الجهة الاُولی : فیما وضعت له هیئة الأمر
قد تقدّم : أنّ مفاد الهیئات علیٰ قسمین : فقسم منها حکائی ، والقسم الآخر إیجادی . وسبق الکلام فی هیئات الفعل الماضی والفعل المضارع والمشتقّات الاسمیة ، کما مضی الکلام فی النداء والقسم والتعجّب ونحوها ، وقد أشرنا : أنّ مفادها إیجادی ، وقد أوعدناک التکلّم فی هیئة الأمر ؛ فنقول :
لا یبعد أن یکون الوضع والموضوع فیها خاصّین .
وإن کنت فی شکٍّ فی ذلک فلا أقلّ من کون الموضوع له خاصّاً ؛ وذلک لأنّ المتبادر مـن هیئة الأمر کـ ـ اضرب مثلاً ـ هـو المتبادر مـن إشارة الأخـرس حیث یشیر إلـی المخاطب ویُغریه نحـو مطلوبـه . بل مثل إغـراء الکلاب المعلَّمة والطیـور الجارحـة إلی المقصـود بالألفاظ والأصـوات والحـرکات المناسبـة الموجبـة لتشجیعها وتحریکها نحو المطلوب .
ولا فرق بین هیئة الأمر وإشارة الأخرس وتلک الألفاظ والأصوات فی تحصیل البعث والإغراء بها .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 123 غایة الأمر : یکون الإغراء والبعث بالهیئة وضعیاً ، بخلاف إشارة الأخرس وتلک الاُمور ؛ فإنّها لیست بالوضع .
فکما لا دلالة لإشارة الأخرس ـ مثلاً ـ للطلب ولا للإرادة أو الشوق ونحوها ، فکذلک لا دلالة لهیئة الأمر علیٰ ذلک الاُمور ، بل هی من المقدّمات ؛ فإنّ من یبعث ویُغری نحو مطلوبه فیتصوّره أوّلاً ، ثمّ یصدّق بفائدته ؛ فیشتاقه ، ثمّ یریده ، ثمّ یبعث المکلّف ویغریه نحوه .
فکما قلنا : إنّ الحروف علیٰ قسمین : حکائی وإیجادی ، فکذلک تکون الهیئات علیٰ قسمین : فقسم منها حکائی ، کهیئتی الماضی والمضارع ؛ فإنّ الاُولی تحکی عن سبق تحقّق الحدث خارجاً ، والثانیة تحکی عن لحوقه کذلک . وقسم آخر منها إیجادی ، کهیئة الأمر ؛ فإنّه بنفس هیئة «اضرب» مثلاً یبعث ویغری المخاطب نحو مطلوبه اعتباراً .
والقول : بعدم إمکان إیجاد اللفظ معنیً ، بزعم أنّ عند استعمال لفظ فی معنیً لابدّ وأن یکون هناک معنیً متحقّق ؛ لیستعمل اللفظ فیه .
مدفوع بما ذکرنا مکرّراً ؛ منشؤه قولهم : «استعمال اللفظ فی المعنی» ؛ فتوهّم أنّه لابدّ وأن یکون هناک معنیً لیستعمل اللفظ فیه ؛ قضاءً لحقّ الظرفیة . وهذا فاسد ، بل یوجد المعنیٰ بنفس اللفظ ، کما قلنا نظیره فی «یاء» النداء و«کاف» الخطاب ؛ فإنّه یوجد بهما النداء والخطاب .
فظهر ممّا ذکرنا : أنّ مفاد هیئة الأمر لم یکن طلباً ولا إرادة ولا شوقاً ولاتصدیقاً بالفائدة إلیٰ غیر ذلک ، وإنّما هی من مقدّماته ومن ملازماته ، وإنّما مفادها البعث والإغراء الاعتباری .
ولیعلم : أنّ ما یحصل بهیئة الأمر هو البعث والإغراء بالحمل الشائع لامفهومهما ؛ لأنّ البعث والإغراء الکلّیین لا باعثیة لهما ، کما لا یخفیٰ ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 124 فتحصّل : أنّ المتبادر من هیئة الأمر کونها موضوعة بالوضع العامّ أو الخاصّ والموضوع له الخاصّ للبعث والإغراء الشخصی . والقول بأنّ الموضوع له فیها هو الإغراء الکلّی ، وأنّ الاستعمال فی جمیع الموارد مجازی خلاف التبادر ، فتدبّر واغتنم .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 125