تتمیم : فی مقدّمـة المستحب والمکروه والحرام
لایخفیٰ أنّ جمیع ما ذکر فی مقدّمـة الواجب یجری فی مقدّمـة المستحبّ طابق النعل بالنعل ، وحیث إنّک عرفت أنّ الأقویٰ فی الاُولیٰ عدم ثبوت الملازمـة کما حقّقناه ، فالحکم فی الثانیـة أیضاً کذلک بلا تفاوت ، کما هو واضح .
ثمّ إنّـه هل تکون مقدّمـة الحرام کمقدّمـة الواجب ، فتکون محرّمةً مطلقاً ،
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 106 أو لا تکون حراماً کذلک ، أو یفصّل بین المقدّمات التی تکون من قبیل الأسباب التولیدیّـة فتحرم ، وبین غیره فلا تحرم ، أو بین المقدّمـة الموصلـة وغیرها ، أو بین ما قصد التوصّل بـه إلی الحرام وغیره ؟ وجوه یظهر ثالثها من المحقّق الخراسانی فی الکفایـة .
وحاصل ما ذکر فی وجهـه وجود الفرق بین مقدّمات الواجب وبین مقدّمات الحرام ، فإنّـه حیث یکون المطلوب فی الأوّل وجود المراد ، وهو متوقّف علیها ، فلا محالـة تتعلّق بها الإرادة ، وأمّا المطلوب فی الثانی ترک الشیء ، وهو لایتوقّف علیٰ ترک جمیع المقدّمات بحیث لو أتیٰ بواحد منها لما کان متمکّناً من الترک ، فإنّـه یتمکّن منـه ولو أتیٰ بجمیع المقدّمات ، لتوسط الإرادة بینها وبینـه ، وهی لایمکن أن یتعلّق بها الطلب بعثاً أو زجراً ، لعدم کونها من الاُمور الاختیاریـة .
نعم لو کان الفعل بحیث لم یتمکّن من ترکـه بعد الإتیان ببعض المقدّمات ؛ لعدم توسط الإرادة بینها وبینـه ، تکون تلک المقدّمـة المترتّبـة علیها الفعل قهراً محرّمـة دون سائر المقدّمات . انتهیٰ ملخّص ما أفاده فی الکفایـة .
ولکن لایخفیٰ أنّ هذا الکلام إنّما یتمّ لو وجد فی الأفعال الخارجیـة شیء منها تکون الإرادة متوسطـة بینها وبین المقدّمات بحیث یکون الموجد للفعل والمؤثّر فیـه نفس الإرادة من دون توقّف علیٰ حصول شیء آخر بعدها مع أنّا لم نظفر بمثل هذا الفعل ، فإنّ جمیع الأفعال الاختیاریـة یکون الجزء الأخیر لحصولها غیر الإرادة بمعنی أنّـه لایترتّب علیها الفعل بمجرّدها من دون توسیط بعض الأفعال الاُخر أیضاً ، فإن تحقّق الشرب فی الخارج یتوقّف ـ بعد تعلّق الإرادة بـه ـ علیٰ مثل تحریک العضلات ، ونحو الإناء الموجود فیـه الماء مثلاً
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 107 وأخذه بالید وجعلـه محاذیاً للفم وإلقائـه فیـه ، وبعد تحقّق جمیع هذه المقدّمات یتوقّف علی إعمال الآلات المعدّة لبلعـه الذی عبارة عن الشرب .
وبالجملـة : فجمیع الأفعال الاختیاریـة إنّما یتوقّف بعد تعلّق الإرادة بها علیٰ بعض الاُمور الجزئیـة التی یؤثّر فی حصولها ، فلا فرق بینها وبین الأفعال التولیدیـة أصلاً ، فإنّ الإرادة لا مدخلیـة لها فی التأثیر فی حصول الفعل ، کیف وهی من الاُمور التجرّدیـة التی یمتنع أن تؤثّر فی المادّیات بحیث کانت مفیضةً لها ، کما لایخفیٰ .
ثمّ إنّـه ذکر فی الدّرر أنّ العناوین المحرّمـة علیٰ ضربین :
أحدهما : أن یکون العنوان بما هو مبغوضاً من دون تقییده بالاختیار .
ثانیهما : أن یکون الفعل الصادر عن إرادة واختیار مبغوضاً بحیث لو صدر من غیر اختیاره لم یکن منافیاً لغرض المولیٰ ، فعلی الأوّل علّـة الحرام هی المقدّمات الخارجیـة من دون مدخلیـة الإرادة ، بل هی علّـة لوجود علّـة الحرام ، وعلی الثانی تکون الإرادة من أجزاء العلّـة التامّـة .
ثمّ ذکر أنّ المراجعـة إلی الوجدان تقضی بتحقّق الملازمـة بین کراهـة الشیء وکراهـة العلّـة التامّـة لـه ، وفی القسم الثانی لمّا کانت العلّـة التامّـة مرکّبـة من الأجزاء الخارجیـة ومن الإرادة ، ولایصحّ استناد الترک إلاّ إلیٰ عدم الإرادة ؛ لأنّـه أسبق رتبةً من سائر المقدّمات ، فلایتّصف الأجزاء الخارجیة بالحرمة أصلاً . انتهیٰ موضع الحاجـة من ملخّص کلامـه .
وأنت خبیر : بأنّـه لو کان المبغوض عبارةً عن الفعل الصادر عن إرادة واختیار ، فالإرادة لها مدخلیـة فی نفس الحرام ، لا أن تکون من أجزاء العلّـة
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 108 التامّـة ، فإنّ المحرّم هو الفعل الإرادیّ بما أنّـه إرادیّ ، فلابدّ من ملاحظـة مقدّمات هذا العنوان المقیّد ، ولیست الإرادة من جملتها ، فلا فرق بین هذا القسم والقسم الأوّل أصلاً ، فلابدّ أن تکون إحدی المقدّمات علیٰ سبیل التخییر محرّمةً إلاّ مع وجود باقی الأجزاء ، وانحصار الاختیار فی واحدة منها ، فتحرم شخصاً کالقسم الأوّل .
والتحقیق أنّـه لو قلنا بالملازمـة فی مقدّمـة الواجب ، فالتحریم ـ الذی عبارة عن الزجر عن المحرّم ـ إنّما یختصّ بالمقدّمـة الأخیرة التی یترتّب علیها ذوها من دون فصل فی جمیع الأفعال ؛ إذ قد عرفت أنّـه لایوجد فی الأفعال الخارجیـة فعل توسّطت الإرادة بینـه وبین مقدّماتـه بأن تکون هی المؤثّر فی تحقّقـه .
هذا ، مضافاً إلیٰ ما عرفت فیما تقدّم من أنّ الإرادة أیضاً قابلـة لتعلّق التکلیف بها ؛ لکونها من الاُمور الاختیاریّـة ، ولکن هذا کلّـه إنّما هو علیٰ تقدیر القول بالملازمـة فی مقدّمات الواجب ، ولکن قد عرفت سابقاً أنّ مقتضی التحقیق خلافـه .
هذا تمام الکلام فی مبحث المقدّمـة .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 109