بحث فی المعنی الحقیقی للبیع
إذا عرفت أنّ «البیع» المصطلح علیه عند الفقهاء هو نفس المبادلة بین المالین، یقع البحث فی أنّ معناه الحقیقی هذا المعنی المصطلح، أو غیره.
قال السیّد رحمه الله ـ عند قول الشیخ إنّ البیع هو التملیک المجرّد عن القبول اصطلاحاً ـ إنّ المعنی الاصطلاحی للبیع هو التملیک المتعقّب بالقبول، وبعبارة اُخری: البیع هو نفس التملیک، لکن مشروطاً بالقبول، فحقیقة البیع فعل البائع، ولکن مقیّداً بتعقّبه بفعل المشتری.
والدلیل علی ذلک، التبادر وصحّة السلب؛ فإنّ المتبادر من قول القائل: «بعتُ داری» إخباراً، أو «باع فلان داره» هو التملیک مع قبول المشتری،لا مجرّد التملیک الإنشائی، ولذا لو لم یقبل المشتری بعد یعدّ کاذباً، وهذا علامة الحقیقة.
إن قلت: فعلی هذا یلزم أن یکون المراد من «بعتُ» إذا کان إخباراً، غیره إذا کان انشاءً؛ لأنّ المراد منه علی الأوّل التملیک المتعقّب بالقبول، وعلی الثانی
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 85 مجرّد التملیک؛ لأنّ إنشاء التملیک المتعقّب بالقبول لا یعقل؛ لأنّ القبول فعل المشتری، فکیف ینشئ ما لیس فعله؟! ولو کان معناه إنشاء التملیک إن حصل شرطه ـ وهو القبول ـ فیلزم التعلیق فی الإنشاء.
وبالجملة: إن کان المراد من قول القائل: «بعت هذا بهذا» أوجدت التملیک المتعقّب بالقبول، فهو فاسد؛ لأنّ أمر القبول لیس بیده، فلیس له إنشاؤه، وإن کان المراد أوجدت التملیک البیعی إن حصل شرطه ـ وهو القبول ـ یلزم التعلیق، وإن کان المراد إیجاد نفس التملیک، فیستعمل لفظ «البیع» فی التملیک المجرّد، تلزم المخالفة بین معناه الإنشائی والإخباری، فیکون معناه فی «بعت» إخباراً التملیک المتعقّب بالقبول، وإنشاءً المجرّد منه.
قلت: نقول أوّلاً: لا مانع من المخالفة؛ فلنا الالتزام به، ولا محذور، فکما أ نّه استعمل فی الإنشاء مجازاً، فلا مانع من تجریده من قید التعقّب أیضاً.
وثانیاً: نقول: لا نسلّم عدم إمکان إرادة التعقّب من «بعتُ» فی مقام الإنشاء؛ فإنّه إذا کان واثقاً بصدور القبول من المشتری، فله أن یقول: «أوجدت التملیک المتعقّب بالقبول فعلاً» ولا یلزم أن یکون التعقّب من فعله، بل یکفیه کون أمر المتعقَّب ـ بالفتح ـ بیده، ألا تری أ نّه یصحّ نذر البیع مع أنّ القبول لیس من فعله!! ولا إشکال فی أنّ المنذور هو البیع المثمر.
أقول: فیه نظر من جهتین:
الاُولی: أنّ المعنی المصطلح للبیع ـ علی ما حقّقناه مفصّلاً ـ لیس فعل البائع فی ضمن فعل المشتری؛ أعنی التملیک المتعقّب بالقبول، بحیث یکون التملیک
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 86 مع تقیّده بالقبول داخلاً، ونفس القبول خارجاً؛ إذ المراد من المعنی الاصطلاحی ما هو عند الفقهاء اصطلاح خاصّ جعل عنواناً فی مقابل سائر العناوین، کالصلح، والإجارة، فیقال: «کتاب البیع» و«کتاب الصلح» و«کتاب الإجارة» وغیرها، ومعلوم أنّ البیع فی قولهم: «کتاب البیع» لیس بمعناه المصدری الذی یقال له بالفارسیة: (فروختن) بل هو ماهیة ذات إضافة إلی البائع، والمشتری، والثمن، والمثمن؛ من غیر فرق بین فعل البائع والمشتری فیه، وقد قلنا أیضاً: إنّ المعنی الجامع لتلک الإضافات؛ هو مبادلة المالین، فالمعنی المصطلح عندنا وعند الفقهاء حقیقة قائمة بالمتبایعین، دون البائع فقط.
الثانیة: أنّ الإشکال المذکور لا مفرّ منه؛ إذ المراد من «بعت» إنشاءً، إن کان التملیک المتعقّب بالقبول فعلاً ـ أعنی إنشاء التملیک المتعقّب بالقبول الفعلی؛ بحیث تکون الفعلیة وصفاً للقبول ـ فهو مناف للتعقّب بالقبول؛ إذ معنی التعقّب عدم الوجود الفعلی، فلا یعقل إنشاء المتعقّب بالقبول الفعلی، وإن کان المراد إنشاء التملیک المتعقّب بالقبول لا القبول الفعلی، فیلزم المحذور المتقدّم.
وبالجملة: قید الفعلیة للقبول لدفع المحذور ـ کما ارتکبه المحقّق المذکور ـ ینافی صریح التعقّب وعندئذٍ لا یدفع المحذور. هذا بیان مراد السیّد وما فیه.
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 87