الاُولی : فی إمکان تداخل المسبّبین ثبوتاً وعدمه .
والثانیة : فی أنّه علی تقدیر الإمکان، ما هو مقتضی القاعدة فی مقام الإثبات.
الجهة الاُولی : فی إمکان تداخل المسبّبات ثبوتاً
قد منع الشیخ الأعظم أعلی الله مقامه إمکان التداخل ، فقال فی وجهه : «قد قرّرنا فی المقدّمة السابقة أنّ متعلّق التکالیف حینئذٍ ، هو الفرد المغایر للفرد الواجب بالسبب الأوّل ، ولا یعقل تداخل فردین من جهة واحدة ، بل ولا یعقل ورود دلیل علی التداخل أیضاً علی ذلک التقدیر ؛ إلاّ أن یکون ناسخاً لحکم السببیة» .
وبالجملة : فرض تأثیر السبب الثانی وأنّ أثره غیر الأثر الأوّل ، یوجب امتناع التداخل ، بل عدم تعقّل التداخل .
وفیه : أنّ ما ذکره أعلی الله مقامه علی فرضٍ هو تامّ من حیث الکبری دون الصغری ، وعلی تقدیر بالعکس ؛ وذلک لأنّه إن أراد بالفرد الفرد الخارجی کما هو الظاهر ، فالکبری مسلّمة ؛ بداهة أنّه یستحیل أن یتحد الفردان الموجودان المتشخّصان فی الخارج ویصیرا واحداً ، ولکن الصغری ـ وهی تعلّق التکلیف والخطاب بالفرد الخارجی ـ ممنوعة ؛ لما أشرنا غیر مرّة من استحالة تعلّق التکلیف والخطاب بالفرد الخارجی ، بل بالعنوان ، والخارج ظرف السقوط .
وإن أراد بالفرد الفرد العنوانی القابل للانطباق علی الخارج ـ وإنّما سمّاه «فرداً»
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 276 لکونه تحت العنوان العامّ ، نظیر فردیة الصنف للنوع ، والنوع للجنس ، فیقال : إنّ الإنسان الأبیض فرد للإنسان ، والحیوان الناطق فرد للحیوان ـ فعدم إمکان تداخل العنوانین من ماهیة واحدة غیر مسلّم ، بل القیود الواردة علی الماهیة مختلفة؛ فقد تکون موجبة لصیرورة المقیّدین متباینین ، کالإنسان الأبیض والأسود ، وقد لا تکون کذلک ، بل یکون المقیّدان عامّین من وجه ، کالإنسان الأبیض والعالم .
فإذن الوضوء فی قوله : «إذا نمت فتوضّأ» و«إذا بلت فتوضّأ» ماهیة واحدة ، وبعد تسلّم المقدّمتین لابدّ من کونها مقیّدة بقیدین ؛ حتّی یکون کلّ سبب علّة مستقلّة لإیجاب أحد العنوانین ، ولکن لا یلزم أن یکون بین العنوانین التباین حتّی یمتنع تصادقهما علی الفرد الخارجی ، فمع عدم قیام دلیل علی امتناعه ، لا یجوز رفع الید عن الدلیل الدالّ علی التداخل فرضاً ، فقوله أعلی الله مقامه بأنّه : «لا یعقل ورود دلیل علی التداخل» فرع إثبات الامتناع ، وهو مفقود .
بل لنا أن نقول : لازم ظهور الشرطین فیما ذکر وورود الدلیل علی التداخل هو کون المقیّدین قابلین للتصادق .
وبالجملة : إن أراد بالفرد الحصّة بلحاظ کونها تحت العامّ ، فالصغری مسلّمة ؛ لأنّ الوضوء المتقیّد بالبول والمتقیّد بالنوم ، فردان لماهیة الوضوء فردیة الصنف للنوع ، ویصحّ تعلّق التکلیف بهما ، ولکن الکبری ممنوعة ؛ لأنّه إنّما یمتنع الاتحاد إذا کان کلّ من القیدین مبایناً للآخر ، کما إذا تقیّدت ماهیة الإنسان بقیدی العلم والجهل ، لعدم صدق الإنسان العالم والإنسان الجاهل علی مصداق واحد ، وأمّا إذا کان أحد القیدین أعمّ من وجه من الآخر ، فیجوز اجتماعهما فی الجملة ، کما إذا تقیّدت ماهیة الإنسان بقیدی العلم والعدالة ؛ بداهة جواز صدق الإنسان العالم والإنسان العادل علی مصداق واحد . فمع هذا الاحتمال ، لا مجال للحکم بعدم معقولیة تداخل
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 277 المسبّبات ، فعلی تقدیر تمامیة المقدّمتین ، لو ورد دلیل ظاهر فی تداخل المسبّبات ، فلا وجه لرفع الید عنه أو حمله علی کونه ناسخاً ، بل یکشف بذلک عن أنّ النسبة بینهما هی العموم من وجه ، لا التباین .
هذا حال مقام الثبوت ، وقد عرفت إمکان تداخل المسبّبات .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 278