إشکالات علی التمسّک بآیة التجارة ودفعها
بقیت هنا إشکالات علی الفقرتین:
أمّا علی المستثنی منه: فبأ نّه یتمّ الاستدلال بالآیة إذا قلنا: إنّ الفسخ والرجوع من الأسباب المفیدة للملک، فیکون تملّک المالک الأصلی بالفسخ تملّکاً بملک جدید، وأمّا إذا قلنا بأنّ الفسخ لیس سبباً مملّکاً، ولیس الملک الآتی بالفسخ ملکاً جدیداً، بل هو رفع أثر السبب المملّک وحلّ العقد، والملک حاصل بما کان من السبب أوّلاً، فلا یکون الأکل بسبب الفسخ أکلاً بالباطل، بل بالسبب السابق من البیع أو الإرث ونحوه، فلا یمکن التمسّک بالآیة لرفعه وإثبات لغویته، إذ الآیة مسوقة لعدم نفوذ الأسباب الباطلة، أو عدم التصرّف فیما یحصل منها، ولیس الفسخ منها؛ لعدم سببیته، والظاهر أنّ الفسخ لیس سبباً مملّکاً، بل لرفع السبب وحلّ العقد.
أقول: قد یقال بأنّ الآیة لتنویع الأسباب المستقلّة إلی الباطل وغیر الباطل، وتنفیذ غیر الباطل، وعدم تنفیذ الباطل منها بالوجهین المذکورین سابقاً، وقد یقال بأ نّها لبیان حرمة التصرّف بکلّ ما للباطل دخل فی حصوله؛ سواء کان سبباً تامّاً، أو جزء سبب، أو عدم نفوذ الباطل مطلقاً؛ سبباً کان، أو جزء سبب،
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 195 وهذا الإیراد إنّما یرد علی الاحتمال الأوّل؛ وهو إرادة السبب التامّ من الباطل، لا کلّ باطل له دخل فی حصول المال؛ إذ الفسخ یرفع المانع من السبب السابق، ببیان أنّ السبب السابق قد انقطع تأثیره ومنع منه بالعقد المعاطاتی مثلاً، وبالفسخ ینحلّ هذا العقد ویرفع المانع، فیؤثّر السبب السابق، فله دخل فی تأثیر السبب، ومن أراد أن یأکل المال ویتصرّف فیه، فبالفسخ الباطل عند العرف یتمسّک فیأکله ویتصرّف فیه، وإذا قلنا بأنّ الآیة تمنع عن التصرّف بما حصل من الباطل بأیّ وجه کان، تشمله.
والظاهر أنّ «الباطل» فی الآیة لا یختصّ بالتامّ من السبب، بل یشمل کلّ ما له دخل فی حصول المال، وعند العرف أیضاً یطلق «السبب» علی جزئه، ولا یقیّدوه بالتامّ.
وأمّا علی المستثنی، فیرد علی تقدیر الاحتمال الأوّل ـ مع ما قلنا من عدم إطلاقه بالنسبة إلی التصرّف ـ ما یرد علی آیة الوفاء و«أَحَلَّ اللّه ُ الْبَیْعَ» أیضاً: من أنّ الوفاء بالعقد ونفوذ التجارة وحلّیة البیع، فرع تحقّق موضوعه من العقد، والتجارة، والبیع، فما لم یکن الموضوع محقّقاً ومحفوظاً لا یمکن التمسّک بإطلاقها، وإذا قلنا بأنّ الفسخ یحلّ العقد ویرفعه، فبعد رجوع المالک وفسخه لا یکون وجود التجارة محقّقاً ومحفوظاً لنا؛ لاحتمال انحلاله بالفسخ، فالتمسّک بها تمسّک فی الشبهة المصداقیة.
وعلی التقدیر الثانی أیضاً یرد هذا الإشکال؛ إذ موضوع حلّیة الأکل
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 196 والتصرّف ـ علی ما عرفت ـ المال الحاصل من التجارة وبسببها، وإذا شکّ فی انحلال التجارة بالفسخ وعدمها فیرجع الشکّ إلی تحقّق الموضوع فعلاً، فلا یتمسّک بها لجواز التصرّف بعد الفسخ.
ولکن یمکن دفعه فی الصورة الثانیة: بأنّ التجارة لیست قیداً للموضوع، بل الموضوع المال الذی کانت التجارة سببه، وبعد الفسخ أیضاً یصدق أ نّها مال حصل من السبب السابق ـ وهو التجارة ـ وإن لم یکن فعلاً وجودها معلوماً، فیتمسّک بالإطلاق.
إلاّ أ نّه یرد علیه إشکال آخر: وهو أنّ إطلاق المسبّب دائر مدار السبب، فوجود الإطلاق فیه بقاءً تابع لوجود سببه، وعدمه لعدمه، کما إذا قلنا بالإطلاق فی هذه الآیة بالنسبة إلی التصرّف فی المال الحاصل من سبب التجارة، فإطلاق المسبّب ـ وهو الأکل ـ مادامت التجارة موجودة، وأمّا إذا علمنا بارتفاعها بالفسخ بخیار أو إقالة وقلنا بانحلالها بهما، فلا إطلاق هنا للمسبّب، فلا یجوز التمسّک بإطلاق الأکل والتصرّف فی مال الغیر؛ إذ الإطلاق یکون مادام سببه موجوداً، وإذا شکّ فی حصول الفسخ وعدمه ـ وبعبارة اُخری شکّ فی انعدام السبب بالفسخ وعدمه ـ فلا یمکن التمسّک بإطلاق الأکل؛ إذ یرجع الشکّ إلی وجود الإطلاق وعدمه، لأنّه تابع لوجود السبب.
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 197