عدم دخول العناوین المنتزعة عن مقام الذات فی محلّ البحث
وکیف کان : فهل جمیع هذه العناوین داخلة فی محلّ النزاع أو بعضها ؟ وعلی الثانی أیّ البعض منها محلّ النزاع ؟
قالوا : إنّ العناوین غیر الاشتقاقیة المنتزعة عن مقام الذات والذاتیات الصادقة علی الذوات بذاتها لا بلحاظ أمر ـ کعنوان الإنسان أو الماء أو النار أو الحجر إلیٰ غیر ذلک ـ خارجة عن حریم النزاع ، وهو کذلک .
والکلام فی وجه خروجها :
یظهر من المحقّق النائینی قدس سره : أنّ وجه خروجها لأمر عقلی ؛ حیث قال : إنّ إنسانیة الإنسان ـ مثلاً ـ لیست بالتراب ، بل إنّما تکون بالصورة النوعیة التی بها یمتاز
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 30 الإنسان عن غیره ، بل التراب لم یکن إنساناً فی حال من الأحوال ؛ حتّی فی حال تولّد الإنسان منه ، فضلاً عن حال عدم التولّد ؛ فلا یمکن أن یقال الإنسان لما انقضیٰ عنه .
وبالجملة : حال کون الإنسان إنساناً لم یکن إنسانیته بالتراب ـ الذی هو أحد عناصره ـ بل إنسانیته إنّما هی بالصورة النوعیة . فإذا لم یکن التراب حال کونه عنصر الإنسان ممّا یصحّ إطلاق اسم الإنسان علیه فکیف یصحّ إطلاق اسم الإنسان علیه فی غیر ذلک الحال ؟ !
وظاهر کلامه قدس سرهیعطی بعدم صدق العناوین الذاتیة علیٰ ما انقضیٰ عنه ؛ لا حقیقة ولا مجازاً ، بخلاف العناوین الاشتقاقیة العرضیة کالضارب ؛ فیمکن صدقه علیه بلحاظ ما انقضیٰ عنه ؛ لأنّ المتّصف به هو الذات ، وهو باقٍ بعد انتفاء وصفه .
وبالجملة : یظهر من کلامه ـ حیث تشبّث بالصور النوعیة ـ کون النزاع عنده فی العناوین الذاتیة إلی أمر عقلی ؛ بداهة أنّه لو کان النزاع عنده فی أمر لغوی فیمکن أن یقال بوضعها للأعمّ ، کما صحّ أن یقال بوضعها لخصوص المتلبّس بالعنوان ؛ لأنّ عنان الوضع بید الواضع سعةً وضیقاً ؛ لعدم دوران التسمیة مدار الهویة .
مثلاً کما یصحّ أن یقال : إنّ اسم «الکلب» موضوع لخصوص ما یکون واجداً لصورة الکلبیة فعلاً ، فکذلک یصحّ أن یقال : إنّه موضوع للأعمّ منه وما استحال منه إلیه وصار ملحاً .
وکیف کان : الحقّ ـ کما أشرنا إلیه آنفاً ـ أنّ النزاع فی أمر لغوی ، ولا وجه للتمسّک بذیل المطالب العقلیة فی تحکیم المعانی اللغویة ؛ بأنّ شیئیة الشیء بصورتها النوعیة ، وأنّ فعلیة الشیء بصورته لا بمادّته .
والدلیل القویم لإخراج العناوین الذاتیة عن محلّ البحث هو التبادر ، وهو أصدق شاهدٍ بخروج تلک العناوین عن محلّ البحث .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 31 أضف إلیٰ ذلک : أنّ انقضاء المبدأ لا یوجب مطلقاً زوال الصورة النوعیة ـ ولو عرفاً ـ کما فی تبدّل الخمر خلاًّ ؛ فإنّهما لیسا حقیقتین مختلفتین بالجنس والفصل ، بل هما متّحدان فی الذاتیات متفارقان فی الأوصاف عرفاً . ومثلهما الماء والثلج ؛ فإنّهما أیضاً لیسا حقیقتین متباینتین ، بل الاختلاف بینهما من ناحیة الوصف ؛ وهو اتّصال أجزائهما وعدمه .
فظهر ممّا ذکرنا : أنّ العناوین المأخوذة من ذات الشیء وذاتیاته خارجة عن محلّ البحث . ووجهه التبادر ، لا التشبّثات العقلیة .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 32