مستند عدم جواز التمسّک بالأصل لتنقیح موضوع العامّ وتزییفه
وکیفما کان : احتجّ المحقّق العراقی قدس سره لعدم جریان الأصل فی إحراز الموضوع : «بأنّ جریان الأصل السلبی وإجراء حکم العامّ ، إنّما یتمّ بناءً علی توهّم إجراء التقیید علی التخصیص ؛ وأنّ المخصّص یقلب العامّ عن تمام الموضوعیة إلی جزئها ، وإلاّ فبناءً علی المختار ـ من أنّ باب التخصیص غیر مرتبط بباب التقیید ، وإنّما یکون شأن المخصّص ، إخراج الفرد الخاصّ مع بقاء العامّ علی تمامیة موضوعه بالإضافة إلی البقیة ؛ بلا انقلاب فی العامّ ، نظیر صورة موت الفرد ـ فلا یبقی مجال لجریان الأصل المذکور ؛ إذ الأصل السلبی لیس شأنه إلاّ نفی حکم الخاصّ عنه ، لا إثبات حکم العامّ ؛ لأنّ هذا الفرد حینئذٍ مورد العلم الإجمالی بکونه محکوماً بحکم الخاصّ ، أو
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 397 محکوماً ـ بلا تغیّر عنوان ـ بحکم العامّ ، ونفی أحد الحکمین بالأصل لا یثبت الآخر ، کما هو ظاهر .
نعم ، فی مثل الشکّ فی مخالفة الشرط أو الصلح للکتاب ، أمکن دعوی : أنّه من الشبهة المصداقیة الناشئة عن الجهل بالمخالفة ، الذی کان أمر رفعه بید المولی ، وفی مثله لا بأس بالتمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة ؛ من دون احتیاج فی مثله إلی الأصل ، ولعلّ بناء المشهور فی تمسّکهم بالعامّ فی الشبهة المصداقیة ، مختصّ بأمثال المورد» .
ولا یخفی : أنّ هـذا المحقّق مفصّـل فی الحقیقـة فی مسألـة جـواز التمسّـک بالعـامّ فی الشبهة المصداقیة ، وأمّا من حیث جریان الأصل الذی هو محطّ البحث ، فقد منعه مطلقاً .
ویرد علیه أوّلاً : أنّه إن أراد بالفرق الذی ذکره بین التخصیص والتقیید ، أنّ التقیید یعنون موضوع المطلق زائداً علی ما کان علیه قبل عروض القید ـ دون التخصیص ؛ لأنّ التخصیص لا یفید عنواناً زائداً بحسب الظهور الاستعمالی علی ما اُخذ موضوعاً فی موضوع دلیل العامّ ـ فهو حقّ لا سترة علیه ، بل هو الفرق بین التخصیص والتقیید ، کما أشرنا ، ولکن لا یوجب ذلک عدم جریان الأصل ، کما لا یخفی .
وإن أراد أنّ التخصیص کما لا یوجب تغیّر العنوان ظاهراً لا یوجبه واقعاً أیضاً ، وأنّ موضوع حکم العامّ بعد التخصیص جدّاً وواقعاً هو الذی کان قبله ، فهو غیر سدید ؛ لما أشرنا إلیه غیر مرّة من أنّ الموضوع جدّاً فی المثل المعروف بعد التخصیص هو «کلّ عالم غیر فاسق» أو «کلّ عالم عادل» لا العالم فقط .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 398 وبالجملة : ربما یجعل حکم قانونی ـ لمصالح ـ علی عنوان عامّ ، نحو «أکرم کلّ عالم» وبعد التخصیص یستکشف أنّ الموضوع لبّاً وواقعاً ، هو المعنون بغیر عنوان الخاصّ ، فلم یبقَ موضوع العامّ واقعاً وفی نفس الأمر علی ما هو علیه بعد التخصیص ، فهنا حکمان وموضوعان ؛ فموضوع الدلیل الاجتهادی لبّاً العالم غیر الفاسق ، فکما یجوز إحراز کلا جزأیه بالوجدان ، فکذلک یجوز إحراز أحد جزأیه بالوجدان ، والثانی بالأصل ، کما فی المقام ، حیث إنّه فی زید العالم المشکوک فسقه ، یکون أحد الجزءین محرزاً بالوجدان ، وأمّا الجزء الآخر فحیث إنّه متیقّن عدمه ، فیستصحب عدمه .
