کلمة نفیسة : فی مفاد قضیة «شریک الباری ممتنع»
وحیث انجرّ الکلام إلیٰ هنا لا بأس بصرف عنان البحث إلی تنقیح مسألة اُخریٰ ؛ لمناسبة اقتضت فی البین ؛ وهی أنّه اُشکل علیٰ بعض أرباب المعقول : بأنّ الحمل فی قولنا : «شریک الباری ممتنع» مثل قولنا : «الله تعالی موجود» حمل شائع ، ولابدّ فی الحمل الشائع من الاتّحاد الوجودی بین الموضوع والمحمول ، والاتّحاد یتوقّف علی وجود الموضوع والمحمول خارجاً ، والمفروض عدم تحقّق الموضوع هنا .
فیلزم فی قضیة «شریک الباری ممتنع» أحد أمرین : إمّا انقلاب القضیة الممتنعة إلی الممکنة ، أو کون القضیة کاذبة ، ودون إثباتهما خرط القتاد .
فأجاب أصحاب الفنّ : بأنّ القضایا علیٰ قسمین : بتّیة ، وغیر بتّیة :
والقضایا البتّیة : هی التی لها واقعیة تحکی عنها ؛ إمّا خارجیة ، کقولک : «زید موجود» ؛ فإنّه قضیة تحکی عن اتّحاد الوجود مع زید خارجاً . أو ذهنیة ، کقولک : «الإنسان نوع» ؛ فإنّه حیث لم یکن للنوع خارجیة فظرف اتّحادها مع الإنسان إنّما هو فی الذهن ، فتحکی هذه القضیة عن أمر له نفس أمریة .
وأمّا القضایا غیر البتّیة : فهی التی لا تکون لها مطابق ؛لا فی الخارج ، ولا فی الذهن.
ومعنیٰ عـدم البتّیة : هـو أنّ النفس بواسطـة القـدرة التی فُوّضت إلیها یمکنه فـرض شـیء لـم یکن موجـوداً ، ویخبر عـن ذات باطلـة .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 70 وقضیة «شریک الباری ممتنع» من هذا القسم ؛ لأنّه لا یمکن أن یقال : إنّ الامتناع بلحاظ مفهوم «شریک الباری» ؛ لقضاء البداهة بوجوده فی الذهن ، ولا یکون للموضوع وجود فی الخارج ؛ فالإخبار فیها إنّما هو بفرض النفس فرداً لشریک الباری فی الذهن ، ثمّ یحکم علیه بالامتناع خارجاً .
وبالجملة : فی القضایا غیر البتّیة لا تحتاج إلی وجود الموضوع ؛ لا فی الخارج ولا فی الذهن ، بل للنفس اختراع الموضوع .
أقول : ولا یخفیٰ أنّ هذا الجواب غیر وجیه ؛ لأنّ هذه القضیة إخبار عن امتناع تحقّق شریک الباری فی متن الواقع .
وغایة ما تقتضیه القضیة غیر البتّیة : هی أنّ ما فرضته شریکاً للباری تعالیٰ باطل وممتنع ، والبرهان المقتضی لامتناع شریک الباری هو لغیر شریک الباری المفروض ؛ لأنّ المفروض منه غیر ممتنع ، فتدبّر .
والذی یمکن الجواب به عن الإشکال : هو أنّ القضایا قد تکون موجبةً صورةً ، ولکنّها فی حکم السالبة لبّاً ، وذلک مثل القضیة المذکورة ؛ فإنّ معنی الامتناع هو أنّه لیس بموجود البتّة .
فکما لا نحتاج فی القضیة السالبة إلیٰ وجود الموضوع ، ویصحّ أن یقال : إنّ شریک الباری لیس بموجود ، وتکون القضیة صادقة ؛ لأنّ صدق القضیة هو مطابقتها للواقع ، لا لما فرض أنّه واقع ، ومعلوم : أنّ فی الواقع ونفس الأمر لا یکون الشریک للباری تعالیٰ موجوداً ، وإلاّ ـ والعیاذ بالله ـ لو کان موجوداً یکون قولک : «شریک الباری لیس بموجود» قضیة کاذبة .
فکـذلک الکـلام فـی القضایا التی تکـون موجبـة صـورةً ، وسالبة لبّاً ، کقولنا : «شریک الباری ممتنـع» ؛ لما أشـرنا : أنّ معناه لیس بموجـود البتّة ، فافهم واغتنم .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 71