فی الاضطرار إلی بعض الأطراف المعیّن
منها : أ نّه لو کان الاضطرار إلی بعض الأطراف معیّناً قبل تعلّق التکلیف أو بعده وقبل العلم به ، فلا إشکال فی عدم وجوب الاجتناب عن الآخر ؛ سواء کان الاضطرار عقلیاً أو عادیاً :
أمّا علی مسلک المشهور : من أنّ الأعذار العقلیة أو الشرعیة یوجب سقوط الأحکام عن الفعلیة فواضح ؛ لأنّ العلم بتکلیف دائر أمره بین کونه إنشائیاً لو صادف مورد الاضطرار ، وفعلیاً لو کان فی الطرف الآخر لا یوجب علماً بالتکلیف الفعلی علی أیّ تقدیر ، فلا معنی للتنجیز .
وأمّا علی المختار فی باب الأعذار من بقاء الأحکام علی فعلیاتها ـ کان المکلّف عاجزاً أو قادراً ، مختاراً کان أو مضطرّاً ، من دون أن یکون الاضطرار موجباً لتحدید التکلیف وتقیید فعلیته ، غایة الأمر یکون المکلّف معذوراً فی ترک الواجب أو ارتکاب الحرام ، ولأجل ذلک قلنا بلزوم الاحتیاط عند الشکّ فی القدرة ، إلی أن یقف علی عذر مسلّم ـ فیمکن القول بلزوم الاجتناب عن الطرف الآخر ؛ لحصول العلم بالتکلیف الفعلی بعد الاضطرار ، والمفروض عدم ارتفاعه بحدوث الاضطرار .
فلو کان الخمر فی ذاک الطرف غیر المضطرّ إلیه لزم الاجتناب عنه قطعاً . فارتکاب عامّة الأطراف مخالفة عملیة بلا عذر للتکلیف علی فرض وجوده فی ذاک الطرف ، فیجب الاجتناب عنه مقدّمة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 217 وإن شئت نزّلت المقام بما لو علم العبد بالتکلیف الفعلی وشکّ فی قدرته ، وقد تقدّم أ نّه لیس معذوراً فی ذلک ، بل لابدّ من العلم بالعذر ، ولیس له الاکتفاء بالشکّ مع العلم بالتکلیف الفعلی .
ومثله المقام ؛ فإنّ العلم الإجمالی قد تعلّق بالتکلیف الفعلی ، والمکلّف شاکّ فی کونه مضطرّاً إلی الإتیان بمتعلّق التکلیف ، فیکون من قبیل الشکّ فی القدرة ، فیجب له الاحتیاط ، من غیر فرق فی ذلک بین العلم التفصیلی والإجمالی .
ولکن الإنصاف : وضوح الفرق بین المقامین ؛ فإنّ التکلیف هناک قطعی والشکّ فی وجود العذر ، وأمّا المقام فالتکلیف وإن کان محقّقاً إلاّ أنّ العذر مقطوع الوجود .
توضیحه : أنّ المکلّف بعدما وقف علی التکلیف الفعلی ـ أی غیر المقیّد بالقدرة ـ یجب له الاحتیاط وترک المساهلة حتّی یجیب أمر المولی بامتثال قطعی أو عذر کذلک . فلو أجاب أمر المولی بالشکّ فی القدرة فقد أجابه بما یشکّ کونه عذراً عند العقل والعقلاء . وهذا بخلاف المقام ؛ فإنّ العذر ـ وهو الاضطرار ـ حاصل فی المقام قطعاً .
وما أسمعناک من أنّ الاضطرار عذر فی الطرف المضطرّ إلیه دون الطرف الآخر ، وأنّ مرجع ذلک إلی الشکّ فی العذریة ؛ لأنّ التکلیف لو کان فی الطرف المضطرّ إلیه فهو عذر قطعاً ، ولو کان فی الطرف الآخر فهو غیر معذور قطعاً . فالشکّ فی أنّ الحرام فی أیّ الطرفین یلازم الشکّ فی وجود العذر فی ذلک الطرف .
