ثبوت الضمان حتّی مع العلم بالفساد
ثمّ هل یفرّق بین العالم بالفساد وجاهله، أم لا؟
وصور المسألة ثلاث: جهلهما بالفساد، ولا بحث فیه، وعلمهما به، وعلم الدافع مع جهل القابض.
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 404 فقد یقال: إنّ العالم بالفساد یدفع العین ویسلّطه علیها مع علمه بأ نّه فاسد، فیصیر دفعها إلیه أمانةً مالکیة، لا بناءً علی المعاملة، فالدفع لیس دفعاً معاملیاً، بل یکون أمانةً أو إباحةً مالکیة.
أقول: الفساد تارةً: من جهة خلل فی المعاملة من حیث الشروط الشرعیة؛ بحیث کانت عند العقلاء صحیحة یجب الوفاء بها، واُخری: تکون فاسدةً عند العقلاء أیضاً:
فإن کان الفساد من ناحیة الشرع، فلا إشکال فی أنّ الدفع والتسلیم لیس إلاّ إیفاءً بالعقد ومترتّباً علیه؛ إذ المفروض أنّ العقلاء یرتّبون علیه الأثر، ویکون عندهم معاملةً صحیحة، فالبیع بالفارسیة ـ لو فرضنا اعتبار العربیة ـ أو بیع آلات القمار مثلاً وأمثال ذلک، بیع عقلائی واجب الوفاء به عندهم، فإذا دفع إلیه وسلّطه فلیس إلاّ جریاً علیه، کما هو المتداول فیما بین العقلاء فی الربا وأمثاله ممّا نهی عنه الشارع.
وأمّا إن کان الفساد من ناحیة العقلاء ـ مثل بیع مال الغیر ـ فإنّه فاسد عندهم؛ لکونه غصباً عندهم. ومع فرض عدم الغفلة فی هذه الصورة وحصول الإنشاء الجدّی منهما فیها، فلیس الدفع والتسلیط جریاً علی المعاملة وإیفاءً بالعقد؛ إذ الفرض فساده عندهم وعدم غفلتهم عنه، فهو أمانة مالکیة وإباحة له فی التصرّف فیه، ولا ضمان، فکأ نّه دفع لم یسبقه إنشاء.
لکنّ هذا خارج عمّا نحن بصدده؛ إذ المبحوث عنه ما إذا کان البیع فاسداً، وکان مقبوضاً بالبیع الفاسد، وهو لا یتصوّر إلاّ إذا کانت المعاملة صحیحة عند
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 405 العقلاء، وفاسدة شرعاً، وهذا قبض لا عن بیع؛ إذ لیس بیعاً عقلائیاً، ولا شرعیاً، فلیس المقبوض مقبوضاً بالعقد الفاسد.
وقد یقال بعدم الضمان فی صورة علم الدافع وجهل القابض؛ لقاعدة الغرور.
وتقریبه: أ نّه کما یصدق ذلک فی ضیافة الغیر بمال نفسه مع جهله بأ نّه ماله، أو إهداء ماله إلیه بعنوان الهبة والهدیة، فیکون تغریراً له، وضمانه علی الغارّ، ویرجع الضیف والمهدی إلیه إلی من غرّه، فإنّ القابض مغرور فی قبضه، لزعمه أ نّه مال نفسه، وغرّه فی ذلک، فلا یضمن وإن أتلفه؛ لتقدّم قاعدة الغرور النافیة للضمان علی قاعدة الإتلاف المثبتة له.
وهکذا فیما نحن فیه، فإنّه قد أخذ المال وقبضه بما أ نّه من مال نفسه ومستحقّاً له، فقد غرّه الدافع العالم بعدم استحقاقه فی ذلک.
لکنّ التحقیق: أنّ نظر المتعاملین قد یکون إلی إیقاع المعاملة العرفیة العقلائیة مع قطع النظر عن اعتبارات الشارع؛ بحیث لا یعتنون بما اعتبره الشارع من القیود والخصوصیات، کما هو دأب من لا یبالی بأحکام الشرع، ولا فرق فی ذلک من حیث الجهل بالفساد، والعلم به؛ إذ لا أثر له فی غرضهم ونظرهم، ففی هذه الصورة یمکن القول بعدم تحقّق الغرور؛ إذ لا أثر لجهله فی المعاملة، فإنّ المفروض عدم مانعیة علمه بالفساد عن وقوعها، فلیس جهله به سبباً لاستفادة القابض ودخیلاً فی تحقّق المعاملة؛ حتّی یقال: بأ نّه قد غرّه وخدعه؛ لتساوی صورتی علمه وجهله فیه من هذه الجهة.
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 406 وأمّا إذا کان الجاهل من المتشرّعین المتأدّبین بالآداب الشرعیة، المتقیّدین بقیودها واعتباراتها؛ بحیث لو علم بالفساد لم یقدم علیه، فالذی ینساق إلیه النظر أ نّه من مصادیق الغرور عرفاً؛ فإنّه قد أقدم علیه بما أ نّه معاملة صحیحة، والمفروض أنّ الدافع عالم بحاله؛ وأ نّه لو علم بالفساد لم یرضَ بأخذه وقبضه منه، ولا یقدم علی المعاملة، ومع ذلک دفعه إلیه بما أ نّه ماله وملکه؛ وأنّ المعاملة صحیحة، فاستغلّ جهله، وغرّه وخدعه فی ذلک.
هذا تمام الکلام فی أصل القاعدة.
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 407