الأمر الرابع فی أقسام العموم
ینقسم العموم إلی العموم الاستغراقی والمجموعی والبدلی .
وأ مّا الإطلاق فلا یأتی فیه هذا التقسیم ، ولا یمکن إثبات واحد منها بمقدّمات الحکمة :
أ مّا انقسام العموم : فلأنّ اللفظ الدالّ علی الکثرة والشمول إن دلّ علی مصادیق الطبیعة وأفرادها عرضاً ؛ بحیث یکون کلّ واحد محطّاً للحکم لا واحد منها لا بعینه ، ولا یکون الأفراد ملحوظة بنعت الاجتماع فهو العامّ الاستغراقی ، کما فی لفظ «الکلّ» و«الجمیع» و«التمام» ؛ فإنّ قولنا «کلّ إنسان» وأشباهه یدلّ علی تمام أفراد مدخولها بنحو کلّ واحد واحد ، لا باعتبار اجتماعها وصیرورتها موضوعاً واحداً کما فی العامّ المجموعی ، ولا باعتبار کون شموله علیها بنحو البدلیة کما فی العامّ البدلی ، بل بنحو العرضیة فی شموله لها .
وأ مّا إذا اعتبرت مع شموله لها بنحو العرضیة صفة الوحدة والاجتماع فی الأفراد فتعرّضها الوحدة الاعتباریة ؛ بحیث یصیر الأفراد بمنزلة الأجزاء حکماً ، فلا محالة یصیر العامّ مجموعیاً . ولعلّ اللفظ المفید له هو لفظ «مجموع» ؛ ولذا اختصّ هذا اللفظ به ارتکازاً ، فقولک «أکرم مجموع العلماء» یفید ثبوت الحکم علی الأفراد بنحو العرضیة مع اعتبار صفة الإجماع .
وأ مّا إذا کان تعلّق الحکم بها لا بنحو العرضیة فی الشمول ، بل بنحو البدلیة فهو عامّ بدلی ، واللفظ المفید له هو لفظة «أیّ» ؛ استفهامیة کانت أو غیرها .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 162 فالاستفهامیة مثل قوله سبحانه : «فَأَیَّ آیاتِ الله ِ تُنْکِرُونَ» ، «أَیُّکُمْ یَأتِینِی بِعَرْشِها» ، وغیر الاستفهامیة مثل قوله : «أَ یّاً ما تَدْعُوا فَلَهُ الأَسماءُ الحُسنَی» ، وقولک «اذهب من أیّ طریق أردت» ، فهذه الکلمة بوضعها اللفظی یدلّ علی العموم البدلی ، وقد عرفت أنّ العموم عن مدالیل الألفاظ ، هذا کلّه راجع إلی انقسام العموم .
وأ مّا عدم انقسام الإطلاق إلیها : فأوضح من أن یخفی ؛ لما عرفت أنّ غایة ما یثبته الإطلاق کون ما اُخذ موضوعاً تمام الموضوع فقط ، والحاکم بذلک هو العقل ، وأ مّا کون الموضوع هو الطبیعة أو الأفراد ، وأنّ تعلّق الحکم هل هو بنحو الاستغراق أو البدلیة أو غیرهما فلا سبیل له إلی إثبات واحد من هذه المطالب من الإطلاق ، بل لابدّ فی استفادة ذلک من التوصّل بالألفاظ الموضوعة لها .
والعجب مـن کثیر من الأعاظم ـ منهم المحقّق الخراسانی ـ حیث خلطوا بین البابین ، قال فی باب «المطلق والمقیّد» : إنّ قضیـة مقدّمات الحکمـة فی المطلقات تختلف باختلاف المقامات ؛ فإنّها تارة یفید العموم الاستغراقی واُخری العموم البدلی ، انتهی .
ونسج علی منواله بعض أهل التحقیق ، قال فی «مقالاته» : إنّما الامتیاز بین البدلی وغیره بلحاظ خصوصیة مدخوله ؛ من کونه نکرة أو جنساً ؛ فإنّ فی النکرة
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 163 اعتبرت جهة البدلیة دون الجنس ، انتهی .
قلت : ولعلّ منشأ الخلط هو ما ربّما یتراءی بین الکلمات أنّ قوله تعالی : « أَحَلَّ الله ُ البَیْعَ » یفید العموم ، وقولنا «أکرم رجلاً» یفید العموم البدلی ، ولکنّک قد عرفت أنّ استفادة الاستغراق بمعنی نفوذ کلّ بیع بالنتیجة من الأوّل لیس باعتبار دلالة اللفظ علیه ولا الإطلاق ، بل لمّا کان تمام الموضوع هو طبیعة البیع ببرکة الإطلاق ، وکان العقل والعقلاء یرون أنّ ما أخذه موضوعاً موجود فی هذا وذاک فلا محالة یحکمون بنفوذ هذا وذاک ، فأین هذا من دلالة الإطلاق علیه ؟ !
وأ مّا استفادة البدلیة من النکرة ، کقولنا «اعتق رقبة» ففیه : أنّ النکرة تدلّ بمادّتها علی نفس الطبیعة بلا شرط ، وتنوین التنکیر یدلّ علی الوحدة فـ «رجل» یدلّ بتعدّد الدالّ علی واحد غیر معیّن من الطبیعة ، ولیس فیه دلالة علی البدلیة بلا ریب ؛ إذ البدلیة غیر کونه دالاًّ علی واحد غیر معیّن ؛ إذ هی عبارة عن جعل الحکم علی الأفراد لا بنحو العرضیة بل بنحو التخییر والبدلیة فیها ، کما فی لفظة «أیّ» .
وأ مّا النکرة فلیست فیها دلالة علی هذا ، وإنّما یحکم العقل بتخییر المکلّف بین الإتیان بأیّ فرد شاء فی مورد التکالیف . فقول القائل «اعتق رقبة» یدلّ ـ بعد تمامیة المقدّمات ـ علی وجوب عتق رقبة واحدة ، من غیر دلالة علی التبادل ؛ ولذا یکون التخییر عقلیاً ، بخلاف قوله «اعتق أ یّة رقبة شئت» ؛ فإنّ التخییر فیه شرعی مستفاد من اللفظ .
وبالجملة : لا یستفاد مـن مقدّمات الحکمـة شیء ممّا ذکـر ، سوی کـون ما وقع تحت دائـرة الحکم تمام الموضوع لـه ، وهـذا معنی واحـد فی جمیع الموارد .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 164 نعم حکم العقل والعقلاء فیها مختلفـة ، وهـو غیـر مربوط بباب الألفاظ والعموم ، ولا بباب الإطلاق .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 165