ذکر وتعقیب
قال المحقّق العراقی قدس سره ما محصّله: إنّ کلّیّة المبهمات من أسماء الإشارة، والضمائر والموصولات تشترک فی أمر، وتفترق فی اُمور:
فأمّا ما تشترک فیه: فهو أنـّها موضوعة لمعانٍ مبهمة تنطبق علی مصادیقها المفصّلة بما هی علیه من الخصوصیّات، لا علی نحو انطباق الطبیعی علی فرده؛ لأنّ انطباق الطبیعی علی الفرد باعتبار وجود حصّة منه فیه، وأمّا المبهمات فلتوغّلها فی الإبهام ـ من جمیع الجهات ذاتاً وعرضاً ـ لا معنی لتحصّصها بالحصّة، بل یکون صدقها علی الفرد نظیر صدق المعنی المتصوّر من الشبح المرئیّ من بعید علی المنطبق علیه؛ بما علیه من الخصوصیّات المشخّصة، ومن خصوصیّات کونها مبهمة استعدادها للانطباق والصدق علی کلّ ما یصلح لها من الموجودات الذهنیّة أو الخارجیّة الشخصیّة، فکما أنـّها تحتاج فی المحاورة ـ من حیث الإفادة والاستفادة ـ إلی ما یرفع
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 162 إبهامها، فکذلک المبهمات تحتاج إلی ذلک؛ لأنّ اسم الإشارة یحتاج إلی ذکر المشار إلیه، والموصول یحتاج إلی الصلة، وضمیر الغیبة إلی مرجع یرجع إلیه.
وأمّا الاُمور التی تفترق فیها فبیان کلٍّ منها فی بحث یختصّ به.
فما یرتبط باسم الإشارة: هو أنـّها موضوعة لمعنیً مبهم، قابل للانطباق والصدق علی مورده؛ بجمیع ما یشتمل علیه ذلک المورد من الخصوصیّات المفصّلة، ومعنی اسم الإشارة مبهم من جمیع الجهات، إلاّ من ناحیة الإشارة، وتکون الإشارة دخیلة فیه نحو دخالةٍ، لا نحو دخالة القید والتقیّد، أو التقیّد فقط، بل لکون معنی اسم الإشارة لا ینتزع ممّا استعمل فیه إلاّ حین اقترانه بالإشارة، فدَخْل الإشارة فی معنی الإشارة إنّما هو باعتبار تعیین ذلک المعنی المبهم بها، الموجب لکون الموضوع له حصّة من ذلک المعنی المبهم، ولذا یدلّ اسم الإشارة علی الإشارة؛ لأنّ مدلوله هی الحصّة المتعیّنة بالإشارة.
إلی أن قال: إنّ دلالة اسم الإشارة علی الإشارة إنّما هی بالالتزام، نحو دلالة لفظ العمی علی البصر، فکما أنّ البصر خارج عن معنی لفظ العمی قیداً وتقیّداً، فکذلک ما نحن فیه.
وهذا القول الذی اخترناه جامع بین التبادر والقواعد العربیّة؛ من دون ورود شیء من المحاذیر العقلیّة.
وفیه أوّلاً: أنـّه لو کان الموضوع له فی اسم الإشارة معنیً مبهماً ذاتاً وصفةً، فلایمکن أن یوجد له فی الخارج مصداق؛ لأنّ الموجود فی الخارج لابدّ وأن یکون متعیّناً ومتشخّصاً، فالفرد المبهم بما هو مبهم لا وجود له فی الخارج، وفرق بین الماهیّة المبهمة ذاتاً وصفةً، وبین ماهیّة الإنسان ـ مثلاً ـ المعلومة ذاتاً القابلة للصدق علی الخارج،
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 163 فإنّها ماهیّة لا بشرط، والماهیّة اللابشرط قابلة للصدق علی الموجود الخارجی، ومعنی کلیّة ماهیّة الإنسان أنـّها غیر رهینة بالکلّیّة والجزئیّة، ولأجل أنـّها کلی وجزئیّ کلی، کما قرّر فی محلّه.
