التحقیق فی جواب الإشکال الأوّل
والذی یقتضیه النظر : هو أن یجاب عن الإشکال الأوّل بکون الحکم فیها علی نهج القضیة الحقیقیة ، وذلک لأنّ الموضوع فی قوله تعالی :«وَلله ِِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَیْهِ سَبِیلاً» هو الناس ، ولم یؤخذ وجود الموضوع فی الحال شرطاً ، ولاعدمه کذلک مانعاً عن تعلّق الحکم ؛ بداهة أنّ عنوان «الناس» کما یصدق علی الموجودین فی زمان نزول الآیة المبارکة ، فکذلک یصدق علی الموجودین قبله ، وأمّا من لم یوجد فی ذاک الزمان ، فحیث إنّه لم یکن شیئاً ، لا یصدق علیه عنوان «الناس» ولکن لا یلزم من ذلک عدم صدقه علیهم متی وجدوا ، فمتی تحقّق وجود المستطیع خارجاً ، یجب علیه الحجّ بلاتفاوت بین الأزمنة بعضها مع بعض ، والأمکنة کذلک .
وإن شئت مزید توضیح فنقول : إنّ الحکم فی القضیة الخبریة : «کلّ نار حارّة»
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 452 علّق علی کلّ فرد من أفراد النار ؛ موجودة کانت ، أو ستوجد فیما بعد ، ولا یلزم من ذلک تعلّق الحکم بالمعدومات ؛ لأنّ صدق ماهیة النار وانطباق تلک الماهیة علی أفرادها ، یتوقّف علی وجودها خارجاً ، لا أقول : إنّه مقیّد بوجودها الخارجی ، بل حیث إنّ الإخبار، عن أفراد النار ، وما لم تکن موجودة لیست ناراً ، فلا یصحّ الإخبار عنها ، ولکن مع ذلک لا یلزم اختصاص الحکم بالنیران الموجودة حال الإخبار ، بل یعمّها وما ستوجد بعد .
وبالجملة : المعدوم حیث إنّه لاشیء محض ، لا یصدق علیه عنوان من العناوین ، بل یتوقّف صدق العنوان علیه ـ صدقاً واقعیاً ـ علی وجوده الخارجی ، فحیث إنّه لم یکن العنوان مقیّداً ومشروطاً بوقت ، فمقتضی الإخبار عنه أنّه کلّما کان فرد حقیقی ومصداق شائع للنار ـ سواء کان موجوداً فی الحال ، أو سیوجد فی الاستقبال ـ فهو حارّ . هذا حال القضیة الخبریّة .
ثمّ إنّ الأحکام المجعولة المتعلّقة بالعناوین ، تکون شبیهة بالقضایا الحقیقیة ؛ سواء تعلّق الحکم بکلّ فرد من أفراد العنوان ، کما فی القضیة المحصورة ، أو علی العنوان القابل للانطباق علی الأفراد ، کما فی غیرها ، کقوله تعالی :«أحَلَّ الله الْبَیْعَ» وواضح أنّ کلّ ما یصدق علیه «البیع» یکون حلالاً ، فما لم یوجد حیث إنّه لم یکن شیئاً فلا یصدق علیه عنوان «البیع» ولکنّه مع هذا لا یکون مخصوصاً بالبیوع الموجودة حال نزول الآیة الشریفة ، بل یعمّها ومایتحقّق ویوجد فی المستقبل .
ولعمر الحقّ ، إنّه لم ینقدح فی ذهن صحابی ولا فی خاطره ـ بل ولا غیره ـ أنّ الآیة الشریفة مختصّة بالبیوع المتحقّقة والموجودة وقتذاک ، بل فهموا منها أنّها وظیفة مجعولة عند تحقّق عنوان «البیع» وجد أو سیوجد .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 453 فتحصّل : أنّ جعل الحکم علی هذا ، لا یستلزم توجّه التکلیف إلی المعدوم ، بل غایة ما هناک جعل الحکم علی العنوان الذی لا ینطبق إلاّ علی الموجود خارجاً ، فالإشکال الأوّل ساقط .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 454