المقدّمة الثالثة : فی اختصاص النزاع بالماهیة القابلة للتکثّر
محطّ البحث فی التداخل ، إنّما هو فیما إذا کان الجزاء ماهیة قابلة للتکثّر ، کالوضوء والغسل ؛ حتّی یتطرّق فیه إمکان القول بالتداخل وعدمه ، وأمّا إذا لم یقبل التکثّر ـ کقتل زید مثلاً ـ فهذا خارج عن محطّ البحث ؛ لاستحالة عدم التداخل فیه .
ولکن فصّل المحقّق النائینی قدس سره فیما لم یقبل التکثّر بین قبوله للتقیید وعدمه ، فذهب إلی دخول الأوّل فی محطّ البحث أیضاً ؛ وذلک کالخیار والقتل ، فإنّهما وإن لم یقبلا التکرار ؛ لأنّ الخیار عبارة عن ملک فسخ العقد وإقراره ، وهو أمر واحد لا یمکن فیه التعدّد ، وکذا القتل ، وهو واضح ، ولکنّهما یقبلان التقیید ، فیقیّد الخیار بالمجلس والحیوان مثلاً ، ومعنی تقییده بالسبب هو أنّه یلاحظ الخیار المستند إلی المجلس فیسقطه ، أو یصالح علیه ، فیبقی له الخیار المستند إلی الحیوان ، وکذا فی القتل لأجل حقوق الناس ، فلو قتل زید عمراً وبکراً ، فقتل زید قصاصاً وإن لم یقبل التعدّد ، إلاّ أنّه قابل للتقیید بالسبب ؛ أی یلاحظ استحقاق زید للقتل باعتبار قتله لعمرو ، فلو أسقط ورثة عمرو حقّ القَوَد ، لم یسقط حقّ ورثة بکر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 245 فظهر دخول ما کان الجزاء قابلاً للتقیید فی محطّ البحث ؛ لتحقّق أثر للقول بعدم التداخل باعتبار قابلیة الإسقاط من جهة خاصّة مع بقاء الجزاء من سائر الجهات ، وأمّا فیما لا یقبل التقیید أیضاً فخارج عن محطّ النزاع ؛ إذ لا أثر عملی فیه للقول بالتداخل وعدمه .
وفیه : أنّه لو کان الخیار ماهیة غیر قابلة للتکثّر مع اجتماع أسباب متعدّدة علیه ، ولم یکن معنی لتصوّر ملکین بالنسبة إلی فسخ العقد وإقراره ، فعند اجتماع المجلس والحیوان لا یتحقّق إلاّ شخص واحد من الخیار ، ومعلوم أنّ الشیء الواحد الشخصی لا یمکن أن یسقط من جهة ، ویبقی من جهة اُخری ، فلا یمکن إسقاط الخیار من جهة المجلس ، وإبقاؤه من جهة الحیوان .
وأمّا إذا کان خیار المجلس شیئاً غیر خیار الحیوان ، فیکونان متعدّدین بالعنوان ، فیخرج عن مفروض البحث ؛ أی کون الجزاء غیر قابل للتکرار .
وإن کان الخیار کلّیاً قابلاً للتکثّر رجع إلی الفرض الأوّل .
وهکذا الحال فی قضیّة القتل ، فإنّ حقّ القصاص إن کان واحداً فلا یمکن إسقاطه من قبل سبب ، وإبقاؤه من قبل سبب آخر ، وإن کان متعدّداً فیخرج عن مفروض البحث ؛ ولا یکون من تداخل الأسباب ، وإن کان کلّیاً قابلاً للتکثّر یدخل فی الفرض الأوّل .
ثمّ إنّه قدس سره عنون الکلام أوّلاً بالقتل ، ثمّ عدل عنه وقال : «إنّ حقّ القصاص یقبل التقیید من سببین» فاختلط الأمر لدیه قدس سره فإنّ من المعلوم أنّ القتل أمر واحد غیر قابل للتکثّر ، فإن حصلت شروطه یقتل وإلاّ فلا ، ولا ربط له بکون کلّ واحد
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 246 من أولیاء المقتولین له حقّ القصاص .
وبالجملة : عدم قبول القتل للتکثّر لا یرتبط بعدم قبول حقّ القصاص له ، والمحقّق النائینی قدس سره خلط بینهما ، فتدبّر .
فظهر ممّا ذکرنا : أنّ محطّ البحث هو فیما إذا کان الجزاء ماهیة قابلة للتکثّر فی الخارج بلحاظ تکثّر السبب .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 247