وتوهّم: أنّ مُراده قدس سره بإبهام المشار إلیه هو کونه مبهماً عند المتکلّم، نظیر الشبح، وهو قابل للصدق فی الخارج.
مدفوع: بأنـّه خلاف صریح قوله: «المبهم ذاتاً وصفةً»، وواضح أنّ الشبح لیس کذلک؛ لأنـّه معلوم فی الواقع مبهم عند المتکلم.
وبالجملة: فرق بین اللاتعیّن الذاتی والصفتی، وبین العنوان اللابشرط، فالأوّل لا یمکن أن یتحقّق فی الخارج، بخلاف الثانی، فتدبّر.
وثانیاً: أنـّه لو لم تکن الإشارة دخیلة فی اسم الإشارة؛ لا علی نحو دخالة القید والتقیّد، ولا علی نحو التقیّد فقط، بل من باب الاتّفاق، فیکون وزان الإشارة وزان سائر المقارنات؛ من الزمان والمکان والوضع... إلی غیر ذلک، فما الدلیل والسبب فی حضور هذا المقارن دون سائر المقارنات، فلا تکون الإشارة دخیلة فی معنی اسم الإشارة قیداً وتقیّداً أو تقیّداً فقط.
وثالثاً: أنّ دلالة العمی علی البصر إنّما هی من أجل التعاند والتضاد بلحاظ الاُنس الذهنی بینهما، لا علی نحو التلازم، کما لا یخفی، وهل یکون بین الإشارة والمعنی المبهم دلالة کذلک؟! حاشا.
ثمّ إنّه إذا أحطت خُبراً بما ذکرنا ـ فی مقابل هذا المحقّق ـ یظهر لک الکلام فی مقال المحقّق الإصفهانی قدس سره، فإنّه قریب من مقال هذا المحقّق قدس سره؛ لأنـّه قال: إنّ أسماء الإشارة والضمائر موضوعة لنفس المعنی؛ عند تعلّق الإشارة به خارجاً أو ذهناً بنحو
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 164 من الأنحاء، فقولک: «هذا» لا یصدق علی زید ـ مثلاً ـ إلاّ إذا صار مشاراً إلیه بالید أو العین مثلاً ... إلی آخره.
فیتوجّه علیه ـ مضافاً إلی بعض ما ذکرناه علی مقال المحقّق العراقی قدس سره ـ : بأنّ لفظة «هذا» لو کانت موضوعة لنفس المعنی عند تعلّق الإشارة به خارجاً أو ذهناً، لزم أن لا یفهم منها معناها إذا قالها النائم أو الساهی، کما لا یخفی، وهو کما تری.
فتحصّل: أنّ الحق فی ألفاظ الإشارة وضمائر الغیبة أن یقال: أنـّها موضوعة لنفس الإشارة وإیقاع الإشارة نظیر إشارة الأخرس، غایة الأمر ألفاظ الإشارة وضعت للإشارة إلی الحاضر بمراتبه؛ من القریب أو المتوسط أو البعید، کـ «ذا وذاک»، وضمائر الغیبة وضعت للإشارة إلی الغائب بأقسامه؛ من المفرد والتثنیة والجمع، کـ «هو، وهما، وهم».
وأمّا کیفیّة وضعها: فأمّا بالنسبة إلی المعنی الملحوظ حال الوضع فقد ظهر لک أنـّه لا طریق لنا إلی إحرازه، وأمّا بالنسبة إلی کون الموضوع له خاصّاً أو عامّاً، فالظاهر أنـّه خاصّ حتّی فیما کان منها اسماً، کضمائر: «أنا»، و «أنت»، و «کاف» المخاطب؛ لأنـّها وإن کان معناها اسماً، لکنّها لم توضع لکلّیّ المخاطب أو المتکلّم، بل للمخاطب بهویّته الشخصیّة، وللمتکلّم بهویّته الشخصیّة، فتدبّر.
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 165