الأمر الخامس : فی المراد من الصحّة والفساد
قد اشتهر بین القوم أنّ الصحّة والفساد أمران إضافیان مساوقان للتمام والنقص لغة وعرفاً ، وبینهما تقابل العدم والملکة ، والاختلاف فی التعبیر بین الفقیه والمتکلّم فإنّما هو لأجل ما هو المهمّ فی نظرهما .
قلت : قد تقدّم فی أوّل الکتاب أنّ تساوق الصحّة والفساد معهما ممّا
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 70 لم یثبت ، بل ثبت خلافه ؛ لأنّ النقص والتمام یطلقان علی الشیء بحسب الأجزاء غالباً ، ویقال : «ید ناقصة» إذا قطع بعض أجزائها ولا یقال فاسدة ، ویقال : «دار تامّة» إذا کملت مرافقها لا صحیحة ، وأمّا الصحّة والفساد فیستعملان غالباً بحسب الکیفیات والأحوال ، مثل الکیفیات المزاجیة وشبهها ، فیقال : «فاکهة صحیحة» إذا لم یفسده الدود أو «فاسدة» إذا ضیعته المفسدات .
وعلیه : فالفساد عبارة عن کیفیة وجودیة عارضة للشیء منافرة لمزاجه ومخالفة لطبیعته النوعیة ، والصحّة تقابله تقابل التضادّ ، وهی عبارة عن کیفیة وجودیة عارضة له موافقة لمزاجه ، ویقال : «فاکهة فاسدة» لما عرضتها کیفیة وجودیة منافرة لمزاجها النوعی التی یتنفّر عنها الطباع ، کما یقال : «صحیحة» إذا کانت علی کیفیة موافقة له ؛ بحیث یقبله الطباع . فبین المعنیین تقابل التضادّ ، کما أنّ بین التمام والنقص تقابل العدم والملکة ، هذا بحسب اللغة والعرف .
نعم ، یمکن تصحیح ماذکروه من التساوق فی العبادات والمعاملات ؛ لأنّه یطلق الفساد علی صلاة فاقدة لجزئها أو شرطها أو مجامعة لمانعها ، کما یطلق الصحّة علی الواجد الجامع من جمیع الجهات ، فهما حینئذٍ مساوقان للتمام والنقص أو قریبان منهما .
إنّمـا الکلام فی أنّ ذلک الإطلاق ـ بعدما لم یکن کذلک بحسب العرف واللغـة کما عرفت ـ هل هو باعتبار وضع جدید فی لفظی الصحّة والفساد ، أو باستعمالهما أوّلاً مجازاً ، وکثرة ذلک حتّی بلغا حدّ الحقیقة ؟ أقربهما هو الثانی ، بل الأوّل بعید غایته .
فحینئذٍ : فالصحّة فی الماهیات المخترعة صفة لمصداق جامع لجمیع الأجزاء
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 71 والشرائط مطابق للمخترع والمجعول ، والفساد مقابلها ، فینقلب التقابل عن التضادّ إلی تقابل العدم والملکة ؛ لأجل تغیّر المعنی فی العبادات والمعاملات .
وأمّا کونهما إضافیان فیصحّ أیضاً بهذا المعنی الثانوی فیما إذا کانت العبادة تامّة الأجزاء دون الشرائط أو بالعکس . وأمّا کون الصحّة والفساد إضافیتین بالمعنی المتعارف فی اللغة والعرف فلا یصحّ إلاّ بالإضافة إلی حالات المکلّفین وأصنافهم ؛ فإنّ الصلاة مع الطهارة الترابیة صحیحة بالنسبة إلی مکلّف وفاسدة بالنسبة إلی آخر ، أو صحیحة فی حال دون حال .
فتلخّص : أنّ استعمال التمام والنقص فی اللغة والعرف باعتبار الأجزاء ، وبینهما تقابل العدم والملکة ، واستعمال الصحّة والفساد فیهما بحسب الکیفیات ، وبینهما تقابل التضادّ لو کانت الصحّـة أمـراً وجـودیاً ، ولیسا إضافیین إلاّ بالإضافـة إلی حالات المکلّفین .
نعم ، ربّما تستعملان فی العبادات والمعاملات فی معنی التمام والنقص ، ویکون التقابل تقابل العدم والملکة ، وتصیران إضافیین بالنسبة إلی الأجزاء والشرائط .
وأمّا اختلاف الأنظار فی صحّة عبادة وعدمها فلا یوجب إضافیتهما ؛ لأنّ الأنظار طریق إلی تشخیص الواقع ، وکلٌّ یخطّئ الآخر ، فتدبّر .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 72