توضیح للمقام ببیان مستوفی
ولزیادة توضیح أنّ المقام لیس من باب الوجوب التخییری ، ولا الوجوب المشروط ، ولا المجعول فی ظرف دون ظرف ، نأتی ببیان مستوفیٰ مترامی الأطراف ، وإن أمکن الاکتفاء بما تقدّم إجمالاً .
فنقول : إنّ الواجب التخییری هو الذی یسقط قطعاً بفعل أحد شقّی التردید أو أحد شقوق التردید ، وإلاّ یکون کلّ واحد منهما أو منها واجباً تعیینیاً .
فعلیٰ هذا : لو کان الأمر بالحجّ والاستنابة واجباً تخییریاً لزم سقوط التکلیف بالحجّ بمجرّد الاستنابة ، وإن لم یفعله النائب ؛ إذ أحد شقّی التخییر ـ حسب الفرض ـ
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 233 هو الفعل القائم بالمخاطب بالحجّ ـ وهو الاستنابة ـ وأمّا الفعل القائم بالنائب فخارج عن حریم التکلیف بالحجّ أصلاً ، ولا یصحّ الالتزام به ، هذا إجمال المقال .
وإلیک تفصیل المقال : وهو أنّ أحد شقّی التخییر بحسب التصوّر لا یخلو عن أحد اُمور :
1 ـ إمّا أن یکون هو مجرّد الاستنابة ؛ سواء تعقّبها فعل النائب أم لا .
2 ـ أو یکـون الاستنابـة المتعقّبة بفعل النائب نظیـر الإجازة فـی الفضـولی علـی احتمال .
3 ـ أو یکـون فعل النائب .
4 ـ أو یکـون الاستنابة المتقیّدة بفعل النائب .
5 ـ أو یکون الاستنابة المشروطة به .
وعلیٰ أیّ صورة منها یرد علیها ما لا یمکن الالتزام به :
أمّا علی الصورة الاُولی : فیلزم سقوط وجوب الحجّ بمجرّد الاستنابة ، وإن لم یأت النائب بالحجّ ، مع أنّ الاستنابة لتلک الغایة ؛ وذلک لحصول أحد شقّی التردید حسب الفرض .
کما أنّه علی الصورة الثانیة : یلزم السقوط بمجرّد الاستنابة إذا کان المعلوم عند الله أنّ النائب یعقّبها به ؛ وذلک لحصول وصف التعقّب فعلاً ، وإن کان المتعقّب فی المستقبل ، والالتزام به مشکل .
مع أنّه یلزم من بعد وجوده العدم ؛ إذ لو سقط بالاستنابة المطلقة أو المتعقّبة لم یبق فی عهدة الحجّ حتّیٰ یأتی به النائب عنه ؛ لأنّه بمجرّد الاستنابة والإیجاب علی النائب سقط الوجوب عن النائب ؛ لسقوط الحجّ الواجب عن المنوب عنه .
ولا یعقل أن یوجب الشیء شیئاً ، ویسقط شیئاً آخر یکون وجوده متوقّفاً علیٰ وجود هذا الساقط ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 234 وأمّا علی الصورة الثالثة : فلا یصحّ أیضاً ، لخروج فعل الغیر عن القدرة والاختیار ؛ إذ لا یعقل أن یجب علیٰ زید فعل عمرو .
وهکذا علی الصورة الرابعة والخامسة ؛ إذ کما أنّ فعل الغیر لیس داخلاً فی حریم القدرة فلا یعقل إیجابه مستقلاًّ ، کذلک لا یصلح قیداً ولا شرطاً للتکلیف المتوجّه إلی الشخص .
فتحصّل : أنّه لا یمکن جعل الاستنابة أحد شقّی التخییر ـ بأیّ معنیً کان التخییر ـ إذ لسنا الآن بصدد تحقیق معنی التخییر من کون الوجوب فیه مشروطاً بعدم فعل ذلک الآخر أو غیره .
هذا مجمل الکلام فی التخییر .
وأمّا الاشتراط ؛ بأن یکون الوجوب مشروطاً بعدم فعل الغیر ـ کما زعمه المحقّق النائینی قدس سره فی التبرّع ـ فلایعقل أیضاً ؛ إذ التبرّع فرع ثبوت الوجوب علی المتبرّع منه ، فلو کان ثبوته علیه مشروطاً بعدم التبرّع للزم الدور .
وهکذا الکلام فی مقال المحقّق العراقی قدس سره ؛ إذ لا تفاوت بین کون الوجوب فی ظرف عدم فعل الغیر ، أو مشروطاً بعدمه فیما هو المهمّ فی المقام ؛ لأنّ فعل الغیر ـ علی أیّ تقدیر ـ لإسقاط ما علی المخاطب بالحجّ مثلاً ، لا أنّه فعل مستقلّ بنفسه . فاتّضح : أنّه قدس سره لم یأت بما یفید ویجدی .
فتحصّل : أنّ العقل فی مثل جواز الاستنابة إن کان لها مورد إذا لاحظ کیفیة تشریع الشارع الحجّ ـ مثلاً ـ وعمله فی مقام الجعل لا یریٰ إلاّ حکماً واحداً ؛ وهو وجوب الحجّ متعلّقاً علی شخص خاصّ ـ وهو المستطیع ـ من دون أن یکون فیه تردّد بینه وبین غیره ـ کالاستنابة ـ أو اشتراط وتعلیق علیٰ عدم فعل الغیر ، أو فی ظرف عدم فعل الغیر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 235 فعلیٰ هذا : لا یکون الوجوب إلاّ تعیینیاً لا تخییریاً ، ومطلقاً لا مشروطاً ، ولا مظروفاً فی ظرف عدم فعل الغیر .
فأمّا حدیث جواز الاستنابة فإنّما هو ترخیص من الشارع فی کیفیة الامتثال وسقوط التکلیف .
وإنّما قلنا : إن کان لجواز الاستنابة مورد ؛ فلأنّا لم نجد مورداً فی الفقه یکون الأمر فی مقام الامتثال دائراً بین المباشرة والاستنابة بجعل الغیر ـ الذی هو النائب ـ بمنزلة نفسه فی عالم الاعتبار .
نعم ، فی الحـجّ وإن جُوّز الاستنابـة فیه إلاّ أنّه فـی حال العـذر ـ کالمـرض ـ لا مطلقاً .
وربّما یمثّل لذلک بسقوط قضاء المیّت عن الولی بفعل النائب ، کما یوجد فی کلمات بعض الأعاظم قدس سره .
ولکنّه غیر مطابق للممثّل المبحوث عنه ؛ إذ المبحوث عنه هو أنّه هل الواجب علی المخاطب بالأصالة وجوب مباشرته أو کفایة الاستنابة ؟ وأمّا قضاء المیّت فإنّما یجب علی الولی نیابةً عن المیّت .
فالأمر هناک دائر بین لزوم الاقتصار فی امتثال الأمر بالنیابة علی المباشرة ، وبین جواز الاستنابة أیضاً .
هذا تمام الکلام فیما هو مقتضی التشریع والجعل .
فظهر : أنّ المجعول فیما یجوز فیه الاستنابة أو التبرّع لیس إلاّ أمراً معیّناً لامخیّراً ، ووجوباً مطلقاً لا اشتراط فیه ؛ لعدم معقولیة شیء منهما .
هذا کلّه فی الجهة الاُولیٰ ؛ وهو مقتضی الأصل اللفظی فی توجّه الخطاب ؛ وهو لزوم مباشرة المخاطب فی امتثال الأمر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 236