الأمر السادس فیما عدّ من الألفاظ الدالّة علی العموم
المعروف عندهم أنّ النکرة أو اسم الجنس الواقعین فی سیاق النفی أو النهی ، یفیدان العموم ، ورأوا أنّه یستفاد منهما ما یستفاد من لفظة «کلّ» ویظهر من شیخنا العلاّمة الحائری قدس سره أنّ استفادة العموم هنا غیر رهینة بجریان مقدّمات الحکمة ؛ بلحاظ أنّ نفی الطبیعة مستلزم لنفی أفرادها عقلاً .
وبالجملة : لا تکاد تکون الطبیعة معدومة إلاّ إذا کانت معدومة بجمیع أفرادها ، و إلاّ فهی موجودة .
وفیه : أنّه لا تخلو الاستفادة من النظر ؛ لأنّه لا فرق فی دلالة النکرة أو اسم الجنس علی معناه الموضوع له ، بین وقوعهما فی مقام الإثبات ، أو النفی ، أو النهی ؛ لأنّ الاستفادة لابدّ وأن تکون إمّا من مفردات الجملة ، أو من المجموع المرکّب منها ،
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 345 وکلاهما لا یخلوان من النظر ؛ وذلک لأنّ اسم الجنس موضوع للطبیعة اللابشرط ، ولا فرق فی ذلک من حیث الدلالة علی معناه الموضوع له ، بین وقوعه فی سیاق الإیجاب ، أو النفی ، وکذا تنوین التنکیر وضع للدلالة علی تنکیر الطبیعة ؛ أی الواحد لا بعینه ، بمعنی تقیید الطبیعة بقید الوحدة غیر المعیّنة ، لکن بالمعنی الحرفی دون الاسمی ؛ سواء وقعت فی مقام النفی ، أو الإثبات ، ولفظة «لا» وضعت لنفی موضوعها ، أو الزجر عنه ، فلا یوجد ما یدلّ علی نفی الأفراد والعموم والشمول.و یظهر من شیخنا العلاّمة تسلیم عدم دلالته علی العموم لفظاً .
وأمّا المجموع المرکّب ، فلم یکن له وضع علی حدة .
فإذن کما أنّ قولک : «أعتق رقبة» تدلّ هیئة الأمر فیه علی البعث نحو المادّة ، ولفظة «العتق» علی نفس الطبیعة ، والتنوین علی التنکیر ، ومقتضی جعل «الرقبة» مفعولاً هو تعلّق العتق بها ، فیستفاد منه لزوم عتق الرقبة ، فکذلک قولک : «لا تعتق رقبة» یدلّ علی نفی عتق رقبة واحدة ؛ لأنّه لا فرق بین الجملتین إلاّ من حیث الإثبات والنفی ، ومقتضی مقدّمات الحکمة أنّ نفس الطبیعة تمام الموضوع لتعلّق الحکم بها ؛ من دون فرق فی ذلک بین وقوعها فی مقام الإثبات ، أو النفی .
کما لا فرق بینهما من حیث الاحتیاج إلی جریان مقدّمات الحکمة ؛ لإثبات أنّ نفس الطبیعة تمام الموضوع لتعلّق الحکم بها ، فحدیث احتیاج الطبیعة فی مقام الإثبات إلی مقدّمات الحکمة دونها فی مقام النفی ـ کما یظهر من شیخنا العلاّمة قدس سره ـ غیر وجیه .
نعم ، لا ینبغی إنکار أنّه بعد إجراء مقدّمات الحکمة ، تختلف نتیجتها فی سیاق النفی والإثبات ، فإنّ المتفاهم عرفاً من قولک : «لا رجل فی الدار» هو انتفاء الرجولیة
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 346 فیها رأساً ، بخلاف قولک : «رجل فیها» فإنّه صادق مع رؤیتک فرداً منه ، ولکنّ الاختلاف ـ کما أشرنا إلیه ـ لم یکن مبتنیاً علی رکن وثیق بُرهانی ، ولا یکون الدالّ علیها فی مقام النفی غیر ما هو الدالّ علیها فی مقام الإثبات ، فالاختلاف بینهما إنّما هو بلحاظ الفهم العرفی ؛ فإنّهم یرون أنّ المهملة توجد بوجود فردٍ ما ، وتنعدم بانعدام جمیع الأفراد ؛ وإن کان الحکم البرهانی العقلی علی خلافه ، لأنّ العقل یحکم بأنّ الطبیعة کما توجد بوجود فردٍ ما ، تنعدم بانعدام ذلک الفرد .
فظهر وتبیّن : أنّه لا یکون للنکرة ولا اسم الجنس الواقعین فی سیاق النفی أو النهی ، دلالة لفظیة علی العموم والشمول ، کما هو محطّ البحث فی المقام ، بخلاف لفظة «کلّ» فإنّها تدلّ بالتبادر دلالة لفظیة علی الکثرة الإجمالیة ، فعدّ النکرة أو اسم الجنس الواقعین فی سیاق النفی أو النهی من ألفاظ العموم ـ کما عن المشهور ـ غیر سدید ، فتدبّر .
وقد یعدّ من ألفاظ العموم ، المفرد المعرّف باللام ، والجمع غیر المعرّف باللام .
ولکن فیه : أنّه لا دلالة لهما علی العموم ؛ ضرورة وجود الفرق بین قوله تعالی : «أحَلَّ الله ُ الْبَیْعَ» و«أحلّ الله کلّ بیع» وغایة ما یستفاد من المفرد المعرّف باللام تعریف الجنس فقط ، لا الاستغراق ، ومن الجمع غیر المعرّف الجمع ، فنحتاج فی استفادة الإطلاق إلی مقدّمات الحکمة .
نعم ، الجمع المحلّی باللام ـ کقوله تعالی :«أوْفُوا بِالْعُقُودِ» ـ یفید العموم بحکم الارتکاز العرفی .
و هاهنا وجه أفادوه فی إثبات العموم ، ولا تبعد صحّته ؛ وهو أنّ الجمع حیث یدلّ علی الثلاثة فما فوقها ، فیقبل الانطباق علی مراتب ؛ أی أنّ للجمع عرضاً
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 347 عریضاً ، وتعریف الجمع باللام یدلّ علی جمیع الأفراد وأقصاه ؛ لأنّه الذی یکون له تعیّن ، وأمّا بقیّة المراتب حتّی المرتبة الأخیرة ، فلا تعیّن فیها ؛ لکونها ـ کسائر المراتب غیر أقصی المراتب ـ قابلة للانطباق علی هذه الثلاثة ، وتلک الثلاثة . . . وهکذا ، وأمّا أقصی المراتب وهی جمیع الأفراد ، فلا تنطبق إلاّ علی واحد ، فلا تتوقّف دلالة الجمع المحلّی باللام علی العموم علی مقدّمات الحکمة .
وإن أبیت عن قبول هذا الوجه ، فهذا غیر ضائر بعد کون استفادة أقصی المراتب من الجمع المحلّی باللام ، ممّا لا إشکال فیه من دون احتیاج إلی مقدّمات الحکمة ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 348