تتمّـة فی أنّ مفهوم العامّ الاستغراقی جزئی لا کلّی
لابـدّ فی أخـذ المفهوم مـن القضیة الشرطیة مـن حفظ الموضوع مـع تمام ما اعتبر قیداً فی طـرف الموضوع أو فی طرف الجـزاء ، فمفهوم قولنا : «إن جاءک زیـد راکباً یوم الجمعـة فاضربـه» هـو قولنا إن لم یجئک زیـد راکباً یوم الجمعة فلا یجب علیک ضربـه ، وقس علیه سائـر القیود ، وهـذا ما یعبّر عنه مـن تبعیـة المفهوم للمنطوق .
ومن القیود العامّ المجموعی ، مثل قولک : «إن جاءک زید أکرم مجموع العلماء» ، وقد تسالم کلّ من قال بالمفهوم أنّ مفهومه هو أنّه إن لم یجئک لا یجب إکرام مجموعهم ، ولا ینافی ذلک وجوب إکرام بعضهم .
إنّما الإشکال فی العامّ الاستغراقی ؛ سواء استفید بالوضع اللغوی مثل «کلّ» والجمع المحلّی باللام ، أم بغیره مثل النکرة فی سیاق النفی ، کما فی قوله علیه السلام :
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 134 «الماء إذا بلغ قدر کرّ لم ینجّسه شیء» .
فعلی القول بإفادته المفهوم فهل هو الإیجاب الجزئی ؛ بداهة أنّ نقیض السالبـة الکلّیة هی الموجبة الجزئیة ، کما علیه الشیخ المحقّق صاحب «الحاشیة» ، أو الموجبة الکلّیة ، کما عن الشیخ الأعظم قدس سره ، وأوضحه ـ کما فی تقریرات بعض تلامذته ـ بأنّ المراد من لفظة «شیء» إمّا معناه العامّ من دون جعله عبرة لعناوین اُخر التی هی موضوعات فی لسان الدلیل ـ کالدم والبول ـ أو یکون عنواناً مشیراً إلی العناوین الواقعة موضوعاً للنجاسات .
فعلی الأوّل : یکون المفهوم هو الإیجاب الجزئی ، فیقال : «الماء إذا لم یبلغ الکرّ ینجّسه شیء» .
وعلی الثانی : یکون مفاد المنطوق لم ینجّسه هذا وهذا ، ویصیر مفهومه ـ حینئذٍ ـ قضیة منطبقة علیها ، ویقال : «الماء إذا لم یبلغ قدر الکرّ ینجّسه هذا وهذا» ، ویکون هو الموجبة الکلّیة . والأظهر : هو الثانی ، انتهی ملخّصاً .
ویرد علیه : أنّه إن کان المراد من جعله عبرة ومرآة للعناوین هو جعل الحکم علی الکثرة التفصیلیة أوّلاً وبالذات بلا وساطة لفظ «الشیء» و «الکلّ» ، فهو واضح البطلان ؛ ضرورة ملحوظیة عنوانی الکلّ والشیء فی موضوع القضیة .
وإن کان المراد أنّ الغرض من التوصّل بهما لیس جعل الحکم علیهما بما هما کذلک ، بل الغرض هو اتّخاذهما وسیلة لإسراء الحکم منهما إلی العناوین الواقعیة
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 135 فهو حقّ لکن ذلک لا یستلزم ما یبتغیه ؛ إذ لابدّ أن یکون الحکم فی طرف المفهوم کذلک ـ أی أن ینفی الحکم عن العنوان المشیر إلی العناوین الواقعیة ـ فمفهوم قولنا إذا جاءک زید أکرم کلّ عالم هو أنّه إذا لم یجئک لا یجب إکرام کلّ عالم ، ولا إشکال فی إفادته قضیة جزئیة .