فتحصّل : أنّه بعد التخصیص وإن لم ینقلب الموضوع الظاهری فی العامّ عن موضوعیته ، ولکن لا یضرّ ذلک بإجراء الأصل بعد کون الموضوع ـ لبّاً وفی نفس الأمر ـ العالم غیر الفاسق .
وثانیاً : أنّ تنظیر التخصیص بموت الفرد ، غیر وجیه ؛ لأنّ الدلیل غیر متعرّض لحال الأفراد الخارجیة ، ولم تکن الحوادث الخارجیة مورداً للقانون ، فموت الأفراد وسائر الأعذار الخارجیة ، لا یوجب تغییراً فی الموضوع ؛ لا ظاهراً ، ولا واقعاً ، بخلاف إخراج بعض الأفراد ، فهو یوجب تغییراً فی الموضوع واقعاً ، کما لا یخفی .
وثالثاً : أنّ التفصیل الذی أفاده فی جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة ، غیر وجیه ؛ لأنّ الشکّ ـ حسب الفرض ـ یکون راجعاً إلی الشبهة المصداقیة ، ومعلوم أنّ رفعها لیس بید المولی ؛ لأنّ منشأ الاشتباه الاُمور الخارجیة ، فإذن حتّی لو کان رفع الشبهة بید المولی ، ولکن حیث إنّ الموضوع لبّاً لم یکن مرسلاً بل مقیّداً ، یکون الفرد المشتبه شبهة مصداقیة لما یکون موضوعاً جدّاً وحقیقة للحکم .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 399 ورابعاً : أنّ الأمثلة التی ذکرها لا یکون رفع الشبهة فیها بید المولی ؛ لأنّ المراد بالکتاب الکتاب الموجود خارجاً بین یدی المسلمین ، وفیه عمومات ، ومخصّصات ، فلو ورد دلیل علی «أنّ کلّ شرط نافذ إلاّ ما خالف کتاب الله » أو «أنّ الصلح جائز إلاّ ما خالف کتاب الله » فلابدّ من عرضه علی الکتاب العزیز الموجود ، فإن وافقه یکون نافذاً ، وإلاّ فیطرح ، ومعلوم بدیهة أنّه لو شکّ فی موافقة شرطه أو مخالفته للکتاب الموجود مثلاً ، فرفع ذلک الشکّ إنّما هو بید المکلّف ، لا الشارع الأقدس ، فحدیث کون رفع الشبهة فی بعض الموارد بید المولی ـ بعد انقطاع الوحی وتبلیغ الأحکام ـ غیر وجیه ، بل غیر صحیح .
وخامساً : أنّ مراده قدس سره بقوله : «ولعلّ بناء المشهور أیضاً فی تمسّکهم بالعامّ فی الشبهة المصداقیة ، مختصّ بأمثال المورد» أنّ المشهور تمسّکوا بالعامّ فی المثالین اللذین ذکرهما ؛ أی الشرط ، والصلح ، وفیه : أنّ المخصّص منهما متصل بالکلام ؛ لقوله علیه السلام : «المؤمنون عند شروطهم إلاّ ما حرّم حلالاً أو حلّل حراماً» و«الصلح جائز بین المسلمین إلاّ صلحاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً» ولا خلاف ولا ارتیاب فی عدم جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة للمخصّص المتصل .
وإن أراد أنّ نظر المشهور إلی غیر المثالین ، فلو کان مستندهم فی جواز التمسّک فی المخصّصات المنفصلة ما أشار إلیه ، فقد عرفت ضعفه ولعلّهم علی تقدیر صحّة النسبة استندوا فی ذلک إلی وجوه اُخر ، والله العالم .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 400