هل البحث عن التجرّی من المباحث الاُصولیّـة أم لا ؟
إنّما الکلام یقع فی استحقاق العقوبـة علی التجرّی والمثوبـة علی الانقیاد وعدمـه ، وهل البحث فی المقام یکون بحثاً فی المسألـة الاُصولیـة ، أو أنّها من المسائل الفقهیـة أو الکلامیـة ؟
لا إشکال فی أنّـه إذا قرّر محلّ النزاع ثبوت الحرمـة للتجرّی ، فیقال التجرّی هل هو حرام أو لا ؟ تصیر المسألـة فقهیـة محضـة ، کما أنّـه إذا قرّر بالوجـه الذی ذکرنا ، وهو استحقاق العقوبـة علی التجرّی وعدمـه تصیر مسألـة عقلیـة کلامیـة ؛ لأنّ مرجعـه إلی حسن عقوبـة المولی للمتجرّی وقبحها ، کما لایخفی .
وقد یقال : بإمکان إدراجها فی المسائل الاُصولیـة التی یکون الضابط فیها هو وقوعها کبری لقیاس استنباط الأحکام الکلّیـة الفقهیـة ، أو کونها حجّـة فی الفقـه ، وذکر لـه وجوه :
منها : ما تسالموا علیـه من أنّ البحث إذا وقع فی أنّ ارتکاب الشیء
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 376 المقطوع حرمتـه هل هو قبیح أو لایندرج المسألـة فی المسائل الاُصولیـة التی یستدلّ بها علی الحکم الشرعی ؛ وذلک لأنّـه بعد ثبوت القبح یستکشف الحرمـة ؛ لقاعدة الملازمـة . ومرجع هذا الوجـه إلی أنّ النزاع إنّما هو فی قبح التجرّی وعدمـه .
وفیـه ما لایخفی : ضرورة أنّ قاعدة الملازمـة ـ علی تقدیر تسلیمها ـ إنّما هو فی غیر المقام ممّا لایکون حکم العقل معلولاً لحکم الشرع ، نظیر قبح الظلم ، وأمّا فی مثل المقام ممّا یکون حکم العقل واقعاً فی سلسلـة المعلولات للأحکام الشرعیـة فلا تجری قاعدة الملازمـة أصلاً . ألا تری أنّ العقل یحکم بقبح العصیان ولزوم الإطاعـة ، مع أنّـه لو کانت المعصیـة منهیاً عنها ، والإطاعـة مأموراً بها من قبل الشارع یلزم النواهی والأوامر الغیر المتناهیـة ؛ ضرورة أنّ لذلک النهی أیضاً عصیاناً وإطاعـة ، وللنهی الثالث أیضاً کذلک ، إلی أن یتسلسل . وقبح التجرّی أیضاً کقبح المعصیـة لایکون مورداً لقاعدة الملازمـة أصلاً .
سلّمنا ذلک ، لکنّـه لایوجب صحّـة إدراج المقام فی المسائل الاُصولیـة ؛ ضرورة أنّ البحث فی ثبوت حکم العقل بالقبح إنّما هو بحث صغروی ؛ إذ بعد ثبوت القبح نحتاج أیضاً إلی ضمّ الکبری لیستنتج الحکم الشرعی . ووقوع المسألـة فی صغری قیاس الاستنباط یخرجها عن کونها مسألـة اُصولیـة ، وإلاّ یلزم دخول کثیر من المسائل الخارجـة عنها فیها ، کالبحث عن کون شیء مقدّمـة للواجب ونظائره ، وهو ممّا لایلتزم بـه أحد ، کما لایخفی .
منها : ما فی تقریرات المحقّق النائینی قدس سره من أنّـه لو کان مستند القائل باستحقاق المتجرّی للعقاب هی دعوی أنّ الخطابات الشرعیـة تعمّ صورتی
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 377 مصادفـة القطع للواقع ومخالفتـه ، ویندرج المتجرّی فی عموم الخطابات الشرعیـة حقیقـة تصیر المسألـة من المباحث الاُصولیـة .
وفیـه ما لایخفی ؛ فإنّ دعوی إطلاق الخطاب لایوجب اندراج المسألـة فی المسائل الاُصولیـة ، فإنّها بحث صغروی مندرج فی الفقهیات ؛ لأنّک قد عرفت أنّ المسائل الاُصولیـة هی الکبریات الواقعـة فی قیاس استنباط الأحکام الفرعیـة ، کالبحث عن حجّیـة أصالـة الإطلاق ، لا البحث عن شمولـه لمورد ، وإلاّ یلزم دخول جلّ المسائل الفقهیـة فی الاُصول ، ضرورة أنّـه قلّما یتّفق فی مسألـة من المسائل الفقهیـة أن لایقع البحث عن شمول العموم أو الإطلاق بالنسبـة إلی بعض الموضوعات ، کما لایخفی .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 378