ما أفاده المحقّق الحائری والعراقی فی المقام
ثمّ إنّـه لو سلّمنا استلزام کلام الفصول للمحاذیر المتقدّمـة ، فلایدفعها ما ذکره بعض من الأعاظم فی تقریب کلامـه وتوجیـه مرامـه بحیث لایورد علیـه بشیء حیث قال قدس سره فی کتابـه المسمّیٰ بالدّرر ما ملخّصـه : أنّ الطلب متعلّق بالمقدّمات فی لحاظ الإیصال لا مقیداً بـه بمعنیٰ أنّ الآمر بعد تصوّر المقدّمات بأجمعها یریدها بذواتها ، لأنّها بتلک الملاحظـة لا تنفکّ عن المطلوب الأصلی ، ولو لاحظ مقدّمـة منفکّـة عمّا عداها ، لایریدها جزماً ؛ لأنّ مطلوبیتها إنّما هو فی ظرف ملاحظـة باقی المقدّمات معها ، فالإرادة لا تتعلّق بها بنحو الإطلاق حتّیٰ تشمل حال انفکاکها عن باقی المقدّمات .
ثمّ قال : وهذا الذی ذکرنا مساوق للوجدان ، ولایرد علیـه ما ورد علی
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 86 القول باعتبار الإیصال قیداً وإن اتّحد معـه فی الأثر .
ونظیر هذا ما یظهر من التقریرات المنسوبـة إلی العراقی قدس سره حیث قال المقرّر ما ملخّصـه : إنّ الواجب لیس مطلق المقدّمـة ولا خصوص المقدّمـة المقیّدة بالإیصال ، بل الواجب هو المقدّمـة فی ظرف الإیصال علیٰ نحو القضیـة الحینیـة ، وبعبارة اُخریٰ : الواجب هی الحصّـة التوأمـة مع سائر المقدّمات الملازم لوجود ذیها .
وتوضیحـه أن یقال : حیث إنّ الغرض من وجوب المقدّمـة لیس إلاّ التوصّل إلیٰ ذی المقدّمـة ، ومن الواضح أنّ هذا إنّما یترتّب علیٰ مجموع المقدّمات ، لا کلّ واحد علیٰ سبیل الاستقلال وإن کان کلّ واحد منها یتوقّف علیـه المطلوب الأصلی إلاّ أنّ المحبوبیـة إنّما یتعلّق بـه مع انضمامـه إلیٰ سائر المقدّمات ، ونتیجـة ذلک هو تعلّق أمر غیری واحد بمجموع المقدّمات بحیث ینبسط علیٰ کلّ واحد منها کانبساط الوجوب فی الواجب النفسی علیٰ أجزائـه ، وکما أنّ متعلّق الأمر النفسی الضمنی فی الواجبات النفسیـة إنّما هو کلّ واحد من الأجزاء لا مطلقاً ولا مقیّداً بانضمام سائر الأجزاء إلیـه ، بل الحصّـة المقارنـة لباقی الأجزاء ، فکذلک الأمر هنا بلا تفاوت . انتهیٰ ملخّص موضع الحاجـة من کلامـه .
ولکن لایخفیٰ أنّ المحذورات المتقدّمـة لو سلّم لا تدفع بما ذکره المحقّقان المتقدّمان ؛ لأنّ لحاظ الإیصال إمّا أن یکون دخیلاً فی المطلوب ویوجب تضییقاً بالنسبـة إلیـه ، فهذا بعینـه ما ذکره صاحب الفصول ، وإمّا أن لایکون کذلک ، فهذا
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 87 بعینـه القول بوجوب مطلق المقدّمـة ، وأخذه علیٰ نحو القضیـة الحینیـة لایزید علیٰ أخذه مطلقاً ؛ لأنّ معناها هو أنّ ترتّب الحکم علی الموضوع لایقیّد بوقت دون وقت ، وذکر الحین إنّما هو لتعریف الموضوع والإشارة إلیـه من دون مدخلیـة لـه فی ترتّب الحکم أصلاً ، مثل أن یقال : کلّ من کان فی الدار فهو عالم مثلاً ، فإنّ الکون فی الدار إنّما اُخذ عنواناً مشیراً إلی الموضوع ومعرّفاً لـه لا لکونـه دخیلاً فی ثبوت المحمول .
ومن هنا یظهر بطلان ما تقدّم من التقریرات ، مضافاً إلی أنّـه کیف یمکن الجمع بین أخذ الإیصال بنحو القضیـة الحینیـة التی عرفت عدم الفرق بینها وبین القضیّـة المطلقـة من حیث إطلاق الموضوع أصلاً وبین کون متعلّق الأمر الغیری هی الحصّـة المقارنـة لباقی المقدّمات الملازم لوجود ذیها مع أنّ الطبیعـة المطلقـة لا تصیر حصّةً إلاّ بانضمام بعض القیودات إلیها ، کما هو أظهر من أن یخفیٰ .
وغایـة ما یمکن أن یقال فی تقریب کلام الفصول أن یقال : حیث إنّ الغرض من وجوب المقدّمـة وغایتـه لیس إلاّ التوصّل إلی المطلوب الأصلی ففی متعلّقـه نحو من التضیّق من ناحیـة علّتـه الغائیـة لا أن یکون مقیّداً بـه ولا أن یکون مطلقاً بالنسبـة إلیـه ، کما هو الشأن فی سائر الأشیاء بالنسبـة إلی العلل الغائیـة لها ولکن لایخفیٰ أنّ هذا یرجع إلی التقیید لما سنذکره من أنّ جمیع الحیثیات التعلیلیـة ترجع إلی الجهات التقییدیـة ، فانتظر .
وانقدح من جمیع ما ذکرنا أنّـه لو قلنا باستلزام کلام الفصول للمحذورات المتقدّمـة من الدور والتسلسل وغیرهما لما یجدیـه التوجیـه بما ذکر أصلاً .
هذا ، ولکن قد عرفت أنّ شیئاً من الإیرادات غیر وارد علیـه أصلاً .
هذا کلّـه فی مقام الثبوت .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 88