الرابع: حول مفاد الحدیث
بعد البناء علی عدم شمول الشرط للبیع ونحوه من المعاملات، وعدم إلحاق الحکمی بالشرط فی «المؤمنون عند شروطهم» لا یهمّنا البحث عن مفاد الخبر، واستقصاء البحث موکول إلی موطنه فی باب الشروط، ولکن نذکر الآن مختصراً یناسب المقام.
فنقول: الظاهر جعل الشرط فی الخبر أمراً محسوساً متمثّلاً ادعاءً؛ حتّی یصحّ معنی إقامة المؤمنین عنده، وإلاّ فلا معنی لإقامة المؤمن عند أمر اعتباری لا وجود له خارجاً، وبهذا الادّعاء یستفاد منه حکم وضعی؛ وهو النفوذ للشرط، لأنّ حسن ذلک الادّعاء موقوف علی نفوذه شرعاً واعتبار الشارع ذاک الأمر الاعتباری، ولولاه لم یکن لهذا الادّعاء وجه صحیح. والجملة خبریة، لکن
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 155 لا لإفادة الإخبار عن الواقع؛ للزوم الکذب، بل لإفادة البعث والتحریک نحو العمل بالشرط، نظیر سائر الجمل الخبریة، مثل «یعید» و«یتوضّأ» وأمثال ذلک ممّا هی مستعملة فی مقام الإنشاء والبعث، لا بعنوان استعمالها فی الإنشاء لیکون من استعمال جملة فی جملة، بل باعتبار أنّ وقوعه فی الخارج أمر مسلّم، وعدمه مفروغ عنه، ولا یرضی المولی بترکه، وهذا أوکد فی البعث والتحریک من الإنشاء؛ إذ هو طلب وتحریک ابتدائی، وذاک لم یفرض عدم وقوعه وحصوله، بل فرض کأ نّه کان، ویستفاد منه بهذه الحیثیة حکم تکلیفی؛ وهو وجوب الوفاء بالالتزامات والشروط.
ولکن هنا أمران ینهدم بهما هذه الإفادة:
الأوّل: أنّ العمل بالشرط والالتزام واجب عند العقلاء ومرغوب فیه عندهم، وبهذه اللابدّیة العقلائیة یخرج الخبر عن التأسیس وإعطاء حکم جدید غیر ما یحکم به العقل والعقلاء، فلا محالة یکون إرشاداً إلی حکم العقل وتأکیداً له، فلا یستفاد التکلیف منه، بل غایة ما یستفاد منه الإرشاد إلی حکم العقل.
والثانی: ظاهر التخصیص بالمؤمنین والمسلمین ونظائره ـ کقوله تعالی «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ إذَا ذُکِرَ اللّه ُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإذَا تُلِیَتْ عَلَیْهِمْ آیَاتُهُ زَادَتْهُمْ إیمَاناً» وقوله علیه السلام: «المؤمن إذا وعد وفی» وأمثال ذلک ممّا هو بصدد بیان صفات المؤمن والمسلم ـ بیان ما یختصّ بالمؤمن وعلامته. ولیس ظاهر هذه التراکیب إعطاء الحکم تکلیفاً، بل فی مقام أنّ المؤمن یلزم أن یکون کذا وکذا؛
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 156 وإن فهم منه لابدّیة هذا ولزومه، لکن لا بعنوان إعطاء الحکم وبیانه.
وکیف کان: فاستفادة صحّة الالتزامات الضمنیة أو الابتدائیة الشاملة للبیع وأمثاله منه ـ إن فرضنا تمامیة شموله لها ـ لا إشکال فیه؛ سواء قلنا: بأ نّه فی مقام بیان الحکم التکلیفی، أو الإرشادی إلی ما عند العقل والعقلاء، أو لبیان علائم المؤمن؛ فإنّ لازم تمام ذلک صحّة نفس الشرط ونفوذه.
هذا تمام الکلام فی المقام الأوّل؛ أعنی صحّة المعاطاة بحسب القواعد والأدلّة، وقد عرفت تمامیة أکثرها مع قطع النظر عن أقوال العلماء والإجماعات المحکیة فی المقام.
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 157