الأمر الأوّل فی حجّیة الظواهر
وکان الأولی تأخیر البحث عنها عن سائر المقامات ؛ لأنّ حجّیة الظاهر فرع کونه صادراً إلاّ أنّا نقتفی أثر الشیخ الأعظم قدس سره :
فنقول : إنّ استفادة الحکم الشرعی من الأدلّة یتوقّف علی طیّ مراحل :
منها : إثبات صدوره ، والمتکفّل له کبرویاً هو البحث عن حجّیة الخبر الواحد ، وصغرویاً هو علم الرجال وملاحظة أسانید الروایات .
ومنها : إثبات أصل الظهور بالتبادر وعدم صحّة السلب وقول اللغوی ومهرة الفنّ ، بعد إثبات حجّیة قولهم .
ومنها : إثبات جهة الصدور وأنّ التکلّم لأجل إفهام ما هو الحکم الواقعی لا لملاک آخر ؛ من التقیّة وغیرها ، ویقال : أصالة التطابق بین الإرادتین .
ومنها : إثبات حجّیة الظهورات ؛ کتاباً وسنّـة ، وهذا هو الذی انعقد له البحث .
وما ذکرناه جارٍ فی عامّة التخاطبات العرفیة ؛ فإنّ حجّیة قول الرجل فی أقاریره ووصایاه وإخباراته یتوقّف علی طیّ تلک المراحل عامّة ، من غیر فرق بین الکتاب والسنّة وغیرهما .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 413 ولا ریب لمن له أدنی إلمام بالمحاورات العرفیة فی أنّ ظواهر الکلام متّبعة فی تعیین المراد . وعلیه یدور رحی التکلّم والخطابات ، من دون أیّ غمض منهم أصلاً ، وأنّهم یفهمون من قول القائل : «زید قائم» بالدلالة العقلیة علی أنّ فاعله مرید له ، وأنّ صدوره لغرض الإفادة ، وأنّ قائله أراد إفادة مضمون الجملة ؛ إخباریاً أو إنشائیاً لا لغرض اُخری .
وبما أنّ مفردات کلامه موضوعة یحکمون أنّ المتکلّم أراد المعانی الموضوعة لها ، وبما أنّ له هیئة ترکیبیة وله ظاهر ومتفاهم عرفی یحملون کلامه علی أنّه مستعمل فیما هو ظاهر فیه ، وأنّ الظاهر من تلک الهیئة الترکیبیة مراد استعمالاً . ثمّ یتّبعون ذلک أنّ المراد استعمالاً مراد جدّی ، وأنّ الإرادة الاستعمالیة مطابقة بالإرادة الجدّیة .
کلّ ذلک اُصول وبناء منهم فی محاوراتهم العرفیة ، ولا یصغون إلی قول من أراد الخروج عن هذه القواعد ، وهذا واضح .
وإنّما الکلام فی أنّ حجّیة الظواهر هل هو لأجل أصالة الحقیقة أو أصالة عدم القرینة أو أصالة الظهور ، أو أنّ لکلّ مورد من الشکّ أصل یخصّ به ؟
التحقیق : هو الأخیر ؛ وإن بنینا فی الدورة السابقة علی أنّ المعتبر عندهم أصل واحد ؛ وهو أصالة الظهور ، ولکن بعد التدبّر ظهر لنا أنّ الحقّ هو الأخیر .
وخلاصته : أنّ الکلام الصادر من المتکلّم إذا شکّ فی حجّیته : فإن کان منشأ الشکّ احتمال عدم کونه بصدد التفهیم ، وأنّ التخاطب لأجل أغراض اُخر ؛ من الممارسة والتمرین فقد عرفت أنّ الأصل العقلائی علی خلافه .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 414 وإن کان مبدأ الشکّ احتمال استعمال اللفظ فی غیر ما وضع له غلطاً من غیر مصحّح فالأصل العقلائی علی خلافه .
وإن کان الشکّ لأجل احتمال استعمال المتکلّم کلامه فی المعنی المجازی علی الوجه الصحیح : فإن قلنا إنّ المجاز استعمال اللفظ فی غیر ما وضع له ابتداءً ـ کما هو المشهور ـ فأصالة الحقیقة هو المتّبع ، وإن قلنا علی ما هو التحقیق : بأنّ المجاز استعمال اللفظ فی ما وضع له ؛ للتجاوز إلی المعنی الجدّی ـ کما مرّ تحقیقه ـ فالمتّبع هو تطابق الإرادة الاستعمالیة مع الإرادة الجدّیة .
وإن کان الشکّ لأجل احتمال أنّ المتکلّم یخرج بعض الموارد الذی لیس مراداً جدّیاً ببیان آخر ـ کالتخصیص والتقیید بالمنفصل ـ فمرجعه إلی مخالفة الإرادة الاستعمالیة مع الإرادة الجدّیة ، علی ما هو الحقّ من أنّ العامّ بعد التخصیص حقیقة أیضاً فقد عرفت أنّ أصالة التطابق بین الإرادتین محکّمة أیضاً .
وأمّا المنقول بالواسطة : فإنّ المبدأ للشکّ لو کان احتمال التعمّد بحذف القرینة فعدالة الراوی ووثاقته دافعة لذلک ، وإن کان لأجل احتمال السهو والنسیان والاشتباه والخطأ فکلّ ذلک منفیة بالاُصول العقلائیة . فما هو الحجّة هو الظهور ، لکن مبنی الحجّیة الاُصول الاُخر ، کما تقدّم ذکرها .
وأمّا أصالة الظهور فلیست أصلاً معوّلاً ، بل إضافة الأصل إلی الظهور لا یرجع إلی محصّل ، إلاّ أن یراد بعض ما تقدّم .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 415