الأمر الثانی فی الفرق بین العامّ والمطلق
ظاهـر مقال المحقّق الخراسـانی قدس سره وصریح کلام العلمین الحائری والنائینی ـ خصوصاً الأخیر منهما ـ أنّ العموم یستفاد تارة : من دلیل لفظی ، کلفظة «کلّ» و«جمیع» وما یرادفهما من أیّة لغة ، کما یستفاد اُخری : من مقدّمات الحکمة ، ولا فرق بینهما من حیث الشمول والعموم ، إلاّ أنّه لمصالح خفیت علینا فصّلوا بینهما وقالوا : «إنّه إن استفید العموم من اللفظ فهو عامّ ، وإن استفید من مقدّمات الحکمة فهو مطلق» فبالحقیقة العامّ والخاصّ والمطلق والمقیّد من وادٍ واحد ، والاختلاف بینهما إنّما هو فی طریق حصول العموم والشمول ، حیث إنّ أحدهما باللفظ ، والآخر بمقدّمات الحکمة ، فذکر المطلق والمقیّد مستقلاًّ عقیب العامّ والخاصّ ، إنّما هو لحکمة ومصلحة خفیت علینا . هذا غایة تقریب مقالهم .
وفیه : أنّه فرق بین العامّ والمطلق فی أصل تعلّق الحکم ، وفی ورود التخصیص والتقیید ، ولا جامع بینهما حتّی نحتاج إلی بیان الفرق بینهما ؛ وذلک لما أشرنا من أنّ باب العموم ، باب تعلّق الحکم علی أفراد الطبیعة بنعت الإجمال بدلالة الکلّ المضاف إلی الطبیعة ، وأمّا المطلق فمقتضاه ـ بعد تمامیة مقدّمات الحکمة ـ لیس إلاّ أنّ نفس الطبیعة تمام الموضوع للحکم ، والفرد الخارجی محقّق إیّاه .
وبعبارة اُخری : فرق بین العموم المعبّر عنه بالفارسیة بـ (هر) و(همه) وبین
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 329 المطلق المعبّر عنه بها بـ (یله) و(رها) و(بی قید) فموضوع الحکم ومصبّه فی العامّ هو أفراد الطبیعة ، لکنّه علی نعت الإجمال ، والموضوع فی المطلق هو نفس الطبیعة بلا قید ، فلم یکن الأفراد بما هی فی المطلق موضوعاً للحکم .
وإن شئت مع ذلک مزید توضیح فنقول : إنّ الحکم بوجوب الوفاء فی قوله تعالی :«أوْفُوا بِالْعُقُودِ» ، قد جعل لکلّ فرد من أفراد العقد ، فمصبّ الحکم فیه الأفراد بآلیة الجمع المحلّی بالألف واللام ، وأمّا الحکم فی قوله تعالی :«أحَلَّ الله ُ الْبَیْعَ» فقد جعلت الحلیة علی نفس طبیعة البیع ، ولا یکاد یثبت للأفراد بما هی ، حکم ولکن حیث یری العقل أنّ طبیعة عقد البیع ـ بما أنّها طبیعة ـ قابلة للتکثّر وقابلة للانطباق علی الأفراد الموجودة فی الخارج ، فإذا وجد مصداق منها فلیس ذلک لأجل موضوعیته للحکم ، بل لأجل انطباق ما هو تمام الموضوع للحلّیة علیه . هذا فی أصل تعلّق الحکم فی العموم والمطلق .
وهکذا الحال فی ورود التخصیص والتقیید ، فإنّهما متغایران أیضاً ؛ لأنّه بالتخصیص تخرج أفراد لولاه لکانت مندرجة تحت العامّ ، وأمّا بالتقیید فلا تخرج الأفراد ، بل تقیّد الطبیعة ، ویستکشف أنّ الإرادة الجدِّیة للمولی تعلّقت بالمتقیّد بالقید ، وبذلک تتضیّق الطبیعة ، ویکون ما ینطبق علیه الطبیعةِ المتقیّدة من الأفراد ، أقلّ ممّا تنطبق علیه نفس الطبیعة .
فظهر : أنّ باب الخاصّ والعامّ غیر باب المطلق والمقیّد فی أصل تعلّق الحکم ، وفی ورود التخصیص والتقیید ، ولأجل هذا تختلف أحکامهما ، ویجب
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 330 إفراد کلّ منهما بالبحث ، وسیأتی مزید بیان لذلک ، فارتقب .
وممّا ذکرنا تعرف : أنّ دلالة المطلق علی عدم دخالة قید أو حال ، إنّما هی من ناحیة حکم العقل بلحاظ جعله موضوعاً للحکم ، وأمّا فی العامّ فلیس کذلک ، بل استفادة الشمول والسریان قبل تعلّق الحکم ؛ فإنّ لفظة «کلّ» تفید کثرة إجمالیة ، وبإضافتها إلی طبیعة تفید کثرة مدخولها ، ولذلک یفترق باب المطلق والمقیّد عن باب العامّ والخاصّ ، من حیث عدم الاحتیاج فی إفادة العموم والشمول إلی مقدّمات الحکمة ، بخلاف باب المطلق ، فإنّه محتاج إلیها .
فإذن الفرق بین بابی العامّ والخاصّ وبین المطلق والمقیّد ، أوضح من أن یخفی . ومن الغریب اختفاؤه علی الأعلام ، ومع هذا فإنّ الجواد قد یکبو ، والصارم قد ینبو ، ولیت شعری لو لم یکن بین العامّ والمطلق فرق فی المفاد ، لکان ینبغی ـ بل یلزم ـ أن یفتح باب ویذکر فیه مطالب ، ثمّ یقال : إنّ هذه المطالب ربما تستفاد من اللفظ ، واُخری من مقدّمات الحکمة ، لا فتح بابین : باب العامّ والخاصّ ، وباب المطلق والمقیّد ، ویذکر فی کلّ منهما ما فی الآخر ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 331