مدفوع بما عرفت فی صدر المسألة من أنّ المیزان فی تنجیز العلم الإجمالی أن یتعلّق العلم بشیء لو تعلّق به العلم التفصیلی لتنجّز علیه التکلیف ، فلو تعلّق العلم الإجمالی علی أمر مردّد بین الإنشائی والفعلی فلا یکون منجّزاً .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 218 وأمّا المقام فمتعلّق العلم وإن کان حکماً فعلیاً إلاّ أنّ مجرّد کونه فعلیاً لا یثمر ، بل لابدّ أن یتعلّق بحکم فعلی صالح للاحتجاج مطلقاً عند العقلاء .
وهذا القید مفقود فی المقام ؛ حیث إنّه لم یتعلّق بما هو صالح له مطلقاً ؛ بحیث لو ارتفع الإجمال لتنجّز التکلیف ، بل هو صالح للاحتجاج علی وجه ، وغیر صالح علی وجه آخر . ومرجعه إلی عدم العلم بالصالح مطلقاً ، ومعه لا یوجب تنجیزاً أصلاً .
وإن شئت قلت : فرق واضح بین الشکّ فی القدرة أو الاضطرار مع العلم بالتکلیف ، وبین العلم بالعجز أو الاضطرار مع الشکّ فی انطباقه علی مورد التکلیف أو غیره ؛ فإنّ العلم بالعجز والاضطرار یکون عذراً وجدانیاً ، فلم یتعلّق علم العبد بتکلیف فعلی لا یکون معذوراً فیه ، ولکن الشکّ فی العجز لا یکون عذراً عند العقلاء مع فعلیة التکلیف ، وهذا هو الفارق بین البابین .
ومنها : إذا اضطرّ إلی المعیّن ؛ مقارناً لحصول التکلیف أو العلم به فلا تأثیر أیضاً ؛ لأنّ العلم الإجمالی المقارن للعذر لا یمکن أن یصیر حجّة .
وإن شئت قلت : بعد عدم العلم بتکلیف فعلی علی مبنی القوم ، وعدم العلم بتکلیف فعلی صالح للاحتجاج علی ما حقّقنا لا وجه للتنجیز .
ومنها : أ نّه لو حصل الاضطرار بعد العلم بالتکلیف ـ کما إذا اضطرّ إلی أحد الإنائین معیّناً بعد العلم بنجاسة أحدهما ـ فلا إشکال فی لـزوم الاجتناب . ولا یقاس بالصورة الاُولی ؛ حیث إنّ التکلیف الفعلی الصالح للاحتجاج لم یکن موجـوداً فیها من الأوّل ثمّ شکّ فی حصوله ، وأمّا المقام فقد تعلّق العلم بتکلیف صالح للاحتجاج قبل حـدوث الاضطرار ، والاجتناب عـن غیر مورد الاضطرار إنّما هو من آثار ذلک العلم .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 219 وبالجملة : هذا العلم کان علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعیة بالاجتناب من الطرفین ، فإذا حدث الاضطرار وارتفع حکم العقل فی واحد من الطرفین لأجله بقی حکمه بوجوب الموافقة الاحتمالیة ، فالحکم بلزوم الاجتناب عن الباقی إنّما هو من آثار ذلک العلم المتقدّم .
فالاضطرار إلی واحد من الطرفین کإراقته أو مخالفته فی ذاک الطرف بشربه وارتکابه ، کما لا یوجب هذان جواز ارتکاب الطرف الآخر فهکذا الاضطرار فی هذه الصورة .
وإن شئت قلت : إنّ الاضطـرار لا یکون عـذراً إلاّ بمقداره ، والاشتغال الیقینی یقتضی البراءة الیقینیة ، ومع عدم إمکانها یحکم العقل بلزوم الموافقة الاحتمالیة .
وأمّا ما أفاده المحقّق الخراسانی من أنّ الاضطرار من قیود التکلیف وحدوده ، فیرتفع عند الوصول إلی حدّه فیوافیک بیانه ونقده ، فانتظر .
وممّا ذکرنا یظهر حال الواجب المشروط لو تعلّق العلم به قبل تحقّق شرطه واضطرّ إلیه قبل حصوله ؛ فإنّه إن قلنا بأنّ الواجب المشروط قبل تحقّق شرطه لم یکن حکماً فعلیاً یکون حاله حال الاضطرار قبل العلم بالتکلیف ، وإن قلنا بأنّه تکلیف فعلی وأنّ الشرط قید للمادّة أو ظرف لتعلّق التکلیف یکون حاله حال الاضطرار بعد العلم .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 220