النسبة بین حدیثی « لاتعاد » و « من زاد »
إذا عرفت ذلک فاعلم : أنّ النسبـة بین حدیث « لاتعاد » ـ بناءً علی ما ذکرنا فی بیان مدلولـه ـ وبین قولـه علیه السلام فی روایـة أبی بصیر المتقدّمـة : « من زاد فی صلاتـه فعلیـه الإعادة » هی العموم من وجـه ، لو قلنا بأنّ المستثنی والمستثنی منـه فی الحدیث جملتان مستقلّتان لابدّ من ملاحظـة کلّ واحد منهما مع غیره ، لأنّـه یصیر المستثنی منـه بعد ورود الاستثناء علیـه مختصّاً بغیر الاُمور الخمسـة المذکورة فی المستثنی ، فمقتضاه حینئذٍ عدم الإعادة من ناحیـة غیر تلک الاُمور ، بلا فرق بین الزیادة والنقصان . وقولـه : « من زاد فی صلاتـه » وإن کان منحصراً بخصوص الزیادة ، إلاّ أنّـه یشمل زیادة الرکن وغیره عمداً أو سهواً ، ویجتمعان فی زیادة غیر الرکن سهواً أو جهلاً مرکّباً ویفترقان فی نقیصـة غیر الرکن وفی زیادة غیر الرکن عمداً أو زیادة الرکن سهواً ، هذا .
ولو قلنا بأنّ المستثنی والمستثنی منـه مرجعهما إلی جملـة واحدة وقضیّـة مـردّدة المحمول أو ذات محمولین فیصیر النسبـة بیـن الحـدیث وبین قولـه : « مـن زاد » العموم من وجـه أیضاً ، لأنّ « من زاد » یشمل العمد والسهو معاً ویختصّ بالزیادة ، والحدیث یختصّ بصورة السهو ونحوه ، ویشمل الزیادة والنقیصـة معاً ،فیجتمعان فی الزیادة السهویّـة ویفترقان فی الزیادة العمدیّـة وفی النقیصـة السهویّـة .
هذا بناءً علی شمول « من زاد » لصورة العمد أیضاً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 261 وأمّا لو قلنا بعدم شمولـه لها ، إمّا للإنصراف ، وإمّا لعدم تعقّل الزیادة التی یعتبر فیها أن یؤتی بالزائد بعنوان کونـه من المکتوبـة مع العلم والالتفات بعدم کونـه منها ، کما لایخفی تصیر النسبـة بینهما العموم مطلقاً ، لأنّ « من زاد » یختص بالزیادة السهویّـة ، والحدیث یشمل النقیصـة السهویّـة أیضاً ، ومقتضی القاعدة حینئذٍ تخصیص « لاتعاد » بصورة النقیصـة والالتزام بأنّ الزیادة توجب الإعادة .
وکیف کان فبناءً علی أحد الوجهین الأوّلین اللذین تکون النسبـة بینهما هو العموم من وجـه فهل اللازم إعمال قواعد التعارض ، أو أنّ أحدهما أرجح فی شمول مورد التعارض .
فنقول : ذکر الشیخ المحقّق الأنصاری قدس سره : أنّ الظاهر حکومـة قولـه : « لاتعاد » علی أخبار الزیادة ، لأنّها کأدلّـة سائر ما یخلّ فعلـه أو ترکـه بالصلاة ، کالحدث والتکلّم وترک الفاتحـة . وقولـه : « لاتعاد » یفید أنّ الإخلال بما دلّ الدلیل علی عدم جواز الإخلال بـه إذا وقع سهواً لا یوجب الإعادة وإن کان من حقّـه أن یوجبها ، انتهی .
وتبعـه علـی ذلک جمـع مـن المحقّقین المتأخّرین عنـه ، ولکـن قال شیـخ اُستاذنـا المحقّق المعاصر فـی کتاب صلاتـه : إنّ حکومـة الدلیل الـدالّ علی نفی الإعادة علی الدلیل الدالّ علی وجوب الإعادة لا یتصوّر لها وجـه . نعم
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 262 لو کـان الدلیل الـدالّ علی مبطلیّـة الـزیادة دالاًّ علـی النهی عنها کالتکلّم مثلاً صحّت الحکومـة ، انتهی .
