الأمر الثانی : فی اختلاف الإرادة التشریعیة باختلاف المصالح
إنّ الأفعال الاختیاریة الصادرة من الإنسان ـ برمّتها ـ لابدّ وأن تکون مسبوقة بالتصوّر ، والتصدیق بالفائدة ، والتصمیم ، والإرادة ، وتحرّک العضلات والرباطات ، فإذا تحقّقت الجمیع یوجد الفعل خارجاً .
ولا فرق فی ذلک بین کون الفعل الصادر من الاُمور الخارجیة ـ أعنی الاُمور التکوینیة ـ أو من الاُمور التشریعیة ؛ فإنّ وضع القانون وصدور الأمر من الآمر فعل اختیاری له ؛ فلابدّ له ـ بما أنّه فعل اختیاری له ـ ما لغیره من سائر أفعاله الاختیاریة ، حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة .
فکما أنّه فی الأفعال الخارجیة والإرادات التکوینیة ـ علیٰ زعمهم ـ تکون شدّة الإرادة وضعفها تابعة لإدراک أهمّیة المراد والمصالح والأغراض فیه ، فکذلک فی الإرادة التشریعیة تختلف حسب إدراک المصالح والغایات التی تکون فی متعلّقها .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 139 وواضـح : أنّ إرادة التشریعیـة المحرّمة لقتل النفس المحترمـة وشرب الخمر أقـویٰ ـ مثلاً ـ مـن إرادة ترک النظر إلی الأجنبیـة ؛ لأقوائیـة المصالح والمفاسـد فیهما ، دون الأخیر .
ولیس لنا غالباً طریق إلی إدراک المصالح والمفاسد لو خلّینا وأنفسنا إلاّ ببیان الشارع الأقدس . فقد یستفاد الأهمّیة من اقتران البعث بالتأکیدات ، وتعقّبه بالوعد بنعیم الجنّة لو آتاه ، والوعید بلهیب النار لو ترکه . کما یستفاد ضعف الإرادة وفتورها من مقارنة البعث بالترخیص فی الترک ـ مثلاً ـ إلیٰ غیر ذلک .
ولعمر الحقّ : إنّ ما ذکرناه واضح لا سترة فیه .
فإن کان ـ مع ذلک ـ فی خواطرک ریب فلاحظ حال الموالی العرفیة مع عبیدهم ؛ فتریٰ ما ذکرنا بوضوح ، ویکون أصدق شاهدٍ علیٰ ذلک .
فإنّه یمکن استفادة أقوائیة إرادة المولیٰ إنقاذ ابنه العزیز عنده من الغرق والحرق من إرادته شراء الماء للتبرید من جهة أدائه ذلک بلحن شدید ، واقترانه بأنواع التأکیدات ، وتحریک أیادیه ورباطاته إلیٰ غیر ذلک ، ولم یکن شیء من ذلک فی شراء الماء للتبرید .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 140