کلام الشیخ الأنصاری وما یرد علیه
أحدها : ما أفاده الشیخ قدس سره فی رسائلـه حیث قال بعد تفسیر الورود والحکومـة والفرق بین الحکومـة والتخصیص ما ملخّصـه : إنّ ما ذکرنا من الورود والحکومـة جارٍ فی الاُصول اللفظیـة أیضاً ، فإنّ أصالـة الحقیقـة أو العموم معتبرة إذا لم یعلم هناک قرینـة علی المجاز فإن کان المخصّص دلیلاً علمیاً کان وارداً علی الأصل المذکور ، وإن کان ظنّیاً معتبراً کان حاکماً علی الأصل ، لأنّ معنی حجّیـة الظنّ جعل احتمال مخالفـة مؤدّاه للواقع بمنزلـة العدم فی عدم ترتّب ما کان یترتّب علیـه من الأثر لولا حجّیـة هذه الأمارة ، وهو وجوب العمل بالعموم عند وجود المخصّص وعدمـه ، فعدم العبرة باحتمال عدم التخصیص إلغاء للعمل بالعموم ، فثبت أنّ النصّ وارد علی أصالـة الحقیقـة إذا کان قطعیّاً من جمیع
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 322 الجهات وحاکم علیـه إذا کان ظنّیاً فی الجملـة کالخاصّ الظنّی السند مثلاً ، ویحتمل أن یکون الظنّ أیضاً وارداً بناءً علی کون العمل بالظاهر عرفاً وشرعاً معلّقاً علی عدم التعبّد بالتخصیص ، فحالها حال الاُصول العقلیّـة ، فتأمّل . هذا علی تقدیر کون أصالـة الظهور من حیث أصالـة عدم القرینـة .
وأمّا إذا کان من جهـة الظنّ النوعی الحاصل بإرادة الحقیقـة الحاصل من الغلبـة أو غیرها فالظاهر أنّ النصّ وارد علیـه مطلقاً وإن کان النصّ ظنّیاً ، لأنّ الظاهر أنّ دلیل حجّیـة هذا الظنّ مقیّد بصورة عدم وجود ظنّ معتبر علی خلافـه ، فإذا وجد ارتفع موضوع ذلک الدلیل ، ویشهد لـه أنّا لم نجد ولا نجد من أنفسنا مورداً یقدّم فیـه العامّ من حیث هو علی الخاصّ وإن فرض کونـه أضعف الظنون المعتبرة . نعم لو فرض الخاصّ ظاهراً خرج عن النصّ وصار من باب تعارض الظاهرین ، فربّما یقدّم العامّ ، انتهی .
وفیـه مواقع للنظر :
منها : أنّ الحکم بورود النصّ علی أصالـة الحقیقـة إذا کان قطعیّاً من جمیع الجهات خلاف ما جری علیـه الاصطلاح ، بل الظاهر أنّ مفاده خارج عن أصالـة الظهور بالتخصّص ، لأنّ ورود أحد الدلیلین علی الآخر إنّما یکون بمعونـة التعبّد بأحدهما ، والنصّ القطعی السند لا یحتاج إلی التعبّد ، بل الورود إنّما هو فی مثل تقدّم الأمارات علی أصل البراءة ـ مثلاً ـ بناءً علی أن یکون المراد بـ « ما لا یعلمون » فی حدیث الرفع هو مطلق ما لا حجّـة فیـه ، لا خصوص ما لا علم بـه ، کما اخترناه سابقاً فی مبحث البراءة ، فإنّـه حینئذٍ یکون قیام الأمارة المعتبرة شرعاً رافعاً لموضوع الأصل لأجل کونها حجّـة شرعیّـة ، کما لایخفی .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 323 ومنها : أنّ ما أفاده علی سبیل الاحتمال وأمر فی ذیلـه بالتأمّل وهو مشعر ببطلانـه من أن یکون الظنّ وارداً علی أصالـة الظهور ـ بناءً علی کون العمل بالظاهر معلّقاً علی عدم التعبّد بالتخصیص ـ حقّ لا محیص عنـه ، فإنّـه لو کان مستند أصالـة الظهور هی أصالـة عدم القرینـة ـ کما هـو المفروض ـ یکون التعبّد بالظنّ واعتباره تعبّداً بوجود القرینـة ، ومع وجودها بحکم التعبّد یکون الظنّ وارداً علیها قطعاً ، لخروج مؤدّاه عنها بمعونـة التعبّد بوجود القرینـة ، کما هو غیر خفی .
ومنها : أنّ الحکم بورود النصّ الظنّی علی أصالـة الظهور التی مستندها الظنّ النوعی بإرادتـه الحاصل من الغلبـة أو من غیرها ، لکون دلیل حجّیـة هذا الظنّ مقیّد بصورة عدم وجود ظنّ معتبر علی خلافـه ، غیر تامِّ؛ لأنّ الطرفین حینئذٍ ثابتان ببناء العقلاء ، ضرورة أنّ حجّیـة الظواهـر لا مستند لها إلاّ بناء العقلاء ، کما أنّـه المستند الفرد لاعتبار خبر الواحـد ـ بناءً علی ما هو التحقیق علی ما مرّ فی بحث خبر الواحد ـ ولا معنی لورود أحدهما علی الآخـر ، کما أنّـه لا معنی لحکومـة الثانی علی الأوّل بناءً علی کون أصالـة الظهور من حیث أصالـة عدم القرینـة علی ما صرّح بـه فی أوّل کلامـه ، لأنّ الحکومـة والورود مـن أحـوال الدلیل اللفظی کما اعترف بـه فی تفسیر الحکومـة حیث قال : ضابطها أن یکون أحد الدلیلین بمدلولـه اللفظی متعرّضاً لحال الدلیل الآخر . . . إلی آخره .
وأمّا ما استشهد بـه لما أفاده من أنّا لم نجد ولا نجد من أنفسنا مورداً یقدّم فیـه العامّ علی الخاصِّ. . . إلی آخره ، فغایـة ذلک هو تقدّم الخاص علی العامِّ.
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 324 وأمّا کون الوجـه فی ذلک ما أفاده فلا دلالـة علی ذلک ، بل نحن ندّعی أنّ الوجـه فی ذلک ما ذکرناه من اختلاف محیط جعل القانون لغیره .
ومنها : أنّ الحکم بتعارضهما لو کان الخاصّ ظاهراً وبأنّـه ربّما یقدّم العامّ حینئذٍ خلاف ما علیـه بناء العقلاء ، فإنّـه لم یوجد مورد یقدّم فیـه العامّ علی الخاصّ وإن کان ظاهراً ، فلا محیص حینئذٍ عمّا ذکرنا ، فتأمّل جیّداً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 325