المقام الثانی : فی أنّ الغایة داخلة فی المغیّی أو لا ؟
ومحطّه ما إذا کان مدخول «حتّی» و «إلی» ذا أجزاء ، کما فی مثل «سر من البصرة إلی الکوفة» ، أو ذا امتداد ، کما فی قوله تعالی :«فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُم وَ أَیدِیَکُم إلی المَرافِقِ» ، بناءً علی أنّ المراد منه محلّ رفق العظمین ممّا له امتداد .
وعلی مـا ذکرنا : فالمسألة عرفیـة ، ولیس المراد مـن الغایـة هـو انتهاء الأجسام حتّی یکون البحث عـن أنّ غایات الأجسام داخلـة فیها أو لا ؛ لأنّ البحث ـ حینئذٍ ـ یصیر فلسفیاً .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 146 وما عن شیخنا العلاّمة من ابتناء المسألة علی امتناع الجزء الذی لا یتجزّی وعدمه ، فالغایة داخلة علی الثانی دون الأوّل ، لیس بوجیه ؛ لعدم ارتباطه بالمسألة الاُصولیة .
ثمّ علی ما ذکرنا من کون المدخول ذا أجزاء وامتداد ؛ لأجل إخراج ما لیس قابلاً للتجزئة والامتداد کالفصل المشترک فلا ینتج البحث نتیجة مطلوبة ، لکن تعمیمه بالنسبة إلیه لا مانع منه ؛ وإن لم یترتّب الثمرة إلاّ علی بعض التقادیر ، ککثیر من المسائل الاُصولیة .
ثمّ إنّ النزاع لیس بمختصّ بغایـة الموضوع والمتعلّق ، بل یجری فیما إذا کانت غایة للحکم . فلو صرّح القائل بأنّ الغایة فی قوله «صم إلی اللیل» غایة للوجوب فلنا أن نبحث فی أنّ الوجوب هل ینقطع بانتهاء الیوم ، أو یبقی إلی دخول مقدار من اللیل ، أو إلی انقضائه ؟
وأیضاً أنّ البحث فی المقام إنّما هو إذا کانت لفظة «حتّی» للغایة ، مثل لفظة «إلی» ، کما فی قول الله عزّ شأنه : «کُلُوا واشرَبُوا حَتّی یَتَبَیَّنَ لکُمُ الخَیطُ الأَبیَضُ مِنَ الخَیطِ الأَسوَدِ مِنَ الفَجرِ» ، وقوله عزّ سلطانه : «ثُمَّ أتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَیلِ» .
وأمّا إذا کانت عاطفة ، کما فی المثال الدائر «أکلت السمکة حتّی رأسها» أو «قدم الحاجّ حتّی المشاة» ممّا لیست الکلمتان فیهما مستعملة فی الغایة فهی خارجة عن محطّ البحث قطعاً .
وبذلک یظهر : أنّ ما أفاده بعض محقّقی العصر فی «مقالاته» من ظهور
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 147 دخول مدخول «حتّی» فی المغیّی فی مثال السمکة غیر صحیح ، نشأ من الخلط بین الخافضة والعاطفة ، والبحث فی الأوّل دون الثانی .
إذا عرفت ذلک فاعلم : أنّه اختار شیخنا الاُستاذ قدس سره دخولها فی المغیّی فیما إذا کانت قیداً للفعل ، کقوله «سر من البصرة إلی الکوفة» وعدم دخولها فیما إذا کانت غایة للحکم .
والتحقیق : عدم الدخول مطلقاً ؛ لأنّ الکوفة لو کانت اسماً لذلک الموضع المحصور بسورها وجدرانها ، وفرضنا أنّ المکلّف سار من البصرة منتهیاً سیره إلی جدرانها ، من دون أن یدخل جزء من الکوفة یصدق علیه أنّه أتی بالمأمور به وامتثل . ویشهد علی ما ذکرنا : صدق قول القائل «قرأت القرآن إلی سورة الإسراء» إذا انتهی القراءة إلی الإسراء ، ولم یقرء شیئاً من تلک السورة . وقس علیه نظائره وأشباهه .
والظاهر : أنّ ما ذکر فی «إلی» جارٍ فی لفظ «حتّی» إذا استعملت فی انتهاء الغایة ؛ فإذا قلت «نمت البارحة حتّی الصباح» ـ بالجرّ ـ لا یفهم منه إلاّ ما یفهم إذا أبدلته إلی قولک «نمت البارحة إلی الصباح» کما هو کذلک فی قوله تعالی : «کُلُوا وَاشرَبُوا حَتّی یَتَبَیَّنَ . . . » إلی آخره .
نعم ، استعمالها فی غیر الغایة کثیر ، ولعلّه صار منشأً للاشتباه حتّی ادّعی بعضهم فیها الإجماع علی الدخول .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 148