الثانی : الفرق بین هذه المسألة ومسألة النهی فی العبادة
إذا أحطت خُبراً بما أوضحناه فی صدر الکتاب عند البحث عن تمایز العلوم وتمایـز مسائل العلم بعضها عـن بعض تقف علی أنّ الفرق بین هـذه المسألة وبین مسألة النهی فی العبادة أو المعاملة أوضح من أن یخفی ، بل لا جامع بینهما حتّی نبحث عن تمیّزهما ؛ إذ البحث فی المقام علی ماذکرناه إنّما هو فی جـواز تعلّق الأمـر والنهی علی عنوانین متصادقین علی واحـد ، کما أنّ البحث هناک فی
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 18 أنّ النهی إذا تعلّق بالعبادة أو المعاملة هل یقتضی الفساد أو لا ؟
فالمسألتان مختلفتان موضوعاً ومحمولاً ، واختلاف المسائل إنّما هو بهما أو بأحدهما ؛ لأنّ ذات المسائل متقوّمة بهما ، والتمیّز بأمر ذاتی هو الممیّز بین الشیئین فی المرتبة المتقدّمة علی التمیّز بأمر عرضی ؛ فضلاً عن الاختلاف بالأغراض .
فما أفاده المحقّق الخراسانی : من أنّ المیز إنّما هو فی الجهة المبحوث عنها ؛ التی هی سرایة کلّ من الأمر والنهی إلی متعلّق الآخر وعدمها فی المقام ، وکون النهی ـ بعد تسلیم سرایته ـ هل یوجب الفساد أو لا فی غیر المقام .
لیس بصحیح ؛ لأنّ تمایز العلوم إنّما هو بذواتها ، وأنّ میز مسألة عن اُخری ـ وإن کانتا من مسائل علم واحد ـ إنّما هو بموضوعها ومحمولها معاً أو بأحدهما ، وإذا کانت القضیة متمیّزة عن اُخری بجوهرها فلا معنی للتمسّک بما هو خارج من مرتبة الذات .
فإن قلت : إنّ الجهات التعلیلیة فی الأحکام العقلیة راجعة إلی التقییدیة ، فالسرایة وعدمها من قیود الموضوع لبّاً ، فالمیز صار بنفس الموضوع أیضاً .
قلت : لکن القید بما هو قید متأخّر عن ذات المقیّد ، فیکون الاختلاف بالذات ممیّزاً قبلها .
أضف إلی ذلک : أنّ الجهة المبحوث عنها لیس هو کون التعدّد فی الواحد یوجب تعدّد المتعلّق أو لا ؟ أو أنّ النهی والأمر هل یسری کلّ منهما إلی متعلّق الآخر أو لا ؟ بل ما عرّفناک من جواز الاجتماع ولا جوازه ، ولذلک قلنا : إنّ النزاع کبروی لا صغروی .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 19 وعلیه لا حاجة إلی العدول عن العنوان المعروف إلی شیء آخر الذی هو من مبادئ إثبات المحمول للموضوع ، ویعدّ من البراهین لإثباته ؛ فإنّ جواز الاجتماع ولا جوازه یبتنی علی السرایة وعدمها ، وعلی أنّ تعدّد العنوان هل هو مجد أو لا ؟
وبالجملة : قد جعل قدس سره ما یعدّ من المبادئ والبراهین جهة البحث ومحطّ النزاع ، وهو خارج من دأب المناظرة . هذا کلّه لو أراد بالجهة المبحوث عنها محطّ البحث ومورد النزاع ، کما هو الظاهر .
وإن أراد علل ثبوت المحمول للموضوع ، أو الغرض والغایة للبحث فالأمر أوضح ؛ لأنّ اختلاف المسألتین لیس بهما قطعاً ؛ إذ کلّ قضیة متمیّز بصورته الذهنیة أو اللفظیة قبل أن یقام علیه البرهان ، بل الغالب صوغ المطالب فی قالب الألفاظ أوّلاً ؛ بحیث یتمیّز کلّ واحد قبل إقامة البرهان عن الآخر ، ثمّ یتفحّص عن براهینه ومدارکه ، کما أنّ الاختلاف فی الغایة فرع اشتمال کلّ واحد من الأمرین علی خصوصیة مفقودة فی الآخر ؛ حتّی یستند التغایر إلیها ، ومعه یسقط کون المیز بالأغراض .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 20