الفصل الاوّل فی تعریف المطلق والمقیّد
عرّف المطلق بأنّه ما دلّ علی معنی شائع فی جنسه والمقیّد بخلافه ، وهذا التعریف وإن اشتهر بین الأعلام إلاّ أنّه یرد علیه اُمور :
منها : أنّ الظاهر من هذا التعریف أنّ الإطلاق والتقیید من أوصاف اللفظ ، مع أنّهما من صفات المعنی ؛ ضرورة أنّ نفس الطبیعة التی جعلت موضوع الحکم قد تکون مطلقة وقد تکون متقیّدة .
وإن شئت قلت : إنّ الداعی لتعلّق الأحکام بعناوینها هو اشتمالها علی مصالح ومفاسد ملزمة أو غیر ملزمة ، وهی قد تترتّب علی نفس الطبیعة وقد تترتّب علی المقیّد بشیء ، فیصیر الموضوع مع قطع النظر عن اللفظ تارة مطلقاً واُخری مقیّداً .
بل مع قطع النظر عن الملاک یمکن تصویر الإطلاق والتقیید ؛ إذ الإنسان الأبیض مقیّد والإنسان مطلق ، مع قصر النظر علی المعنی بلا رعایة لفظ أو ملاک .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 257 ومنها : أنّ الشیوع فی جنسه الذی جعل صفة المعنی یحتمل وجهین :
الأوّل : أن یکون نفس الشیوع جزء مدلول اللفظ ، کما أنّ الذات جزء آخر ، فالمطلق یدلّ علی المعنی والشیوع .
ولکنّه بعید غایته ، بل غیر صحیح ؛ إذ لا یدلّ أسماء الأجناس علی ذات الطبیعة ومفهوم الشیوع . کیف ، والمطلق ما لا قید فیه بالإضافة إلی کلّ قید یمکن تقییده به ، من غیر دلالة علی الخصوصیات والحالات وغیر ذلک .
الثانی : أن یراد من الشیوع کونه لازماً لمعنیً بحسب الواقع ، لا جزء مدلول منه ؛ فالمطلق دالّ علی معنی لکن المعنی فی حدّ ذاته شائع فی جنسه ؛ أی مجانسـه وأفراده .
وعلیه : یصیر المراد مـن الشیوع فی الجنس هـو سریانه فی أفـراده الذاتیة ؛ حتّی یصدق بوجـه أنّـه شائـع فی مجانسـه ، وإلاّ فالجنس بالمعنی المصطلح لا وجه له .
ولکنّه یوجب خروج بعض المطلقات عن التعریف المزبور ، مثل إطلاق أفراد العموم فی قوله سبحانه : « أوفُوا بِالعُقُودِ » ، وکذا الإطلاق فی الأعلام الشخصیة ، کما فی قوله تعالی : «وَلیَطَّوَّفُوا بِالبَیْتِ العَتِیقِ» ، وکذا الإطلاق فی المعانی الحرفیة ، علی أنّه غیر مطّرد لدخول بعض المقیّدات فیه ، کالرقبة المؤمنة ؛ فإنّه أیضاً شائع فی جنسه .
وما عن بعض أهل التحقیق فی إدراج الأعلام تحت التعریف المشهور مـن
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 258 أنّ المـراد سنخ الشیء المحفوظ فی ضمن قیود طارئـة ، سواء تحقّق بین وجـودات متعدّدة أو فی وجـود محفوظ فی ضمن الحالات المتبادلـة ، لا یخلو عن تعسّف بیّن .
فقد ظهر من هذا البیان عدّة اُمور :
الأوّل : أنّ مصبّ الإطلاق أعمّ مـن الطبائع والأعلام الشخصیة ، وتجـد الثانی فـی أبواب الحـجّ کثیراً فی الطواف علی البیت واستلام الحجر والوقـوف بمنی والمشعر .
فما ربّما یقال : من أنّ المطلق هو اللابشرط المقسمی أو القسمی ، لیس بشیء ، وهناک قسم ثالث ؛ وهو الإطلاق الموجود فی ناحیة نفس الحکم ، کما تقدّم فی باب الواجب المشروط ، وتقدّم أنّ القیود بحسب نفس الأمر تختلف بالذات ، بعضها یرجع إلی الحکم ولا یعقل إرجاعها إلی المتعلّق ، وبعض آخر علی العکس ، وعرفت أنّ معانی الحروف قابلة للإطلاق والتقیید ؛ فمصبّ الإطلاق قد یکون فی الطبائع وقد یکون فی الأعلام وقد یکون فی الأحکام وقد یکون فی الأشخاص والأفراد .
الثانی : أنّ الإطلاق والتقیید من الاُمور الإضافیة ، فیمکن أن یکون شیء مطلقاً ومقیّداً باعتبارین .
الثالث : أنّ بین الإطلاق والتقیید شبه تقابل العدم والملکة ، فالمطلق ما
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 259 لا قید فیه ممّا شأنه أن یتقیّد بذلک ، وما لیس من شأنه التقیید لا یکون مطلقاً ، کما لا یکون مقیّداً . والتعبیر بشبه العدم والملکة لأجل أنّ التقابل الحقیقی منه ما إذا کان للشیء قوّة واستعداد یمکن له الخروج عن القوّة إلی مرتبة الفعلیة بحصول ما یستعدّ له ، والأمر هنا لیس کذلک .
الرابع : أنّ مفاد الإطلاق غیر مفاد العموم ، وأنّه لا یستفاد منه السریان والشیوع ـ ولو بعد جریان مقدّمات الحکمة ـ بل الإطلاق لیس إلاّ الإرسال عن القید وعدم دخالته وهو غیر السریان والشیوع .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 260