السابع : فی ثمرة النزاع علی القول بالجواز
قد یقال إنّه لاملازمة بین القول بالجواز والقول بصحّة العبادة ؛ لوجود ملاک آخر للبطلان فی بعض الموارد ، کالصلاة فی الدار المغصوبـة ؛ لأنّ التصرّف فی مال الغیر بلا إذنه فی الخارج عین الحرکة الصلاتیة ، والمبعّد عن ساحة المولی لا یمکن أن یکون مقرّباً ، نعم مع جهله بالموضوع أو الحکم قصوراً تصحّ صلاته بلا إشکال .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 29 والمعیار الکلّی فی الحکم بالصحّة والبطلان هو أ نّه کلّما کانت الخصوصیة العبادیة فی المصداق غیر الخصوصیة المحرّمة وجوداً ـ وإن جمعهما موضوع واحد ـ تصحّ العبادة ، ولا یرد الإشکال ؛ لأنّ المکلّف یتقرّب بالجهة المحسّنة ، ولیست فیها جهة مقبّحة علی الفرض ؛ وإن قارنتها أو لازمتها ، ولکن المقارنة أو اللزوم لا یضرّ بعبادیتها .
وکلّما کان العنوانان موجودین بوجود واحد وخصوصیة فاردة لا یمکن التقرّب بـه ؛ و إن جـوّزنا اجتماع الأمـر والنهی ، فإنّ التقرّب بما هـو مبعّد بالفعل ممّا لا یمکن .
هذا ، وسیأتی تحقیق المقام ، وأنّ المبعّد من حیثیة یمکن أن یکون مقرّباً من حیثیة اُخری ، فانتظر .
ثمّ إنّ بعض أعاظم العصر رحمه الله قد أفاد فی تقریراته : أنّ الصلاة فی الدار المغصوبة من قبیل الأوّل ، وأنّ الحرکة الصلاتیة غیر الحرکة الغصبیة خارجاً ؛ لأنّ الغصب من مقولة الأین والصلاة من مقولة الوضع ، والظاهر أن تکون أفعال الصلاة من مقولة الوضع ؛ سواء قلنا إنّ المأمور به فی مثل الرکوع والسجود هو الهیئة کما هو مختار «الجواهر» ، أو الفعل کما هو المختار ؛ فإنّ المراد من الفعل لیس هو الفعل باصطلاح المعقول ، بل الفعل الصادر عن المکلّف ، فیکون الانحناء إلی الرکوع أوضاعاً متلاصقة متّصلة .
ثمّ المقولات متباینات وبسائط یکون ما به الامتیاز فیها عین ما به الاشتراک ، و إنّ الحرکة لیست داخلة فی المقولات ، بل هی مع کلّ مقولة عینها ، ولم تکن
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 30 الحرکة جنساً للمقولتین ، وإلاّ یلزم تفصّل الواحد بالفصلین المتباینین فی عرض واحد ، ویلزم الترکیب فیهما ولا معروضاً لهما ، وإلاّ یلزم قیام العرض بالعرض ؛ وهو محال . فالحرکة الغصبیة تکون من مقولة متباینة للحرکة الصلاتیة .
ولیس المراد من الحرکة هو رفع الید أو وضعها ورفع الرأس أو وضعه ، بل المراد الحرکة الصلاتیة والغصبیة ، وهما حرکتان کما عرفت ، فکون حیثیة الصلاتیة غیر حیثیة الغصبیة وجوداً وماهیة ، یجوز اجتماع الأمر والنهی فیهما ، ویکون المقرّب غیر المبعّد .
والشاهد علی ما ذکرنا من اختلافهما وجوداً : أنّ نسبة المکان إلی المکین والإضافة الحاصلة بین المکین والمکان لا یعقل أن تختلف فی الجوهر والعرض ، فکما أنّ کون زید فی الدار المغصوبة لا یوجب کونه غصباً فکذلک کون الصلاة فیها . فالترکیب بینهما انضمامی لا اتّحادی ، انتهی ملخّصاً .
وفیها : موارد للنظر ، نذکر مهمّاتها :
منها : أنّ الصلاة لیست من المقولات ، بل من الماهیات الاختراعیة المرکّبة من عدّة اُمور اعتباریة ومقولیة ، ومثل ذلک لا یندرج تحت مقولة ، ولا تحت ماهیة من الماهیات الأصیلة ، هذا إن اُرید من الصلاة نفسها .
وإن اُرید أجزاؤها ـ کالرکوع مثلاً ـ فغیر صحیح ؛ لأ نّه إن قلنا : إنّ الرکوع عبارة عـن الحرکـة مـن الاستقامـة إلی الانحناء تعظیماً ؛ بحیث یکون مرکّباً مـن الهوی والحالة الحاصلة حین الانحناء التامّ فلا یکون من مقولة الوضع فقط ، بل یکون أحـد جزئیـه ـ أعنی الهوی ـ مـن مقولـة الحرکـة فی الأیـن ، ویکون مـن
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 31 مقولـة الأین ، بناءً علی أنّ الحرکة فی کلّ مقولة عینها .
