المبحث الرابع فی مفهوم الاستثناء
ذهب المشهور ـ خلافاً لأبی حنیفة ـ إلی أنّ الاستثناء من النفی یدلّ علی الإثبات ، والاستثناء من الإثبات یدلّ علی النفی .
ولا یخفی : أنّ محطّ البحث ما إذا کانت الأداة المستعملة فی القضیة للاستثناء ؛ بأن کانت «إلاّ» الاستثنائیة ، وإمّا إذا کانت «إلاّ» وصفیة بمعنی الغیر ـ کقولک : «جاءنی القوم غیر زید» ـ فلا تکون محطّ البحث ، بل تکون جاریة مجری الوصف لا الاستثناء ، فیأتی فیها جمیع ما قیل فی مفهوم الوصف .
وبعد معلومیة موضوع البحث وأنّه فیما إذا کانت «إلاّ» للاستثناء ، فلا ینبغی الإشکال ـ والعرف أصدق شاهد ـ فیما علیه المشهور ، بل لا مجال لإنکار کون الاستثناء من النفی یدلّ علی الإثبات ، والاستثناء من الإثبات علی العکس .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 309 وأمّا ما ذهب إلیه أبو حنیفة ، فاستدلّ له بما ورد من قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «لا صلاة إلاّ بطهور» و«لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب» ، فإنّه علی تقدیر الدلالة ، یلزم تحقّق الصلاة تامّة بتحقّق کلّ واحد من الطهارة وفاتحة الکتاب ولو مع فقد سائر الشروط ، أو مقارنتها مع الموانع ، وهو کما تری .
وبالجملة : بناءً علی دلالة الاستثناء من النفی علی الإثبات ومن الإثبات علی النفی ، یلزم أن تکون الصلاة المقرونة بفاتحة الکتاب أو الطهور مع فقد سائر شروطها وأجزائها أو مع الموانع ، صلاة تامّة ، وهو کما تری .
وفیه : أنّ مثل تلک الجمل إنّما تکون فی مقام الإرشاد إلی اشتراط الصلاة بالطهارة ؛ وأنّ فاتحة الکتاب جزؤها ، لا بصدد الإخبار عن العقد السلبی أو الإیجابی ، وفی مثله لا مفهوم للاستثناء ، کما هو الشأن فی قوله علیه السلام : «لا صلاة لمن لم یقم صلبه» لاعتبار الانتصاب فی الصلاة مع عدم احتفاف الجملة بالاستثناء . ولعلّ التعبیر بالنفی والاستثناء فی الجملتین ، لأجل الاهتمام بذینک الشرط والجزء من بین سائر الشروط والأجزاء .
وعلیه فمعنی قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب» أنّ فاتحة الکتاب جزء للصلاة ، ولا تکون الصلاة بدونها صلاة ، وکذلک معنی قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «لا صلاة إلاّ بطهور» أنّ الطهور شرط ، ولا تکون الصلاة بدون ذلک صلاة ، لا أنّهما تمام
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 310 الصلاة ، أو أنّه إذا اشتملت علیهما لا یضرّها شیء غیرهما .
أضف إلی ذلک : أنّ المفروض فی موضوع البحث ما إذا لم تکن هناک قرینة ، فإذا قامت قرینة داخلیة أو خارجیة علی عدم المفهوم فی الجملة المشتملة علی الاستثناء ـ کما فی المقام ـ لما أضرّت بدلالة الجملة علی المفهوم لو خلّیت ونفسها . وقد أشرنا إلی أنّ ارتکاز العرف والعقلاء ، أصدق شاهد علی ما ذهب إلیه المشهور . وهذا الاستدلال لأبی حنیفة ، عجیب بعد کونه من أهل المحاورة واللسان .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 311