الثانیة: فی شمول الحدیث لجمیع التصرّفات
هل أنّ مفاد الحدیث یطابق قوله علیه السلام: «لا یحلّ لأحد أن یتصرّف فی مال غیره بغیر إذنه» بحیث کان التصرّف مقدّراً هنا، أو لا؟
الظاهر أنّ تعلّق عدم الحلّیة بالمال لیس باعتبار مقدّر، بل معناه أ نّه کلّ ما یکون جائزاً وحلالاً فی المال ـ من الانتفاعات والتقلّبات والتصرّفات؛ مع قطع
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 184 النظر عن هذه الروایة ـ کان حراماً من دون رضا مالکه، وکأنّ هنا ادّعاءً؛ وهو أنّ المال صار بنفسه حراماً، وذلک لأنّه لا معنی لحرمة العین وحلّیتها إلاّ ادّعاءً، ومنشأ هذا الادّعاء أ نّه إذا لم یکن للمال أثر إلاّ وهو محرّم ولا انتفاع به إلاّ وقد منع منه، فکأ نّه صار بمنزلة المحرّم بنفسه ادّعاءً، والمصحّح لهذا الادعاء حرمة جمیع الانتفاعات والتقلّبات والآثار، وأمّا لو کان المحرّم بعضها وکان فیه أثر حلال معتدّبه، فلا یصحّ ذلک، وحیث إنّ الحرمة هنا قد تعلّقت بالمال بعنوان المالیة، وکان من آثاره المهمّة فی الانتفاع به النقل والانتقال بعناوین المعاملات، فبعید غایة البعد إرادة التصرّفات المباشریة فقط، کالأکل والشرب، ورکوب الدابّة إن کانت، ونحوها؛ إذ لا یصحّ ادعاء حرمة المال بقول مطلق والحال أ نّه یحلّ الانتفاع به بأنواع المعاملات، کالصلح، والهبة، والإجارة، والبیع، وهکذا.
وبالجملة: إذا کان للشیء خواصّ شائعة حلال وخواصّ حرام، فلا یصحّ ادعاء حرمته بقول مطلق، فحرمة الخمر والفقّاع مثلاً ادّعاء، تصحّ فیما إذا حرم جمیع انتفاعاتهما؛ بحیث صار الاجتناب عنهما مطلقاً واجباً، وما نحن فیه من هذا القبیل.
هذا، ولو سلّم أ نّه مجاز فی الحذف ـ بمعنی أنّ عدم الحلّیة اُسند إلی مقدّر ـ فلا نسلّم تقدیر التصرّفات الحسّیة والمباشریة فقط؛ إذ المقدّر المسند إلی العین إن کان معلوماً بالقرینة فبها، وإلاّ فمقتضی الإطلاق تقدیر کلّ ما یمکن فیه الحلّیة والحرمة بالنسبة إلی العین، فیقدّر جمیع الانتفاعات والتقلّبات الواردة علی المال، ولا تنحصر بالتصرّف المباشری کالأکل والشرب ونحوهما؛ لعدم قرینة علی تعیّنها بخصوصها، ومع عدمها لا وجه لتقیّده بها، وعلی هذا فالروایة ـ مع قطع النظر عن القرائن الخارجیة ـ یصحّ التمسّک بها.
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 185 ولا یرد علیه ما أورده الأصفهانی قدس سره علی دلیل السلطنة: «من أنّ حلّیته المنوطة بالرضا هی حلّیة التصرّف فی المال، لا حلّیة إزالة إضافة المال إلیه» .
وذلک لأنّ إیراد السلطنة ـ علی فرض تسلیمه ـ مبنی علی عدم سلطنة المالک علی إبقاء المال وإزالته، فلا ینافی سلطنة الغیر علی الإزالة لسلطنتها، وأمّا هنا فلا معنی لهذا الإیراد؛ إذ مفاد الحدیث عدم حلّیة مال الغیر بالتصرّف فیه؛ تسبیبیاً کان، أو مباشریاً، ولیس هذا منه فی شیء أصلاً.
إن قلت: نعم، ولکن تعلّق الحلّ بعنوان ذاتی ـ وهو المال ـ یقتضی التکلیف؛ لمناسبة الحکم لموضوعه، فیقدّر فیه التصرّفات المباشریة التی تجیء فیها الحرمة التکلیفیة.
قلت: قد عرفت أ نّه مبنیّ علی الادعاء، ولیس بصحیح إلاّ علی تقدیر عمومیة الحرمة لجمیع آثاره، ومع فرض التقدیر أیضاً لابدّ من کون المقدّر جمیع الانتفاعات والآثار والتصرّفات؛ لعدم القرینة علی تعیّن خصوص فرد منها.
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 186