الوجوه التی یستدلّ بها لإثبات العلّیة المنحصرة من القضیة الشرطیة
إذا عرفت ما ذکرنا فنقول : یتمسّک لإثبات العلّیة المنحصرة من القضیة الشرطیة بوجوه ، کالتبادر ، والانصراف ، وإطلاق أداة الشرط ، أو إطلاق نفس الشرط ، أو إطلاق نفس الجزاء ، أو بعض الوجوه العقلیة .
ولکنّها کلّها مخدوشة :
أمّا التبادر والانصراف ، فیغنینا عن التعرّض لهما ولردّهما ما أفاده المحقّق الخراسانی قدس سره وغیره ، فلیراجع .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 212 وأمّا إطلاق أداة الشرط : فیقال فی تقریبه : إنّه کما یتمسّک بإطلاق الأمر فیما إذا شکّ فی واجب أنّه نفسی أو غیری ، أو أنّه تعیینی أو تخییری ، أو عینی أو کفائی ؛ لإثبات کونه نفسیاً تعیینیاً عینیاً ، فکذلک هنا لو شکّ فی کون أداة الشرط لإفادة مطلق اللزوم أو العلّیة ، والعلّیة المنحصرة ، فمقتضی الإطلاق کونها للعلّة المنحصرة .
ولکن فیه : ـ کما أشرنا إلیه عند حمل الواجب علی النفسی التعیینی العینی ـ أنّه إن قلنا بکون الوضع فی الحروف ومنها الهیئة عامّاً ، والموضوع له عامّاً ، کما یراه المحقّق الخراسانی قدس سره فمقتضی مقدّمات الحکمة إثبات الجامع بین النفسیة والغیریة مثلاً ، لا النفسیة ، ولا الغیریة ؛ لأنّ کلاًّ منهما قسم من الواجب ، ولا یصیر القسم قسماً
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 213 إلاّ بضمّ قید للمقسم ، وإلاّ لاتحد المقسم والقسم ، فلا یقتضی الإطلاق النفسیة .
وکذا إن قلنا بکون الوضع فی الحروف عامّاً ، والموضوع له خاصّاً ؛ لأنّ غایة ما یقتضیه الإطلاق هی إثبات الجامع ، وأمّا إثبات خصوص النفسیة أو الغیریة ، فیحتاج إلی دلیل آخر .
وأمّا إن قلنا بکون الوضع والموضوع له فیها خاصّاً ، فلا یتمّ شیء منها ؛ لکونها علی هذا جزئیاً ، وهو غیر قابل للتقیید ، وکلّ ما لا یقبل التقیید لا یقبل الإطلاق . . . إلی غیر ذلک ممّا ذکرناه هناک .
فنقول هنا : إنّه علی تقدیر الوضع والموضوع له فی لفظة «إذا» مثلاً عامّاً ، فمقتضی جریان المقدّمات استفادة أصل الترتّب العلّی الجامع بین الترتّب علی نحو الانحصار وغیره ، وأمّا استفادة العلّیة المنحصرة أو غیرها ، فلابدّ من التشبّث بذیل دلیل آخر .
وبالجملة : غایة ما یقتضیه الإطلاق هو أصل الترتّب الجامع بین أنحاء الترتّبات ، لا الترتّب بنحو العلّیة المنحصرة الذی بلحاظ اشتماله علی خصوصیة زائدة علی أصل الترتّب ، صار قسماً علی حدة .
ومثله ما لو قلنا بکون الوضع عامّاً والموضوع له خاصّاً .
وأمّا إن قلنا بکون الوضع والموضوع له خاصّین ـ کسائر الحروف ـ لم یکن سبیل لجریان المقدّمات ، کما أشرنا إلیه ، فوزان جریان مقدّمات الحکمة وجوداً وعدماً واقتضاء فی المقام ، وزان جریانها فی إثبات النفسیة والعینیّة والتعیینیة ، ولا فرق بینهما فی ذلک .
نعم ، أبدی المحقّق الخراسانی قدس سره فرقاً بینهما ؛ بأنّ الواجب النفسی هو
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 214 الواجب علی کلّ حال ، بخلاف الواجب الغیری ، فإنّه الواجب علی تقدیر دون تقدیر ، فیحتاج بیانه إلی مؤنة التقیید بما إذا وجب الغیر ، فیکون الإطلاق فی الصیغة مع مقدّمات الحکمة ، محمولاً علی النفسی .
وبالجملة : النفسیة لیست قیداً وجودیاً حتّی یحتاج إلی البیان ، بل هی أمر عدمی ؛ أعنی عدم وجوبه لشیء آخر ، فیمکن إثباته بإطلاق صیغة الأمر ، بخلاف الوجوب الغیری ، فإنّه محتاج إلی بیان وجوب شیء آخر .
وهذا بخلاف اللزوم والترتّب بنحو الترتّب علی العلّة المنحصرة ، ضرورة أنّ کلّ واحد من أنحاء اللزوم والترتّب ، محتاج فی تعیینه إلی قرینة مثل الآخر بلا تفاوت أصلاً ، کما لا یخفی .
