التنبیه الخامس فی التمسّک بأصالة العموم لکشف حال الفرد
إذا دار الأمر بین التخصیص والتخصّص فهل یمکن التمسّک بأصالة العموم لکشف حال الفرد ، وأنّ حرمة إکرامه لأجل کونه غیر عالم ، لا لخروجه عن حکم العلماء مع کونه داخلاً فیهم موضوعاً ؟
ربّما یقال : بجواز التمسّک ، وهو ظاهر کلام الشیخ الأعظم أیضاً فی باب الاستنجاء لإثبات طهارة مائه ؛ متمسّکاً بأصالة عموم کلّ نجس منجّس ، والمفروض أنّ ماء الاستنجاء لیس بمنجّس ، فهو لیس بنجس ، وإلاّ لزم التخصیص .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 205 وربّما یتمسّک به لإثبات أنّ ألفاظ العبادات موضوعة للصحیح بطریق عکس النقیض ، بدعوی أنّ الصلاة تنهی عن الفحشاء والمنکر ، وأنّ ما لا تنهی عن الفحشاء لیست بصلاة ؛ لأصالة عموم الدلیل .
ولکن الحقّ : عدم صحّته ؛ لأنّ المتیقّن من حجّیة تلک الاُصول وجریانها إنّما هو إذا جعلت عبرة لتشخیص المراد مع الشکّ فیه لا فی مثل المقام ، فلو علمنا مراد المتکلّم وعلمنا أنّ زیداً عنده محرّم الإکرام ، وشککنا فی أنّ خروجه من العامّ أهو بنحو التخصّص أو التخصیص فلا أصل عند العقلاء لإثباته ، وهذا نظیر أصالة الحقیقة الجاریة لکشف المراد لا لکشف الوضع بعد العلم بالمراد .
والسرّ فیه : أنّ هذه الاُصول للاحتجاج بین العبید والموالی ، لا لکشف حال الوضع والاستعمال مطلقاً .
وأمّـا ما قرّره بعض أهل التحقیق ـ مؤیّداً مقالة اُستاذه المحقّق الخراسانی ـ من أنّ أصالة العموم وإن کانت حجّة لکنّها غیر قابلة لإثبات اللوازم ، ومثبتات هذا الأصل کسائر الاُصول المثبتـة فی عدم الحجّیة ، مع کونه أمارة فی نفسه ، فلا مجال للتمسّک بعکس نقیض القضیة الذی یعدّ من لوازم الموجبة الکلّیة عقلاً ؛ لأنّ ذلک اللازم إنّما یترتّب فی فرض حجّیة أصالة العموم لإثبات لازم المدلول .
ووجه التفکیک بین اللازم والملزوم عدم نظر العموم إلی تعیین صغری الحکم ؛ نفیاً وإثباتاً ، وإنّما نظره إلی إثبات الکبری ، کما هو المبنی فی عدم جواز
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 206 التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة ، وما نحن فیه أیضاً مبنی علی هذه الجهة ، انتهی بأدنی تصرّف وتوضیح .
قلت : إنّ عکس النقیض لازم لکون الکبری حکماً کلّیاً ، ولا یلزم أن یکون العامّ ناظراً إلی تعیین الصغری فی لزومه له ، فلو سلّم أنّ أصالة العموم جاریة وأنّها کالأمارات بالنسبة إلی لوازمها فلا مجال لإنکار حجّیتها بالنسبة إلی لازمها الذی لا ینفکّ عنها .
فلا یصحّ أن یقال : إنّ العقلاء یحکمون بأنّ کلّ فرد محکوم بحکم العامّ واقعاً ، ومعه یحتمل عندهم أن یکون فرد منه غیر محکوم بحکمه ، إلاّ أن یلتزم بأنّها أصل تعبّدی لا أمارة ، وهو خلاف مفروضه .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 207