فی إمکان رجوع الاستثناء إلی الجمیع ثبوتاً
وقد یذکر فی المقام إشکال ثبوتی : وهو عدم إمکان الرجوع إلی الجمیع فیما إذا کانت آلة الاستثناء حرفاً ؛ فإنّ التحقیق أنّ الموضوع فی الحروف خاصّ ، کالوضع ، فلابدّ وأن تستعمل لفظة «إلاّ»فی إخراج خاصّ ؛ أی ما یکون إخراجاً بالحمل الشائع ، فإن استعملت فی إخراجات متعدّدة ، یلزم استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد ، وقد حقّق فی محلّه عدم جواز ذلک ؛ لأنّ اللفظ فانٍ فی المعنی ووجهه وعنوان له ، ولا یجوز عقلاً أن یکون شیء واحد فانیاً فی أکثر من معنی واحد . بل محذور استعمال الحروف فی الأکثر أشدّ من غیرها ؛ لأنّها تکون آلات لملاحظة الغیر ، فیلزم أن یکون شیء واحد فانیاً فی شیئین أو أکثر . هذا بالنسبة إلی آلة الاستثناء .
وقد یورد هذا المحذور فی المستثنی أیضاً ؛ وذلک فیما إذا کان المستثنی لفظاً مشترکاً ، کلفظ «زید» إذا کان مشترکاً بین عدّة أشخاص ، ویکون فی کلّ جملة شخص مسمّی بزید ، فإخراج کلّ منهم بلفظ واحد ، مستلزم لاستعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد .
فظهر : أنّ الرجوع إلی الجمیع ، یستلزم استعمال آلة الاستثناء أو المستثنی أحیاناً فی أکثر من معنی واحد ، وقد حقّق فی محلّه عدم الجواز ، فإذا لم یمکن الرجوع إلی الجمیع وامتنع ، فالقدر المتیقّن الرجوع إلی الجملة الأخیرة .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 484 ولا یخفی : أنّ الإشکال غیر وارد ؛ لما أشرنا فی محلّه من جواز استعمال اللفظ الواحد فی أکثر من معنی واحد ، بل ربما یکون مستحسناً ، وأنّ حدیث فناء اللفظ فی المعنی وکونه وجهاً وعنواناً له ، أشبه بالخطابة ؛ بلافرق فی ذلک بین الحروف والأسماء ، والسرّ فی ذلک أنّ الاستعمال عبارة عن طلب عمل اللفظ فی المعنی ، وجعل اللفظ علامة وأمارة علیه ، فکما یصحّ أن یکون شیء واحد أمارة وعلامة علی أشیاء متعدّدة ، فکذلک یصحّ أن تکون لفظة واحدة أمارة وإشارة إلی معانٍ متعدّدة .
ولو سلّم عدم جواز استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد ، فنمنع کون المقام من ذلک ؛ لأنّه إذا کان المستثنی عنواناً منطبقاً علی الجمیع کعنوان «الفاسق» فواضح أنّه لم یستعمل فی الأکثر ، ولفظة «إلاّ» مثلاً مخرجة لهذا المعنی الواحد القابل للانطباق علی الجمیع ، فکما أنّ نداء جماعة بلفظة «یا» لا یوجب أن یکون هناک خطابات وإشارات ، فکذلک فی المقام لا یوجب إخراجات .
وبالجملة : کما أنّ الإشارة إلی جماعة لا توجب تعدّداً فی الإشارة ، بل غایة ما هناک التعدّد فی المشار إلیه ، فکذلک إخراج عنوان منطبق علی الجمیع لا یوجب أن یکون هناک إخراجات ، وکذا إذا کان المستثنی فرداً مشترکاً ؛ لأنّه یأوّل بالمسمّی ، فیکون واحداً ، ولفظة «إلاّ» تخرج هذا المعنی ، فتکون لفظة «زید» المشترکة نظیر «زیدون» فکما أنّ فی قولنا «إلاّ زیدین» لم تستعمل لفظة «إلاّ» فی الأکثر ، فکذلک فیما إذا کان المستثنی مسمّی بزید .
وإن أبیت عمّا ذکرناه فالإشکال مختصّ بما إذا کانت آلة الاستثناء حرفاً ، وأمّا إذا کانت اسماً فلا محذور حینئذٍ .
فتحصّل ممّا ذکرنا عدم تمامیة الإشکال وإمکان إرجاع الاستثناء إلی الجمیع ، وأنّه لامحذور فی البین .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 485