اختصاص الکلام فی هذا الباب بتعارض الأخبار
وموضوعـه هو الدلیلان المتعارضان مطلقاً من غیر اختصاص بخصوص الأخبار المتعارضـة ، لکن حیث کانت الأخبار أهمّ الأدلّـة فی باب الفقـه مضافاً إلی أنّ الروایات الدالّـة علی الترجیح واردة فی خصوص الخبرین المتعارضین ، فلذا اختصّ الکلام بخصوص تعارض الروایتین وبیان المرجّحات المنصوصـة وغیرها . فلابدّ أوّلاً من بیان ما بـه یتحقّق التعارض ثمّ النظر فی المرجّحات .
فنقول : الروایات الواردة فی باب الترجیح إذا لاحظتها بعد التـتبّع تعرف أنّـه قد اُخذ فی موضوع بعضها عنوان التعارض کالمقبولـة الآتیـة وفی موضوع
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 319 أکثرها عنوان الاختلاف . والظاهر أنّـه لا فرق بینهما عند العرف الذی یکون هو المرجع فی تشخیص مثل هذه الاُمور الواقعـة فی موضوعات الأحکام . فکما أنّ تشخیص الماء والخمر والکلب وغیرها من العناوین المأخوذة فی الموضوعات راجع إلی العرف ولا مدخلیـة للشارع بما هو شارع فیها ، فکذلک تشخیص عنوان التعارض والاختلاف الواقع بین الدلیلین أو الأدلّـة راجع إلیـه أیضاً ، لعدم الفرق بین الموارد أصلاً .
نعم یقع الکلام فی تعیـین مورد التشخیص وأنّـه فی أیّ مورد یحکم بالتعارض فنقول : لا خفاء فی أنّ السالبـة الکلّیـة تناقض الموجبـة الجزئیّـة ، وکذا فی أنّ الموجبـة الکلّیـة تناقض السالبـة الجزئیـة ، وقد بیّن ذلک فی علم المیزان ، ومع ذلک نری أنّ العرف لا یحکم بالتناقض بینهما فی بعض الموارد . ألا تری أنّ العرف والعقلاء لا یحکم بتعارض الخاصّ والعامِّ، مع أنّ أمرهما غالباً لا یخلو عن السالبـة الکلّیـة والموجبـة الجزئیـة أو العکس .
والدلیل علی عدم حکمهم بتعارضهما ـ مضافاً إلی الوجدان ـ اشتمال القرآن علی مثل ذلک مع تصریحـه بعدم الاختلاف فیـه ، وأنّـه « لَو کانَ مِن عِندِ غَیرِ اللّٰهِ لَوَجَدُوا فِیـه اختِلافاً کَثِیراً » ولو کان مثل ذلک من قبیل الدلیلین المتعارضین عند العقلاء لما کان لاعتصامهم بحبل القرآن مع اشتمالـه علی ذلک مجال أصلاً ، کما هو أوضح من أن یخفی ، هذا .
ولکن الظاهر أنّ الحکم بعدم تعارضهما لیس مطلقاً وفی جمیع الموارد ، لأنّا نراهم أیضاً یحکمون بالمعارضـة فیما لو وقعا فی کلام متکلّم عادی ، أو فی تصنیف
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 320 مصنّف کذلک ، فإنّـه لو وقع فی مورد من الرسالـة العملیّـة لفقیـه : أنّـه یجب الوفاء بجمیع العقود مثلاً ، وفی مورد آخر منها : أنّـه لا یجب الوفاء بالعقد الربوی ، یرون التعارض بینهما ، مع أنّهم لا یرونـه بالنسبـة إلی القرآن الدالّ علی ذلک بقولـه تعالی : « یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَوفُوا بِالعُقُودِ » وقولـه تعالی : « وَحَرَّمَ الـرِّبَا » .
والسرّ فی ذلک مغایرة محیط التقنین وجعل الأحکام الکلّیـة والقوانین العامّـة لمحیط غیره ، کما هو الشأن فی القوانین الموضوعـة عند العقلاء ، فإنّ بنائهم أوّلاً علی جعل القانون علی سبیل العموم ثمّ تخصیص بعض الموارد بعنوان التبصرة وغیره مثلاً .
ومرجع ذلک إلی أنّ أصالـة العموم بالنسبـة إلی العموم القانونی لا تبلغ مـن القوّة حدّ مثلها الجاری فی غیر العموم القانونی ، فإنّـه فی غیره یعتمد علیها من دون لزوم فحص عن مخصّص ، بل قد عرفت أنّـه علی تقدیر ثبوت المخصّص لا یرونـه إلاّ معارضاً لـه یعملون معهما معاملـة المتعارضین ، وهذا بخـلاف أصالـة العموم الجـاریـة فـی العمومـات القانونیـة ، فإنّها ضعیفـة غیر جاریـة قبل الفحص عن المخصّص ، وبعد الفحص أیضاً مع الظفر به ، لکونه مقدّماً علیه عندهم ولا یکون معارضاً له .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 321