المبحث الثالث حول جواز التمسّک بالعامّ أو المطلق أو الظاهر أو
إجراء الأصل قبل الفحص عن المخصّص أو المقیّد أو المعارض أو الأدلّة
اختلفوا فی جواز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص ؛ وإن حکی نفی الخلاف ـ بل الإجماع ـ علی عدم الجواز . وربما یذکر بعنوان المقدّمة وتحریر محطّ البحث ، اُمور لا بأس بالإشارة إلیها :
منها : ما أفاده المحقّق الخراسانی قدس سره : من أنّ محطّ البحث فی حجّیة أصالة العموم مطلقاً أو بعد الفحص عن المخصّص والیأس عن الظفر به ؛ فیما إذا کان اعتبار أصالة العموم من باب الظنّ النوعی ، لا الشخصی .
وهو کذلک ؛ ضرورة أنّ الشخصی منه تابع لحصوله ، ولادخل للفحص وعدمه فیه ، فکلّ مورد حصل فیه الظنّ الشخصی یکون حجّة ؛ سواء کان قبل الفحص أم بعده ، وأمّا النوعی منه فلا ، کما لا یخفی .
ومنها : ما أفاده قدس سره أیضاً : من أنّ محطّ البحث فیما إذا کان اعتبار أصالة العموم والظواهر ؛ للمشافهین وغیرهم .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 432 وهو أیضاً متین ؛ لأنّه لو کانت حجّیتها مختصّة بالمشافهین ، لما کان الفحص نافعاً لغیر المشافهین وإن حصل الظنّ الشخصی بعد الفحص .
ومنها : ـ ما أفاده أیضاً ـ أنّه اعتبر عدم وجود العلم الإجمالی بالتخصیص فی البین ؛ ضرورة أنّه لو علم بورود مخصّصات فی البین ، لما کان وجه لإنکار لزوم الفحص قبل الانحلال .
وهذا أیضاً متین ، کما سیمرّ بک . ولکنّ الظاهر منهم ـ بلحاظ استدلالهم للزوم الفحص بالعلم الإجمالی ـ أعمّیة البحث بالنسبة إلی فرضی العلم الإجمالی وعدمه .
ومنها : قوله قدس سره : إنّ محطّ البحث فی لزوم الفحص عن المخصّص إنّما هو عن المخصّص المنفصل ، وأمّا عن المتّصل فخارج عن محطّ البحث ، ولا یلزم الفحص عنه بلاخلاف ؛ لأنّ احتمال وجود المخصّص المتّصل وعدم وصوله إلینا ، إمّا لاحتمال إسقاط الراوی ذلک عمداً ، وهو منافٍ لوثاقته وأمانته ، أو لسقوطه عنه خطأً أو نسیاناً ، وهو خلاف الأصل العقلائی .
وبالجملة : محطّ البحث فی المخصّصات المنفصلة دون المتصلة ؛ لأنّ احتمال عدم وصول القید المتصل ، إمّا لاسقاط الراوی عمداً ، أو خطأً ، أو نسیاناً ، وکلّ منها غیر معتنی به عند العقلاء ؛ لأنّ الأوّل مخالف لفرض وثاقته وأمانته ، والأخیران مخالفان للأصل العقلائی .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 433 ومنها : ما یظهر منه وصدّقه علیه المحقّق النائینی قدس سره و هو أنّه فرق بین الفحص المبحوث عنه هنا ، وبین الفحص المبحوث عنه فی الاُصول العملیة ، فإنّه فی المقام عمّا یزاحم الحجّیة ، بخلافه هناک ، فإنّه من متمّمات الحجّة ؛ ضرورة أنّ حکم العقل بالبراءة العقلیة مثلاً ، تعلّق علی موضوع عدم البیان من الشارع علی النحو المتعارف ، وقبل الفحص عن البیان فی الکتب والجوامع التی بأیدینا ، لا یتحقّق موضوع قاعدة القبح بلابیان ، فلابدّ فیه من الفحص حتّی یتحقّق موضوع القاعدة .
ولکن الحقّ : ـ کما سیظهر لک عند ذکر لزوم الفحص ـ أنّ الفحص فی کلا المقامین من متمّمات الحجّة ، لاعن مزاحماتها ، فارتقب حتّی حین .
ومنها : أنّ لزوم الفحص لا یختصّ بجواز العمل بالعامّ ، بل یجری فی المطلق أیضاً ؛ فإنّه لا یجوز العمل به قبل الفحص عن المقیّد ، بل وفی الظاهر قبل الفحص عن معارضه ، وفی الاُصول العقلیة ـ بل غیر العقلیة ـ قبل الفحص عن الأدلّة الاجتهادیة ؛ لأنّ ملاک الفحص فی الجمیع واحد ، کما سیظهر لک إن شاء الله .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 434