الفصل الثانی فی مفهوم الوصف
وقبل الخوض ینبغی تقدیم أمرین :
الأوّل : الظاهر أنّ محطّ البحث هو مطلق الوصف ؛ سواء اعتمد علی موصوفـه أم لا ؛ لأنّ المثبت ربّما یتمسّک بفهم أبی عبیدة فی قولـه صلی الله علیه و آله وسلم : «مطل الغنی ظلم» و «لیّ الواجد یحلّ عقوبته وعرضه» . وتری أنّ النافی لم یردّه بأنّه خارج عـن محطّ البحث ؛ لأنّ الوصف لم یعتمد علی موصوفـه ، بل ردّه بوجه آخر . علی أنّ الأدلّة المذکورة من الوضع والصون عـن اللغویة جاریـة فی کلا المقامین .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 139 وبما ذکرنا یظهر : ضعف ما أفاده بعض الأعاظم من أنّ الالتزام بالمفهوم فیما إذا ذکر الموصوف صریحاً إنّما هو لخروج الکلام عن اللغویة ، وهذا لا یجری فی مثل «أکرم عالماً» ؛ فإنّ ذکر الموضوع لا یحتاج إلی نکتة غیر إثبات الحکم له ، لا إثباته له ونفیه عن غیره ، انتهی .
وجه الضعف : هو أنّ اللغویة یأتی فی الثانی أیضاً ؛ لأنّ الحکم لو کان ثابتاً لفاقد الوصف لما کان لذکر الموصوف بما هو موصوف وجه ، والصون عن اللغویة لو تمّ فی الأوّل لتمّ فی الثانی . وبالجملة هما متّحدان استدلالاً وجواباً .
الثانی : أنّ استفادة المفهوم من الوصف کاستفادته من الجملة الشرطیة ، فلابدّ من حفظ جمیع ما ذکر فی الکلام من القیود ، عدا الوصف الذی یدور علیه المفهوم .
وعلیه : فلو کان الوصف أخصّ مطلقاً من الموصوف فلا ریب فی دخوله فی محطّ البحث ؛ لبقاء الموضوع بعد انتفائه ؛ حتّی فی الوصف الذی لم یعتمد علی موصوفه ، مثل قولک «أکرم عالماً» ؛ إذ لابدّ علی القول بالمفهوم من تقدیر موصوف عند التحلیل .
کما لا ریب فی خروج الوصف المساوی لموصوفه عن حریم النزاع ؛ لارتفاع الموضوع بارتفاعه ، فلا یبقی للحکم مرکز حتّی یحمل علیه أو یسلب عنه .
وما فی کلام المحقّق الخراسانی من تعمیم البحث للمساوی فهو مخدوش ، وأمّا العامّان من وجه فلو کان الافتراق من جانب الموصوف ـ کما فی مثل : «فی الغنم السائمة زکاة» فی مقابل الغنم غیر السائمة ـ فهو داخل أیضاً فی
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 140 محطّ النزاع ، نعم لو کان الافتراق من جانب الوصف فهو خارج قطعاً .
وما حکی عن بعض الشافعیة من أنّ قوله «فی الغنم السائمة زکاة» یدلّ علی عدم الزکاة فی الإبل المعلوفة فاسد ؛ لأنّ حفظ الموضوع فی المنطوق والمفهوم ممّا لابدّ منه ، وإنّما الاختلاف بینهما فی تحقّق الوصف فی أحدهما دون الآخر بعد حفظه ، فلا معنی لنفی الحکم عن موضوع أجنبی ، وعدّه مفهوماً للکلام .
إذا عرفت ما ذکرنا فاعلم : أنّ الحقّ عدم دلالة الجملة الوصفیة علی المفهوم ؛ لا بالوضع والتبادر ولا بالإطلاق .
وما یقال : من أنّ الإطلاق کما یدلّ علی أنّه تمام الموضوع وبلا شریک کذلک یدلّ علی أنّه بلا عدیل قد عرفت جوابه فیما مضی مفصّلاً .
والتمسّک بفهم أبی عبیدة ضعیف جدّاً ؛ ضرورة أنّه لا یثبت به الوضع ، ولم یعلم أنّه ادّعی الوضع ، بل لعلّه استند إلی قرائن حافّة بالکلام وغیر ذلک من الاحتمالات .
وأمّا لزوم اللغویة فمدفوع بأنّ الغرض لا ینحصر فی الاحتراز ، ولو سلّمنا فهی أیضاً حاصلة ؛ لأنّ معناها أنّ الذات بلا قید لیس موضوعاً للحکم ، وهو هناک کذلک ، وهو لا یدلّ علی عدم نیابة قید مکانه عند فقدانه .
والعجب عمّا اُفید فی المقام من التدقیقات الصناعیة ـ وإن مرّ نظیره فی مفهوم الشرط ـ ومحصّله : أنّه بعد إحراز أنّ الأصل فی القید أن یکون احترازیاً أنّ معنی قیدیة شیء لموضوع حکم هو أنّ ذات الموضوع غیر قابلة لتعلّقه بها إلاّ بعد
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 141 اتّصافها بهذا الوصف ، فالوصف متمّم قابلیة القابل ، وهو معنی الشرط حقیقة ، وحیث إنّ الظاهر دخله بعنوانه الخاصّ ـ إذ مع تعدّد العلّة یکون الجامع علّة ، وهو خلاف الظاهر ـ فلا محالة ینتفی سنخ الوجوب بانتفاء قید الموضوع ، انتهی .
وفیه وجوه من الإشکال ، قد نبّهنا علیها غیر مرّة :
منها : قیاس التشریع بالتکوین . وتقدّم بطلانه ؛ إذ لا مانع من جعل العناوین المختلفة موضوعاً لحکم واحد بالنوع .
ومنها : إجراء القاعدة المعروفة فی الفنّ الأعلی فی نظائر المقام ، مع أنّه لا مساس لها بهذه المقامات أصلاً ، وهو غیر خفی علی أهلها .
ومنها : حدیث تأثیر الجامع . مع أنّک قد عرفت أنّه غیر صحیح ، وأنّ الجامع بنعت الجامعیة یمتنع أن یکون موجوداً خارجیاً حتّی یؤثّر فی الشیء ، وإلاّ یلزم الالتزام بمقالة الرجل الهمدانی .
ومنها : أنّه بعد تسلیم هذه المقدّمات لا یفید شیئاً ؛ لأنّ المیزان فی هذا المقام هو فهم العرف الساذج لا الدقائق الفلسفیة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 142