء ، وأعلمـه علی ذلک بتوسّط ثقـة لایکون للعبد الاعتذار لدی المخالفـة بأنّ المولی لم یبیّنـه لی ، وأنّ الواسطـة کان جاریاً فیـه احتمال الکذب ، کما هو واضح .
نعم ، یبقی فی المقام إثبات عدم الردع عن هذه السیرة المستمرّة ، فنقول : قد یستدلّ لثبوت الردع بالآیات الناهیـة عن العمل بغیر العلم . هذا .
وأجاب عن ذلک فی «الکفایـة» بأنّها لو کانت رادعـة یلزم الدور .
ولکن قد عرفت عدم لزومـه بوجـه ، وأنّ التحقیق عدم جواز الاستدلال بها ؛ لأنّ ظاهرها أیضاً ظنّی ، فیلزم من جواز الاستدلال بها عدمـه ، وهو محال . مضافاً إلی أنّک عرفت : أنّ المقصود بالعلم فی الآیـة هی الحجّـة المعتبرة ، وخبر الواحد منها قطعاً ؛ ضرورة أنّـه لم تصر الآیـة بعد نزولها سبباً لتعطیل الأسواق
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 485 واُمور الناس أصلاً ، ولیس ذلک إلاّ لکون المقصود من الآیـة ـ علی ما هو المتفاهم منها بنظر العرف ـ هو ما عدا الدلیل المعتبر العلمی أو الظنّی ، کما هو واضح .
ثمّ إنّـه أفاد المحقّق الخراسانی فی هامش «الکفایـة» کلاماً حاصلـه : أنّ خبر الثقـة حجّـة ، ولو قیل بسقوط کلّ من السیرة والإطلاق عن الاعتبار بسبب دوران الأمر بین ردعها بـه ، وتقییده بها ، وذلک لأجل استصحاب حجّیتـه الثابتـة قبل نزول الآیتین .
ودعوی أنّـه لا مجال لاحتمال التقیید بها ، فإنّ دلیل اعتبارها مغیّی بعدم الردع عنها ، ومعـه لاتکون صالحـة لتقیید الإطلاق مع صلاحیتـه للردع عنها ، مدفوعـة بأنّ الدلیل لیس إلاّ إمضاء الشارع لها ، ورضاه بها المستکشف بعدم ردعـه عنها فی زمان مع إمکانـه .
وبالجملـة : لیس حال السیرة مع الآیات الناهیـة إلاّ کحال الخاصّ المقدّم والعامّ المؤخّر فی دوران الأمر بین التخصیص بالخاصّ أو النسخ بالعامّ ، انتهی .
هذا ، ولکن یرد علیـه : ـ مضافاً إلی أنّـه لم یعلم أنّ المتشرّعـة کانوا قبل نزول الآیتین یعملون بخبر الواحد فی الاُمور الشرعیـة ، حتّی کان عدم الردع عنها دلیلاً علی الإمضاء وذلک لکون المسلمین کانوا قلیلین غیر محتاجین إلی العمل بخبر الواحد ؛ لانفتاح باب العلم لهم ، وهوالسؤال عن شخص النبی صلی الله علیه و آله وسلم ـ أنّ الاستصحاب یکون مدرک حجّیتـه خبر الواحد ، فکیف یستدلّ لها بالاستصحاب ، کما لایخفی .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 486