الفصل الثالث فی عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص
الاستدلال بالعلم الإجمالی علی لزوم الفحص
نسخه چاپی | ارسال به دوستان
برو به صفحه: برو

الاستدلال بالعلم الإجمالی علی لزوم الفحص

الاستدلال بالعلم الإجمالی علی لزوم الفحص

‏ ‏

وأمّـا‏ علی القول بأنّ المستند هـو العلم الإجمالی فربّما یقال فی تقریـره‏‎ ‎‏بأنّا نعلم إجمالاً أنّ هنا مخصّصات ومقیّدات یلزم العمل بها ، فلا محیص عـن‏‎ ‎‏الفحص عنها‏‎[1]‎‏ .‏

هذا ، واستشکل علیه بأمرین :

‏الأوّل :‏‏ أنّ هذا العلم الإجمالی لا ینحلّ ؛ وإن بلغ الفحص غایته ؛ لأنّ‏‎ ‎‏المخصّصات المعلوم وجودها لیست منحصرة فیما بأیدینا من الکتب ، بل هی أکثر‏‎ ‎‏من ذلک ؛ لأنّ الجوامع الأوّلیة مفقودة ، والاُصول المدوّنة فی عهد الصادقین کانت‏‎ ‎‏تحتوی أخباراً وأحکاماً علی خلاف العمومات ، ولازم ذلک أن لا ینحلّ بالفحص‏‎ ‎‏فیما بأیدینا من الکتب‏‎[2]‎‏ .‏

واُجیب عنه :‏ بأنّ العلم الإجمالی لا مدرک له سوی ما بأیدینا من الکتب‏‎[3]‎‏ .‏‎ ‎‏ویؤیّده : أنّ ذلک مجرّد احتمال ؛ فإنّه لا علم وجدانی لنا بوجود اُصول ضایعة غیر‏‎ ‎‏واصلة ؛ فضلاً عن اشتمالها علی مخصّصات یوجب العمل علیها علی فرض العثور .‏‎ ‎‏بل یحتمل أن یکون المفقود علی فرض قبوله غیر الأحکام .‏

‏ولـو سلّمنا کونـه أحکامـاً فمـن أین حصل العلم بأنّها غیر ما بأیـدینا ؟‏‎ ‎‏ولـو سلّم فمن أیـن حصل العلم لنا بوجـوب العمل بها لـو عثرنا بها ؟ ولعلّ‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 214

‏أسنادها کانت ضعیفة غیر صحیحة .‏

الثانی :‏ أنّ العلم الإجمالی بورود مخصّصات فیما بأیدینا من الکتب وإن‏‎ ‎‏اقتضی عدم جریان الاُصول اللفظیة قبل الفحص إلاّ أنّه بعد الفحص والعثور علی‏‎ ‎‏المقدار المتیقّن منها یوجب انحلاله ، ومقتضاه جریانها فی سائر الموارد بلا فحص ،‏‎ ‎‏مع أنّهم یوجبون الفحص عند کلّ شبهة‏‎[4]‎‏ .‏

وأجاب عنه بعض أهل التحقیق :‏ بأنّ المقدار المتیقّن بعدما کان مردّداً بین‏‎ ‎‏محتملات منتشرات فی أبواب الفقه یصیر جمیع ما شکّ فیه فی تمام الأبواب طرف‏‎ ‎‏هذا العلم ، فیمنع عن الأخذ به قبل فحصه ، ولا یفید الظفر بمقدار المعلوم ؛ إذ هذه‏‎ ‎‏العلوم نظیر العلوم الجدیدة الحاصلة بعد العلم الإجمالی ، ولا یکون سبباً‏‎ ‎‏لانحلالها‏‎[5]‎‏ ، انتهی .‏

قلت :‏ مجرّد کون أطراف العلم منتشرة لا یفید شیئاً ، وقیاسه بالعلم الجدید‏‎ ‎‏قیاس مع الفارق ، وذلک لأنّ قوله : إنّ المقدار المتیقّن کان مردّداً بین محتملات‏‎ ‎‏منتشرات . . . إلی آخره یشعر بأنّ هنا علمین : علماً بأصل وجود المخصّصات‏‎ ‎‏بمقدار محدود ، وعلماً بانتشارها بین الأبواب .‏

‏فحینئذٍ : فالعثور بالمقدار المتیقّن إن کان بعد الفحص فی جمیع الأبواب فلا‏‎ ‎‏محیص عن الانحلال ـ ولو حکماً ـ لاحتمال انطباق ما هو المعلوم إجمالاً علی‏‎ ‎‏المعلوم تفصیلاً من الأوّل ، وبعد هذا الاحتمال لا علم لنا أصلاً .‏

‏وإن کان العثور علیه لأجل الفحص فی بعض الأبواب دون بعض فلا محالة‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 215

‏یحصل القطع بأنّ أحد العلمین خطأ : إمّا علمه بانحصار المخصّص فی المقدار‏‎ ‎‏المحدود المتیقّن ، فیتجدّد له علم آخر بأنّ المخصّص أزید ممّا أحصاه أوّلاً ولکنّه‏‎ ‎‏خلاف الفرض ؛ لأنّ الفرض أنّه لا علم له إلاّ بالمقدار المحدود الذی عدّده أوّلاً‏‎ ‎‏مطلقاً ؛ قبل الفحص وبعده . وإمّا علمه بأنّ المخصّصات منتشرة فی جمیع الأبواب‏‎ ‎‏فلا محیص عن الانحلال .‏

هذا ، وقد أجاب عنه بعض الأعاظم بما ملخّصه :‏ إنّ المعلوم بالإجمال تارة‏‎ ‎‏یکون مرسلاً غیر معلّم بعلامة ، واُخری معلّماً بعلامة .‏

