المقام الثانی : فی سقوط التکلیف بالامتثال الإجمالی
ولایخفی أنّ محلّ الکلام فی هذا المقام إنّما هو فی أنّ مجرّد التردید فی ناحیـة الامتثال ، وعدم العلم تفصیلاً بکون المأمور بـه الواقعی هل هی صلاة الظهر أو الجمعـة ـ مثلاً ـ هل یوجب تحقّق الامتثال عند العقل أم لا ، وأمّا لو فرض أنّ الامتثال الإجمالی یستلزم عدم تحقّق المأمور بـه بجمیع أجزائـه وشرائطـه ؛ لکونـه مقیّداً بما لاینطبق إلاّ مع الامتثال التفصیلی فهو خارج عن مفروض البحث ؛ لأنّ مورده ـ کما عرفت ـ هو صورة تحقّق المأمور بـه تامّاً ؛ من حیث القیود ، غایـة الأمر أنّـه لایعلم بـه تفصیلاً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 408 ومن هنا یظهر : أنّ الإشکال فی الاکتفاء بـه من جهـة الإخلال بالوجـه أو بالتمییز ممّا لایرتبط بالمقام ؛ لأنّ مرجعـه إلی الامتثال الإجمالی یستلزم عدم تحقّق المأمور بـه بتمام قیوده ؛ لإخلالـه بالوجـه أو التمییز المعتبر فیـه ، فیتوقّف تحقّقـه بأجمعـه علی الامتثال التفصیلی ، وقد عرفت أنّ ذلک خارج عن موضوع البحث .
نعم ، فی الاکتفاء بـه فی مقام الامتثال إشکالان واردان علی مورد البحث :
أحدهما : کون الامتثال الإجمالی لعباً وعبثاً بأمر المولی . ولکنّـه مردود ، مضافاً إلی أنّـه ربّما یکون ذلک لداع عقلائی ، کما إذا کان تحصیل العلم التفصیلی أشقّ علیـه من الاحتیاط . إنّما یضرّ ذلک إذا کان لعباً بأمر المولی ، لا فی کیفیـة إطاعتـه ، بعد حصول الداعی إلیها ؛ ضرورة أنّ خصوصیات الإطاعـة وکیفیاتها إنّما هی بید المکلّف ، ولایعتبر فیها الداعی الإلهی ، کما هو واضح .
ثانیهما : أنّ رتبـة الامتثال العلمی الإجمالی متأخّرة عن رتبـة الامتثال العلمی التفصیلی ؛ لأنّ حقیقـة الإطاعـة عند العقل هو الانبعاث عن بعث المولی ؛ بحیث یکون الداعی والمحرّک لـه نحو العمل هو تعلّق الأمر بـه ، وانطباق المأمور بـه علیـه ، وهذا المعنی غیر متحقّق فی الامتثال الإجمالی ؛ لأنّ الداعی لـه نحو العمل بکلّ واحد من فردی التردید لیس إلاّ احتمال تعلّق الأمر بـه . نعم ، الانبعاث عن احتمال البعث وإن کان أیضاً نحواً من الطاعـة عند العقل إلاّ أنّ رتبتـه متأخّرة عن الامتثال التفصیلی . هذا ملخّص ما أفاده بعض الأعاظم علی ما فی تقریرات بحثـه .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 409 ویرد علیـه أوّلاً : أنّ الانبعاث فی موارد العلم التفصیلی أیضاً لایکون عن البعث ، لا عن وجوده الواقعی ، وهو واضح ، ولا عن العلم بـه ، بل الانبعاث إنّما یتحقّق بعد العلم بالبعث ، وبما یترتّب علی مخالفتـه من العقوبـة ، وعلی موافقتـه من المثوبـة ، مضافاً إلی أنّ الحاکم بالاستقلال فی باب الإطاعـة هو العقل ، ومن الواضح أنّ المکلّف المنبعث عن مجرّد احتمال البعث أقوی عنده فی صدق عنوان المطیع ممّن لاینبعث إلاّ بعد العلم بثبوت البعث .
وثانیاً نقول : إنّ الانبعاث فی أطراف العلم الإجمالی إنّما هو عن العلم بالبعث ؛ ضرورة أنّـه لو لم یکن العلم بـه ـ ولو إجمالاً ـ متحقّقاً لم یتحقّق الانبعاث من کثیر من الناس ، الذین لاینبعثون فی موارد احتمال البعث أصلاً ، کما لایخفی .
فظهر من ذلک أنّ الامتثال الإجمالی والتفصیلی کلیهما فی رتبـة واحدة .
ثمّ إنّهم تعرّضوا هنا لبعض المباحث الاُخر ممّا یرتبط بباب الاشتغال ، ونحن نحیلها إلی ذلک الباب ، ونتکلّم فیـه فیما بعد إن شاء اللّٰـه تعالی .
هذا تمام الکلام فی مباحث القطع .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 410