الجهة الخامسة فی أصالة النفسیة والعینیة والتعیینیة
لا إشکال ولا خلاف فی أنّه إذا ورد أمر مطلق ، وتردّد أمره بین کونه واجباً نفسیاً أو غیریاً ، أو بین کونه واجباً تعیینیاً أو تخییریاً ، أو بین کونه عینیاً أو کفائیاً ، یحمل علی النفسی التعیینی العینی . ولکن وقع الکلام فی وجه ذلک :
فذهب المحقّق الخراسانی قدس سره إلی أنّ ذلک بمقتضی إطلاق الصیغة ، بتقریب : أنّ المولیٰ بعدما کان فی مقام البیان ، ولم ینصب قرینة علی الغیریة ومماثلاتها التی تقیّد الوجوب وتضیّق دائرته فمقتضی الحکمة کونه واجباً ؛ سواء وجب هناک شیء آخر أم لا ، فیثبت کون الواجب نفسیاً ، وسواء أتیٰ بشیء آخر أم لا ، فیثبت کون الواجب تعیینیاً ، وسواء أتیٰ به آخر أم لا فیثبت کون الواجب عینیاً .
وفیه أوّلاً : أنّ الظاهر من کلامه قدس سره هو أنّ مراده بالإطلاق هو الإطلاق المبحوث عنه فی المطلق والمقیّد فی ناحیة متعلّق التکلیف أو موضوعه .
فکما یقال هناک فی إطلاق متعلّق التکلیف أو موضوعه : إنّ الآمر الملتفت المختار الکائن فی مقام البیان إذا أخذ أمراً غیر مقیّد بقید متعلّقاً لتکلیف ، أو موضوعاً لحکم فمقتضیٰ حکم العقل هو کون نفس الطبیعة من دون قید وشرط تمام المتعلّق للتکلیف ، أو تمام الموضوع للحکم .
فنقول فیما نحن فیه : إنّ مقتضیٰ جریان مقدّمات الحکمة ـ بعد قوله قدس سره بعدم الفرق بین معنی الحروف والأسماء ؛ فکما أنّ للأسماء جامعاً فکذلک للحروف ،
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 242 فالهیئة موضوعة لنفس البعث الجامع بین القیود والمصادیق ـ هو نفی القیود ، من دون فرق بین النفسیة والغیریة ، لا إثبات النفسیة ، کما لا یخفیٰ .
وبالجملة : لو کانت الهیئة موضوعة لنفس الطبیعة الجامعة بین النفسیة والغیریة ـ کما یقولون ـ وهی مقسم للأقسام ، ولابدّ وأن یکون ممتازاً عن قسمیه ـ وإلاّ لاتّحد المقسم مع قسمه ـ فلو شکّ فی انضمام قید بالطبیعة فالأصل ینفیه ؛ فلایستفاد من الإطلاق النفسیة أو الغیریة .
وثانیاً : أنّه یلزم علیٰ ما ذکره أن تکون الهیئة دالّة علی الجامع بین النفسیة والغیریة ، مع أنّا نقطع بعدم إرادة الجامع ، بل إمّا اُرید النفسیة أو الغیریة مثلاً .
وثالثاً : أنّه ـ کما ذکرنا فی محلّه ـ یمتنع وضع الهیئة للجامع ؛ لعدم معقولیة الجامع الحقیقی بین المعانی الحرفیة ، هذا .
وإن أراد قدس سره بذلک : أنّ کلاًّ من الغیریة وما یماثلها یوجب تضییق دائرة الوجوب ، بخلاف النفسیة ومماثلاتها . فلو اُطلق الأمر یحمل علیٰ ما لا یوجب التضییق .
ففیه : أنّ النفسیة ـ مثلاً ـ مقابلة للغیریة ، ولا یمکن أن یکون إحداهما مقیّدة دون الاُخریٰ ، وإلاّ لا یکون قسیماً له ؛ فیلزم تقسیم الشیء إلیٰ نفسه وغیره .
ثمّ إنّ قوله قدس سره فی الواجب النفسی ـ سواء وجب هناک شیء آخر أم لا ـ وکذا فیما یماثلها لم یکن تعریفاً للواجب النفسی ومماثلاتها ، بل الواجب النفسی ـ مثلاً ـ هو الواجب لذاته .
نعم ، لازم کونه واجباً لذاته : أنّه واجب سواء کان هناک واجب أم لا ، فعلیٰ هذا : یکون ما أفاده تعریفاً بلازمه لا نفسه ، فتدبّر .
وکذا الکلام فی الواجب التعیینی والعینی ؛ فإنّهما سنخان من الوجوب فی قبال الواجب التخییری والکفائی .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 243