الأمر الثالث فی عدم احتیاج العامّ إلی مقدّمات الحکمة
ربّما یقال إنّ استفادة العموم فی جمیع المقامات یتوقّف علی إجراء مقدّمات الحکمة ؛ لأنّ الألفاظ المفیدة للعموم تابعة لمدخولها ، فإذا اُخذ المدخول مطلقاً یدلّ علی تمام أفراده بنحو الإطلاق ، وإذا اُخذ مهملاً أو مقیّداً یدلّ علی استیعابه کذلک . ومثلها «لا» النافیة ؛ إذ هی موضوعة لنفی الطبیعة ؛ سواء کان مطلقة أو مهملة ، وإحراز کونها نافیة بصرافتها یحتاج إلی إجراء مقدّمات الحکمة .
وفیه : أنّه غیر متین جدّاً لو اُرید من إجراء المقدّمات إثبات کون کلّ فرد موضوعاً للحکم ؛ لأنّ الاحتیاج إلی الإطلاق ومقدّماته فیما إذا لم یکن فی الکلام دلالة لفظیة علی أنّ کلّ واحد موضوع للحکم حتّی یثبت الإطلاق کون کلّ فرد موضوعاً علی مبنی القوم فی باب الإطلاق ، وأمّا إذا توصّل إلیه المتکلّم بالأدوات الموضوعة له فلا حاجة إلیه .
وبعبارة ثانیة : أنّ موضوع الإطلاق هو الطبیعة ، وإذا جرت مقدّماته یستکشف أنّ تمام الموضوع هی نفسها دون قید معها ، وموضوع العامّ هو أفراد الطبیعة لا نفسها ، کما عرفت من قوله سبحانه : « أَوفُوا بِالعُقُودِ » .
وعلیه یکون جریان المقدّمات فی استفادة العموم لغواً عاطلاً ؛ لأنّ المقدّمات
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 160 تجری بعد تعلّق الحکم ، والمفروض أنّ الحکم متعلّق بالأفراد ؛ لأنّ لفظ «کلّ» وغیره یدلّ علی استغراق المدخول ، فحینئذٍ هذه الألفاظ دالّة علی الاستغراق بحکم أوضاعها ؛ جرت المقدّمات أو لا .
أضف إلی ما ذکرنا : أنّ ألفاظ العموم موضوعة للکثرة لغة ، وإضافتها إلی الطبیعة تفید الاستغراق ، وتعلّق الحکم متأخّر عنه . فحینئذٍ جریان المقدّمات متأخّر برتبتین ، فلا یعقل توقّفه علیه .
نعم ، لو کان الغرض من إجرائها هو دفع احتمال دخالة بعض حالات الفرد وأوقاته فالحقّ أنّه یحتاج فی دفعه إلی التمسّک به ، وسیوافیک أنّ مصبّ الإطلاق تارة یکون نفس الطبیعة باعتبار قیودها وصنوفها ، واُخری یکون الفرد الخارجی باعتبار حالاته ، فانتظر .
والحاصل : أنّ دخول ألفاظ العموم علی نفس الطبیعة المهملة یدلّ علی استغراق أفرادها ، ومعه لا حاجة فی جانب الأفراد إلی التمسّک به . ویشهد لما ذکرنا قضاء العرف بذلک ، وأنت إذا تفحّصت جمیع أبواب الفقه وفنون المحاورات لا تجد مورداً یتوقّف فیه العرف فی استفادة العموم من القضایا المسوّرة بألفاظه من جهة عدم کون المتکلّم فی مقام البیان ، کما یتوقّفون فی المطلقات إلی ما شاء الله .
والعجب ممّن یری أنّ الإطلاق بعد جریان المقدّمات یفید العموم ، ومعه ذهب إلی لزوم جریانها فی العموم ، مع أنّ لازمه لغویة الإتیان بألفاظ العموم .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 161