الفرق بین باب الاجتماع وباب التعارض
والذی یختلج فی البال ـ ولیس ببعید عن مساق بعض عبائره ـ أن یکون مراده قدس سره فیما أفاده فی الأمر الثامن والتاسع هو إبداء الفرق بین هذا المقام وبین باب التعارض ؛ دفعاً عن إشکالٍ ربّما یرد فی المقام ؛ وهو أنّ القوم ـ رضوان الله علیهم ـ لمّا عنونوا مسألة جواز الاجتماع مثّلوا له بالعامّین من وجه ، واختار جمع منهم جواز الاجتماع ، ولکن هذا الجمع لمّا وصلوا إلی باب التعارض جعلوا العامّین من وجه أحد وجوه التعارض ، ولم یذکر أحد منهم جواز الجمع بینهما بصحّة اجتماع الأمر والنهی فی عنوانین بینهما عامّ من وجه .
فصار قدس سره بصدد دفع هذا الإشکال بالفرق بین البابین ؛ بأنّ کون العامّین من وجه من باب الاجتماع مشروط بإحراز المناط ؛ حتّی فی مورد التصادق ، وإلاّ دخـل باب التعارض . وبالجملـة : فالمیّز التامّ هـو دلالـة کلّ مـن الحکمین علی
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 27 ثبوت المقتضی فی مورد الاتّفاق أو عدمها .
هذا ، ولکن یمکن أن یقال : إنّ المیز بین البابین لیس بما ذکر ؛ إذ المیزان فی عدّ الدلیلین متعارضین هو کونهما کذلک فی نظر العرف ؛ ولذا لو کان بینهما جمع عرفی خرج من موضوعه ، فالجمع والتعارض کلاهما عرفیان ، وهذا بخلاف المقام ؛ فإنّ التعارض فیه إنّما هو من جهة العقل ؛ إذ العرف مهما أدقّ النظر وبالغ فی ذلک لا یری بین قولنا «صلّ» و «لا تغصب» تعارضاً ؛ لأنّ الحکم علی عنوانین غیر مرتبط أحدهما بالآخر ، کما أنّ الجمع أیضاً عقلی مثل تعارضه .
وعلیه : فکلّ ما عدّه العرف متعارضاً مع آخر ـ وإن أحرزنا المناط فیهما ـ فهو داخل فی باب التعارض ، ولابدّ فیه من إعمال قواعده من الجمع والترجیح والطرح ، کما أنّ ما لم یعدّه متعارضاً مع آخر وآنس بینهما توفیقاً ـ وإن عدّهما العقل متعارضین ـ فهو من باب الاجتماع ؛ وإن لم یحرز المناط فیهما .
وبالجملة : موضوع باب التعارض هو الخبران المختلفان ، والمناط فی الاختلاف هو الفهم العرفی ، والجمع هناک عرفی لا عقلی . بخلافه هاهنا ؛ فإنّ المسألة عقلیة ، فلا ربط بین البابین أصلاً ، فما ادّعی من المناط غیر تامّ ؛ طرداً وعکساً ، کما عرفت .
والسرّ فیه : أنّ رحی باب التعارض تدور علی العمل بالأخبار الواردة فیه ، وموضوعها مأخوذ من العرف ـ کموضوع سائر ما ورد فی الکتاب والسنّة ـ فکلّما یحکم العرف باختلاف الخبرین وتعارضهما یعمل بالمرجّحات ، وکلّما یحکم بعدمه لأجل الجمع العرفی أو عدم التناسب بین الدلیلین لا یکون من بابه .
فقوله «صلّ» و «لا تغصب» غیر متعارضین عرفاً ؛ لأنّ الحکم علی العنوانین بنحو الإطلاق بلا ارتباط بینهما ، فلیس بینهما اختلاف عرفاً ـ ولو لم نحرز
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 28 المناطین ـ کما أنّ قوله «أکرم کلّ عالم» معارض عرفاً فی الجملة لقوله «لا تکرم الفسّاق» ؛ ولو فرض إحراز المناطین فی مورد الاجتماع وقلنا بجواز الاجتماع حتّی فی مثله ؛ لأنّ الحکم فیهما علی الأفراد بنحو العموم ، فیدلاّن علی إکرام المجمع وعدم إکرامه .
وبذلک یظهر : أنّ ما ذکره بعض الأعاظم من أنّ هذه المسألة محقّقة لموضوع مسألة التعارض فی غیر محلّه ؛ لما عرفت من أنّ المسألتین لا جامع بینهما ولا إحداهما مقدّمة للاُخری .
کما أنّ ما ادّعاه من أنّ التمایز بین البابین هو أنّ الترکیب فی باب الاجتماع انضمامی وفی باب التعارض اتّحادی لا یرجع إلی محصّل وسیتّضح أنّ حدیث الترکیب الانضمامی والاتّحادی أجنبی عن هذه المقامات ، فارتقب .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 29