المراد من «الإمکان» المزبور
وهل المراد بالإمکان هو الإمکان الذاتی فی مقابل الامتناع الذاتی ، أو الإمکان الوقوعی الذی یقابل الامتناع الوقوعی ، وهو الذی لایلزم من وجوده محال ؟ الظاهر هو إمکان تقریر الکلام فی کلیهما ، کما أنّـه یمکن أن یدعی القائل بالاستحالـة کلاًّ منهما ؛ لأنّـه یجوز أن یدعی أنّ معنی التعبّد علی طبق الأمارة هو جعل حکم مماثل لها ، سواء کانت مطابقـة أو مخالفـة ، وحینئذٍ یلزم اجتماع الضدّین أو المثلین ، وهما من الممتنعات الذاتیـة بلا إشکال ، ویمکن أن یدعی
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 413 بنحو یوجب وقوعـه تحقّق المحال ، کما سیجیء .
وکیف کان : فاللازم هو البحث فی کل منهما ، ولایخفی أنّ إثبات الإمکان بأحد معنییـه ممّا یحتاج إلی إقامـة برهان ، ومن المعلوم أنّـه لابرهان لـه . ولکن الذی یسهّل الخطب : أنّـه لا احتیاج إلی إثبات الإمکان ؛ ضرورة أنّ ما هو المحتاج إلیـه إنّما هو ردّ أدلّـة الامتناع ؛ لأنّـه إذا لم یدلّ دلیل علی الامتناع فمع فرض قیام دلیل شرعی علی التعبّد بالأمارات نعمل علی طبقـه ، ولایجوز لنا رفع الید عن ظاهره ، وهذا بخلاف ما لو دلّ دلیل عقلی علی الامتناع ، فإنّـه یجب صرف دلیل الحجّیـة والتعبّد عن ظاهره ، کما هو الشأن فی جمیع الموارد التی قام الدلیل العقلی علی خلاف ظواهر الأدلّـة الشرعیـة . فالمهمّ فی المقام هو ردّ أدلّـة الامتناع ؛ لیستکشف من دلیل التعبّد الإمکان الوقوعی ، لا إثبات الإمکان .
ومن هنا یظهر : أنّ الإمکان الذی یحتاج إلیـه فی المقام هو الإمکان الواقع فی کلام شیخ الرئیس ، وهو قولـه : «کلّما قرع سمعک من الغرائب فذره فی بقعـة الإمکان ما لم یذدک عنـه قائم البرهـان» ؛ لما عرفت من أنّ ردّ أدلّـة الامتناع الموجب لثبوت احتمال الجواز یکفی فی هذا الأمر ؛ لأنّـه لا موجب معـه من صرف دلیل التعبّد عن ظاهره ، کما لایخفی . فالأولی فی عنوان البحث أن یقال : «فی عدم وجدان دلیل علی امتناع التعبّد بالأمارة الغیر العلمیّـة» .
وأمّا جعل البحث فی الإمکان فمضافاً إلی عدم الاحتیاج إلیـه یرد علیـه ما عرفت من عدم إقامتهم الدلیل علی إثباتـه ، مع أنّـه أیضاً کالامتناع فی الاحتیاج إلی الدلیل ، فتدبّر .
ثمّ إنّـه ذکر بعض الأعاظم ـ علی ما فی تقریرات بحثـه ـ : أنّ المراد
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 414 بالإمکان المبحوث عنـه فی المقام هو الإمکان التشریعی ؛ یعنی أنّ من التعبّد بالأمارات هل یلزم محذور فی عالم التشریع من تفویت المصلحـة والإلقاء فی المفسدة واستلزامـه الحکم بلا ملاک واجتماع الحکمین المتنافیین وغیر ذلک من التوالی الفاسدة المتوهّمـة فی المقام ، أو أنّـه لایلزم شیء من ذلک ؟ ولیس المراد من الإمکان هو الإمکان التکوینی ؛ بحیث یلزم من التعبّد بالظنّ أو الأصل محذور فی عالم التکوین ، فإنّ الإمکان التکوینی لایتوهّم البحث عنـه فی المقام .
وفیـه أوّلاً : أنّ الإمکان التشریعی لیس قسماً مقابلاً للأقسام المتقدّمـة ، بل هو من أقسام الإمکان الوقوعی الذی معناه عدم لزوم محال من وقوعـه . غایـة الأمر : أنّ المحذور الذی یلزم قد یکون تکوینیاً وقد یکون تشریعیاً ، وهذا لایوجب تکثیر الأقسام ، وإلاّ فیمکن التقسیم بملاحظـة أنّ الممکن قد یکون مادّیاً وقد یکون غیره ، وبملاحظـة الجهات الاُخر .
وثانیاً : أنّ أکثر المحذورات المتوهّمـة فی المقام محذور تکوینی ، لایعقل تحقّقـه فی عالم التکوین ، کاجتماع الحبّ والبغض ، والإرادة والکراهـة ، والمصلحـة والمفسدة فی شیء واحد .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 415