الفصل السابع فی تخصیص الکتاب بالخبر الواحد
الحقّ : جواز تخصیص الکتاب بالخبر الواحد ، بعدما ثبت فی محلّه أنّ المدرک الوحید فی حجّیته هو بناء العقلاء علی ذلک ، من دون أن یصدر عن الشارع تأسیس ولا إعمال تعبّد . وما ذکر من البناء لا یأبی عن القول بتقدیمه علی العموم الکتابی ؛ وإن کان ظنّی السند والآخر قطعی المدرک بعد إحراز التوفیق بینهما فی محیط القانون ومرکز جعل الأحکام .
ومجرّد اختلافهما فیما ذکر لا یوجب رفع الید عنه والمصیر إلی العموم ؛ لعدم وقوع التعارض بین السندین حتّی یتخیّل الترجیح ، بل بین الدلالتین ، وهما سیّان ؛ ولذلک یخصّص القائل المنع فی المقام بتخصیص الکتاب لا الأخبار المتواترة مع اشتراکها فی القطعیة مع الکتاب الکریم .
وما ورد : من أنّ «ما خالف کتاب الله زخرف» ، أو «لم نقله» ، أو «باطل»
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 247 وغیر ذلک من التعابیر لا یمکن الاستشهاد به ؛ إذ لازمه عدم جـواز التخصیص بالخبر المتواتر ؛ لکون لسان تلک الأخبار آبیة عن التخصیص جدّاً .
والحلّ : هو أنّ التعارض بالعموم والخصوص وإن کان یعدّ من التعارض الحقیقی ـ إذ الموجبة الکلّیة نقیضه السالبة الجزئیة ـ ولکن العارف باُصول الجعل والتشریع وکیفیته ؛ من تقدیم بعض وتأخیر آخر ، وأنّ محیط التشریع یقتضی ذلک بالضرورة سوف یرجع ویعترف بالتوافق والجمع فی هذه الاختلاف .
وقد أقرّ الاُمّة جمیعاً علی أنّ فی نفس الآیات مخصّصات ومقیّدات تقدّم بعضه بعضاً ، من دون أن یختلف فیه اثنان ، مع عدم عدّ ذلک تناقضاً وتهافتاً فی الکتاب ولا منافیاً لقوله تعالی : «وَلَو کانَ مِنْ عِندِ غَیرِ الله ِ لَوَجَدُوا فِیهِ اختِلافاً کَثِیراً» ولیس ذلک إلاّ عدم عدّ التقیید والتخصیص اختلافاً وتناقضاً فی محیط التشریع والتقنین .
فلابدّ من إرجاع تلک الأخبار إلی المخالفات الکلّیة التی تباین القرآن وتعارضه ؛ وکان باب الافتراء من خصماء الأئمّة علیهم السلام مفتوحاً علیهم بمصراعیه ، وکانوا یدسّون فی کتب أصحاب أبی جعفر علیه السلام ، وکانت الغایة للقالة والجعل هو أن یثبتوا عند الناس انحطاط مقاماتهم بالأکاذیب الموضوعة ؛ حتّی یرجع الناس عن بابهم ، وغیر ذلک من الهوسات .
فما قیل : إنّ الدسّ منهم لم یکن بنحو التباین الکلّی والتناقض ، فی غیر محلّه .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 248