الرابع : فی اعتبار قید المندوحة
لا إشکال فی عدم اعتبار قید المندوحة لو کان النزاع صغرویاً ؛ لأنّ البحث عن أنّ تعدّد العنوان هل یرفع غائلة اجتماع الضدّین أو لا ، لا یبتنی علی وجود المندوحة ؛ إذ لو کان تعدّد الوجه مجدیاً فی رفع غائلة اجتماع الضدّین لکان وجـود المندوحـة وعدمها سواء ، وإن لم یکن مجـدیاً فی رفعها لما کان لوجـودها ولا لعدمها أثر أصلاً .
وبالجملـة : البحث فی تلک الحیثیة ـ جـوازاً وامتناعاً ـ لا یتوقّف علی وجودها وعدمها .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 22 وأمّا علی ما أخترناه ؛ من کبرویة النزاع وأنّ محطّ البحث هـو جـواز اجتماع الأمر والنهی علی عنوانین متصادقین علی واحـد فقد یقال باعتبارها فی المقام ؛ لأنّ النزاع فی اجتماع الحکمین الفعلیین لا الإنشائیین ؛ ضرورة عـدم التنافی فی الإنشائیات ، ومع عدمها یصیر التکلیف بهما تکلیفاً بالمحال ؛ وإن لم یکن تکلیفاً محالاً .
قلت : الظاهر أنّ ما ذکر نشأ من خلط الأحکام الکلّیة بالجزئیة والخطابات القانونیة بالخطابات الشخصیة .
وتوضیحه : أنّ العنوانین إن کان بینهما تلازم فی الوجود ؛ بحیث لا ینفکّ أحدهما عن الآخر فی جمیع الأمکنة والأزمنة وعند جمیع المکلّفین ممّن غبر أو حضر فالبعث إلی أحدهما والزجر عن الآخر ـ مع کون حالهما ذلک ـ ممّا لا یصدر عن الحکیم المشرّع ، بل من غیره ؛ لأنّ الإرادة الجدیة إنّما تنقدح فی مورد یقدر الغیر علی امتثاله ، وعند التلازم فی الوجود کان التکلیف محالاً لأجل التکلیف المحال ؛ فضلاً عن کونه تکلیفاً بالمحال ، ومعه لا یلزم التقیید بالمندوحة ، کما سنشیر إلیه .
وأمّا إذا فرضنا عدم التلازم فی الوجود فی کلّ عصر ومصر وعند جمیع المکلّفین ، وأنّ عامّة الناس یتمکّنون من إتیان الصلاة فی غیر الدار المغصوبة غالباً ، وأنّه لو ضاق الأمر علی بعضهم ؛ بحیث لم یتمکّن إلاّ من الصلاة فی الدار المغصوبة لکان من القضایا الاتّفاقیة التی یترقّب زوالها فلا حاجة إلی اعتبار المندوحة ؛ لما قد حقّقنا أنّ الأحکام الشرعیة لا تنحلّ إلی خطابات بعدد الأفراد حتّی یکون کلّ
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 23 فرد مخصوصاً بخطاب خاصّ ، فیستهجن الخطاب إلیه بالبعث نحو الصلاة والزجر عن الغصب ، ویصیر المقام من التکلیف بالمحال أو التکلیف المحال .
بل معنی عموم الحکم وشموله قانوناً هو جعل الحکم علی عنوان عامّ ، مثل «المستطیع یجب علیه الحجّ» ، ولکن بإرادة واحدة ؛ وهی إرادة التشریع وجعل الحکم علی العنوان ؛ حتّی یصیر حجّة علی کلّ من اُحرز دخوله تحت عنوان المستطیع ، من دون أن یکون هناک إرادات وخطابات .
وحینئذٍ : فالملاک لصحّة الحکم الفعلی القانونی هو تمکّن طائفة منهم من إتیان المأمور به ، وامتثال المنهی عنه ، لا کلّ فرد فرد ، وعجز بعض الأفراد لا یوجب سقوط الحکم الفعلی العامّ ، بل یوجب کونه معذوراً فی عدم الامتثال .
والحاصل : أنّه إن اُرید بقید المندوحة حصول المندوحة لکلّ واحد من المکلّفین فهو غیر لازم ؛ لأنّ البحث فی جواز تعلّق الحکمین الفعلیین علی عنوانین ، ولا یتوقّف ذلک علی المندوحة لکلّ واحد منهم ؛ لأنّ الأحکام المتعلّقة علی العناوین لا تنحلّ إلی إنشائات کثیرة حتّی یکون الشرط تمکّن کلّ فرد بالخصوص . وعلیه : فالحکم الفعلی بالمعنی المتقدّم فعلی علی عنوانه ؛ وإن کان بعض المکلّفین معذوراً فی عدم امتثاله .
وإن اُرید بقید المندوحة کون العنوانین ممّا ینفکّان بحسب المصداق فی کثیر من الأوقات ؛ وإن لم یکن کذلک بحسب حال بعض المکلّفین فاعتبار المندوحة وإن کان لازماً فی هذه المسألة لکن لا یحتاج إلی تقیید البحث به ؛ فإنّ تعلّق الحکم الفعلی بعنوان ملازم لمنهی عنه فعلاً ممّا لا یمکن ؛ للغویة الجعل علی العنوانین ، بل لابدّ للجاعل من ترجیح أحد الحکمین علی الآخر ، أو الحکم بالتخییر مع عدم الرجحان . فتقیید العنوان بالمندوحة غیر لازم علی جمیع التقادیر .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 24