وبعبارة أوضح : أنّ کون لفظ «شیء» مرآة للعناوین لا یستلزم أن یکون العناوین موضوعاً للحکم فی لسان الدلیل ، بل الموضوع هو لفظ شیء ؛ وإن کان مرآة للعناوین .
وعلیه : فمدار أخذ المفهوم هو رفع الحکم عمّا جعل موضوعاً فی لسان الدلیل ، کما أنّ الحکم ثابت علیه ظاهراً ، وحینئذٍ یکون مفهوم قولنا «لا ینجّسه شیء» هو «ینجّسه شیء» ، ولا یضرّ کونه مرآة لما هو موضوع ، فتدبّر .
علی أنّ فهم العرف أقوی شاهد .
أضف إلی ذلک : أنّه لو سلّمنا کونه مرآة بالمعنی المتقدّم ، وأنّ العناوین بکثرتها التفصیلیـة وقعت موضوعاً للحکم ، إلاّ أنّه لا یستفاد من القضیة إلاّ الجزئیة ؛ لأنّ المفهوم لیس إلاّ رفع سنخ الحکم المذکور عن الموضوع ، لا إثبات حکم مقامه . ومفهوم قولنا «لا ینجّسه» هو «لیس لا ینجّسه» والقول بأنّ مفهوم ما ذکر هو «ینجّسه» مسامحة نشأت من وضع لازم المفهوم مکانه .
وحینئذٍ : فمفهوم قوله «إذا بلغ الماء قدر کرّ لا ینجّسه البول والدم والکلب» هو أنّه «إذا لم یبلغ قدر کرّ لیس لا ینجّسه البول والدم والکلب» ، وهو لا ینافی تنجیس بعضها ؛ إذ المفهوم هو سلب السالبة الکلّیة ، وهو یتحقّق تارة بالإیجاب الجزئی واُخری بالإیجاب الکلّی .
ولو سلّم أنّ العرف فی مثل القضیة لا ینتقل إلی سلب السلب بل ینتقل إلی
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 136 الإیجاب فلا إشکال فیما هو مورد نزاع العلمین : أنّ العرف مساعد للإیجاب الجزئی ، وأنّ المفهوم من قوله «إذا بلغ الماء قدر کرّ لا ینجّسه شیء» هو أنّه «إذا لم یبلغ قدر کرّ ینجّسه شیء فی الجملة» ، لا أنّه «ینجّسه کلّ شیء من العناوین» .
لا یقال : إنّ لازم حصر العلّة فی الکرّیة الذی هو الأساس لإثبات المفهوم أن لا یکون لبعض أفراد العامّ علّة اُخری غیر ما ذکر فی الشرطیة ، وإلاّ یکون مخالفاً لظهور الشرطیة فی الانحصار ، بل ینهدم أساس المفهوم .
وحینئذٍ : فلازم انحصار العلّة فی جمیع الأفراد والعناوین هو الإیجاب الکلّی فی صورة عدم الکرّیة ، فیثبت أنّ مفهومه هو أنّه ینجّسه کلّ شیء .
لأنّا نقول : ما یستفاد من الشرطیة فی مثل تلک القضایا ـ بعد تسلیم المفهوم ـ هو کون الشرط علّة منحصرة للعموم ـ وإن کان استغراقیاً ـ فلا ینافی عدم الانحصار بالنسبة إلی البعض . فبلوغ الکرّ علّة منحصرة لعدم تنجّسه بکلّ نجاسة ، لا أنّه علّة منحصرة لعدم تنجّسه بالبول ، وعلّة منحصرة لعدم تنجّسه بالدم ، وهکذا .
نعم ، لو انحلّت القضیـة إلی تعلیقات عدیـدة أو الجـزاء إلی کثرة تفصیلیة حکماً وموضوعاً کان لما ذکـره وجـه ، لکـن الانحلالین ممنوعان ، والـدلیل الأسدّ الذی هو فهم العرف ـ إن قطعنا النظر عمّا یقتضیه الصناعة ـ موافق لما قوّیناه .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 137
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 138