والعجب : أنّ القائل سمّی هذه الحرکة الأینیة أ نّها أوضاع متلاصقة ، وغفل عن أنّ تبدّل الأوضاع وتلاصقها من لوازم هذه الحرکة ، کما یکون الجزء الآخر ـ أعنی الحالة المخصوصة ـ من مقولة الوضع .
وإن قلنا : إنّه عبارة عن نفس الهیئة المخصوصة تعظیماً ، الحاصلة بعد الانحناء التامّ فلا یندرج تحت المقولة ؛ لأنّ کونه تعظیماً من مقوّماته ، وهو لا یندرج تحت مقولة . علی أنّ هذا الإشکال یرد علی الشقّ الأوّل أیضاً إذا قلنا بکون التعظیم قیداً أو جزءً .
أضف إلیه : أنّ مبناه أنّ الجـزء للصلاة هـو الفعل ـ کما صرّح به ـ والفعل الصادر مـن المکلّف هـو الحرکة مـن الاستقامة إلی الانحناء ، وتبدّل الأوضاع یکون لازماً له ، وما هو جزء للصلاة ـ علی الفرض ـ هـو الفعل الصادر عنه لا الأوضاع المتلاصقة .
هذا ، مع ما فی تلاصق الأوضاع من مفاسد غیر خفی علی أهله ومن له إلمام بالمعارف العقلیة .
ومنها : أنّ الغصب لا یکون من المقولات ؛ لأ نّه الاستیلاء علی مال الغیر عدواناً ، وهو من الاُمور الاعتباریة ، ولا یدخل فی ماهیة الکون فی المکان . فالکون فی المکان المغصوب لیس غصباً ، بل استقلال الید علیه واستیلاؤها غصب ؛ سواء کان الغاصب داخلاً فیه أم لم یکن ، وهذا واضح بأدنی تأمّل .
مع أ نّـه لو فرض أنّ الغصب هو الکون فی المکان الذی للغیر عـدواناً لم یصر مـن مقولة الأین :
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 32 أمّا أوّلاً : فلأنّ المقولة لیست نفس الکون فی المکان ، بل هی هیئة حاصلة من کون الشیء فی المکان .
وأمّا ثانیاً : فلأنّ ماهیة الغصب متقوّمة بکون المکان للغیر ، ویکون إشغاله عدواناً ، وهما غیر داخلین فی ماهیة مقولة الأین . فعلی هذا الفرض الباطل یکون المقولة جزء ماهیة الغصب .
ومنها : أنّ عدم صحّة الصلاة لیس لأجل الغصب ـ أی استقلال الید ـ بل لأجل التصرّف فی مال الغیر بلا إذن منه ، وهذا عنوان آخر غیر الغصب ؛ فإنّه قد یکون الشخص متصرّفاً فی مال الغیر بلا إذنه مع عدم کونه غاصباً ؛ لعدم استقلال یده علیه . وقد یکون غاصباً بلا تصرّف خارجی فی ماله .
فالصلاة فی الدار المغصوبة باطلة لا لأجل استقلال الید علی ملک الغیر ؛ لأ نّه أمر اعتباری لا ینطبق علی الصلاة غالباً ، بل لأجل التصرّف فی مال الغیر ؛ ضرورة أنّ الحرکة الرکوعیة والسجودیة عین التصرّف فی مال الغیر ، بل السجود علی سبعة أعظم تصرّف ، والکون القیامی والقعودی وغیرهما تصرّف فی مال الغیر وحرام ، فلا یمکن التقرّب بما هو مبعّد علی الفرض ـ قیل بجواز الاجتماع أم لم یقل ـ وسیأتی ـ إن شاء الله ـ أنّ جواز الاجتماع لا یتوقّف علی کون الحیثیات تقییدیة والترکیب انضمامیاً ، کما بنی علیه قدس سره .
وممّا ذکر یعلم حال ما ذکره من قیاس کون زید فی الدار المغصوبة بکون الصلاة فیها ؛ فإنّ الصلاة لمّا کانت فعل المکلّف تکون تصرّفاً فی مال الغیر ، وأمّا زید فنفس ذاته لا یکون فعلاً ؛ حتّی یکون تصرّفاً ، بل کون زید فی الدار غصب
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 33 لا ذاته علی مبناه ، أو تصرّف علی ما ذکرنا ، وزید غاصب أو متصرّف ، کما أنّ صلاته باعتبار کونها من أکوانه وأفعاله غصب وتصرّف ، وهو غاصب ومتصرّف ، والأمر أوضح من أن یحتاج إلی البیان .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 34