وما أفاده فی غایـة المتانـة .
وتوضیحـه : أنّ قوام الحکومـة إنّما هو بأن یکون الدلیل بلسانـه متعرّضاً لحال الدلیل الآخر بحیث تصرّف فی الدلیل المحکوم بنحو من التصرّف إمّا فی موضوعـه ، وإمّا فی محمولـه ، وإمّا فی سلسلـة عللـه ، وإمّا فی معلولاتـه . وأمّا لو کان الدلیلان بحیث أثبت أحدهما ما ینفیـه الآخر ووضع أحدهما ما رفعـه الآخر فلا یکون بینهما حکومـة أصلاً . وفی المقام یکون الأمر کذلک ، فإنّ قولـه : « من زاد » مثبت لوجوب الإعادة ، وقولـه : « لاتعاد » رافع لـه .
نعم النسبـة بین حدیث « لاتعاد » وبین أدلّـة سائر الأجزاء والشرائط هو الحکومـة ، لأنّها تدلّ علی الجزئیّـة والشرطیّـة اللتین لازمهما وجوب الإعادة مع الإخلال بهما ، وحدیث « لاتعاد » یرفع هذا التلازم من دون أن ینفی أصل الجزئیّـة والشرطیـة ، فقیاس أخبار الزیادة بأدلّـة سائر ما یخلّ فعلـه أو ترکـه بالصلاة کما عرفت فی کلام الشیخ قیاس مع الفارق .
نعم یمکن أن یقال : بأنّ حدیث « لاتعاد » أقوی ظهوراً من قولـه : « من زاد » ، إمّا لاشتمالـه علی الاستثناء الذی یوجب قوّة الظهور بالنسبـة إلی المستثنی منـه ، وإمّا لاشتمالـه علی التعلیل المذکور فی ذیلـه بأنّ « القراءة سنّـة ، والتشهّد سنّـة ، ولا تنقض السنّـة الفریضـة » فإنّ التعلیل یکون آبیاً عن التقیـید ، ویمنع عن تقیـید الحکم المعلّل بـه ، بل یمکن أن یقال : بأنّ قولـه : « ولا تنقض
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 263 السنّـة الفریضـة » لـه حکومـة علی دلیل الزیادة من جهـة أنّـه یتصرّف فی علّـة وجوب الإعادة ویحکم بعدم انتقاض الفریضـة بسبب السنّـة ، ودلیل الزیادة متعرّض للحکم وهو وجوب الإعادة .
فانقدح أنّ مقتضی القواعد تقدیم حدیث « لاتعاد » فی مورد الاجتماع ، ولکن یبقی فی البین إشکال ، وهو : أنّـه یلزم من تقدیم حدیث « لاتعاد » اختصاص مورد دلیل الزیادة بالزیادة العمدیّـة ، ومن المعلوم ندرتها بل قد عرفت أنّـه یمکن أن یقال بعدم تعقّلها ، وحینئذٍ فیصیر الدلیل لغواً ، فاللازم إدخال مورد الاجتماع تحتـه والحکم بأنّ الزیادة مطلقاً توجب الإعادة ، خصوصاً مع أنّ شمول حدیث « لاتعاد » لصورة الزیادة لا یخلو عن خفاء ، ولذا أنکره بعض من المحقّقین ، هذا .
ویمکن أن یقال باختصاص دلیل الزیادة بزیادة الرکعـة بالتقریب الذی أفاده المحقّق المعاصر وقد مرّ سابقاً . وحینئذٍ فلا معارضـة بینـه وبین الحدیث ، کما هو واضح ، هذا .
ویمکن أیضاً منع ندرة الزیادة العمدیّـة کما نراه بالوجدان من المتشرّعین الغیر المبالین بالأحکام الشرعیّـة المتسامحین بالنسبـة إلیها .
هذا کلّـه فیما یتعلّق بملاحظـة الحدیث مع روایـة أبی بصیر .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 264