‏وانحلال العلم الإجمالی بالعثور بالمقدار المتیقّن إنّما یکون فی القسم الأوّل ؛‏‎ ‎‏لأنّ منشأ العلم فیه هو ضمّ قضیة مشکوکة إلی قضیة متیقّنة ، کما إذا علم بأنّه مدیون‏‎ ‎‏لزید ، وتردّد الدین بین أن یکون خمسة دنانیر أو عشرة .‏

‏وأمّا القسم الثانی فلا ینحلّ به ، بل حاله حال دوران الأمر بین المتباینین ،‏‎ ‎‏ولا انحلال فی مثله ؛ لعدم الرجوع إلی العلم بالأقلّ والشکّ فی الأکثر من أوّل الأمر ،‏‎ ‎‏بل یتعلّق العلم بجمیع الأطراف ؛ بحیث لو کان الأکثر واجباً لکان ممّا تعلّق به العلم‏‎ ‎‏وتنجّز بسببه ، ولیس الأکثر مشکوکاً فیه من أوّل الأمر ، وذلک کما إذا علمت بأنّک‏‎ ‎‏مدیون لزید بما فی الدفتر ، وتردّد الدین بین خمسة وعشرة ، فلو کان دین زید‏‎ ‎‏عشرة فقد تعلّق العلم به أیضاً .‏

‏والمقام من هذا القبیل ؛ لأنّ العلم تعلّق بأنّ فی الکتب التی بأیدینا مقیّدات‏‎ ‎‏ومخصّصات ، فکلّ مخصّص ـ علی فرض وجوده فیما بأیدینا من الکتب ـ قد‏‎ ‎‏أصابه العلم ، ومثل هذا لا ینحلّ بالعثور علی المقدار المتیقّن‏‎[6]‎‏ ، انتهی کلامه .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 216

ولا یخفی علیک :‏ أنّه غیر تامّ ؛ لأنّ العلم بالإجمال :‏

‏تارة : یکون نفسه دائراً بین الأقلّ والأکثر ، کما مثّله ‏‏قدس سره‏‏ ، وحقیقته ما عرفت‏‎ ‎‏من أنّه مرکّب من قضیة علمیة وقضیة شکّیة . فالإجمال بدوی یرتفع بأدنی التفات .‏

‏واُخری : هذا الفرض لکن تعلّق العلم الإجمالی بعنوان غیر ذی أثر ، کما إذا‏‎ ‎‏علم بأنّ الدنانیر الموجودة فی کیس زید قد تلفت ، وهی مردّدة بین الخمسة‏‎ ‎‏والعشرة ؛ فإنّ تعلّقه مع هذا العنوان لا یوجب تنجّز الأکثر ، بل لابدّ من لحاظ ما هو‏‎ ‎‏منشأ أثر .‏

‏ومع هذا الحال لو دار أمره بین الأقلّ والأکثر ینحلّ علمه بلا ریب ، وإلاّ فلا‏‎ ‎‏یمکن إثبات الانحلال فی مورد من الموارد ؛ إذ ما من معلوم إجمالی إلاّ وقد یقترن‏‎ ‎‏بعدّة عنوانات ولوازم ، قلّما تنفکّ عنه مثل ما فی الکیس ، ما فی الدار ، ما أقرضنی‏‎ ‎‏إلی غیر ذلک .‏

‏وما ادّعاه ‏‏قدس سره‏‏ من أنّ العلم إذا تعلّق بما فی الدفتر یوجب إصابة العلم بالأکثر‏‎ ‎‏لم یعلم له وجه ؛ لأنّ تعلّق علمه بما فی الدفتر نظیر تعلّق علمه بأنّ ما فی الکیس‏‎ ‎‏صار مضموناً علیه ـ قلّ أو کثر ـ فکما أنّ مجرّد ذلک لا یوجب إصابة العلم بالأکثر ،‏‎ ‎‏بل لا یزید عن الدوران بین الأقلّ والأکثر بالضرورة ، فهکذا علمه بأنّه مدیون بما‏‎ ‎‏فی الدفتر المردّد بین الأقلّ والأکثر . وعلیه لا یعقل صیرورة الأکثر منجّزاً به ، ولا‏‎ ‎‏متعلّقاً للعلم .‏

وکیف کان :‏ فالمقام نظیر ما مثّله من کونه مدیوناً بما فی الدفتر ؛ لأنّ الکون‏‎ ‎‏فی الکتب ـ کالکون فی الـدفتر ـ لا یترتّب علیه أثـر ؛ إذ لیس هـذا الکون‏‎ ‎‏موضوعاً للحکم ولا جزء موضوع ، وما هو موضوع له للأثر نفس المخصّصات ،‏‎ ‎‏والکتب ظرفها بلا دخالة فی التأثیر .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 217

بل یمکن أن یقال :‏ إنّ العنوان المتعلّق للعلم لو کان ذا أثر ـ مثل عنوان‏‎ ‎‏الموطوء ـ ولکن کان منحلاًّ إلی التکالیف الدائرة بین الأقلّ والأکثر فهو أیضاً لا‏‎ ‎‏یوجب تنجیز غیر ما هو المتیقّن ـ أی الأقلّ ـ نعم لو کان العنوان بسیطاً وکان الأقلّ‏‎ ‎‏والأکثر من محصّلاته وجب الاحتیاط ، لکنّه أجنبی عمّا نحن فیه .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 218

  • )) الفصول الغرویة : 200 / السطر29 ، مطارح الأنظار : 202 / السطر15 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 542 .
  • )) نفس المصدر .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 543 .
  • )) مقالات الاُصول 1 : 456 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 543 ـ 546 .