وبالجملة : العلّیة المنحصرة خصوصیة قبال سائر الخصوصیات ، ونسبة الإطلاق إلی جمیع الخصوصیات واحدة من دون مرجّح لخصوص العلّة المنحصرة ، فلا یمکن إثباتها بالإطلاق ، فظهر الفرق بینها وبین الوجوب النفسی .
ولکنّه غیر وجیه ؛ لجریان عین ما ذکره قدس سره هناک هنا أیضاً ؛ وذلک لأنّ غایة ما تقتضیه علّیة الشرط للجزاء ، هی ترتّب الجزاء علیه ، ولا یستفاد منه الانحصار ؛ لأنّه لو کانت العلّة منحصرة فمقتضاها ترتّب الجزاء علیه دائماً . وفی جمیع الأحوال ، ولا یکاد یقتضیه العلّیة غیر المنحصرة ، فکلّ منهما مشتمل علی خصوصیة زائدة علی أصل الترتّب الذی هو المقسم ، فکما أنّ کلاًّ منهما یمتاز عن الآخر بقید یخصّه ، فکذلک یمتازان عن المقسم ، وإلاّ لاتحد القسم مع المقسم ، فلا فرق بین المقام ومسألة النفسیة والغیریة ، فتأمّل .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 215 وأمّا إطلاق الشرط نفسه ، فتقریبه : ـ کما أشار إلیه المحقّق الخراسانی قدس سره ـ أنّه لو لم یکن بمنحصر یلزم علی المتکلّم تقییده ؛ ضرورة أنّه لو قارنه أو سبقه الآخر لما أثّر وحده ، مع أنّ مقتضی إطلاقه أنّه یؤثّر کذلک مطلقاً ، مثلاً إذا قیل : «الماء إذا بلغ قدر کرّ لم ینجّسه شیء» وکان فی مقام بیان تمام مراده ، فکما أنّ مقتضی إطلاق الکرّیة کونها تمام الموضوع للاعتصام من دون دخالة قید فیه ، وإلاّ فلو کان للقید دخالة فیه لأخلّ بغرضه ، فکذلک مقتضاه نفی قرین له ؛ لأنّه لو لم تکن الکرّیة مؤثّرة عند سبق شیء علیه أو مقارن له ، لما کان لذکر الکرّیة فقط وجه ، فإطلاق الکرّیة کما ینفی مشارکة غیره فی ترتّب أثر الاعتصام علیه ، فکذلک ینفی بدلیة الغیر إیّاه ، فالکرّیة تمام المؤثّر للاعتصام ؛ سبقه أو قارنه شیء آخر ، أم لا .
وحیث إنّ الجواب عن هذا التقریب والتقریب الذی تمسّک به المحقّق النائینی قدس سره لإثبات إطلاق الجزاء ، مشترکان فی بعض الجهات ، فنذکر أوّلاً ما أفاده المحقّق النائینی قدس سره ثمّ نعقّبهما بما هو الحقّ عندنا .
فقال قدس سره فی تضعیف هذا التقریب أوّلاً : إنّ التقریب الذی ذکر لإطلاق الشرط غیر مستقیم ، بل أجنبی عن مسألة استظهار المفهوم للقضیة الشرطیة ؛ وذلک لأنّ مقدّمات الحکمة إنّما تجری فی المجعولات الشرعیة ، والعلّیة والسببیة من الاُمور التکوینیة غیر القابلة للجعل ، والمجعول إنّما هو المسبّب علی تقدیر وجود سببه ، کما مرّ مراراً ، فلا معنی للتمسّک بإطلاق الشرط لإثبات کونه علّة منحصرة .
وثانیاً : أنّ غایة ما تدلّ علیه القضیة الشرطیة ، هی الترتّب بین الجزاء
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 216 والشرط ، ولا یتفاوت الحال فیه بین کون الشرط علّة منحصرة ، أو غیر منحصرة ، أو متلازمین ؛ لأنّ ترتّب الجزاء علی الشرط علی نسق واحد فی الجمیع ، بل لو فرضت دلالة القضیة الشرطیة علی کون الجزاء معلولاً للشرط ، فلا یکاد تقتضی مقدّمات الحکمة انحصار الشرط فی العلّیة المنحصرة ؛ لأنّ استناد المعلول إلی علّته المنحصرة وغیر المنحصرة ، علی نسق واحد ، کما لا یخفی . ثمّ ورد قدس سره فی بیان ما یحتاج إلیه استظهار المفهوم .
إلی أن قال : إنّ مقدّمات الحکمة إنّما تجری فی ناحیة الجزاء ؛ بتقریب أنّ الجزاء منوط بالشرط بنحو من الإناطة ، فإذا کان المولی فی مقام البیان وأطلق الجزاء بالنسبة إلی الشرط ، فمقتضاه أنّ الجزاء یتوقّف علی ذلک الشرط فقط ؛ من دون أن یشارکه شرط آخر ، أو ینوب عنه ، وبعد ذلک لا ینبغی التوقّف فی ثبوت المفهوم للقضیة الشرطیة التی یتوقّف الجزاء فیها علی الشرط عقلاً .
ودعوی : أنّ المعلوم هو کون المولی فی مقام البیان من جهة إناطة الجزاء بالشرط ، دون سائر الجهات والقیود ، فاسدة ؛ لأنّه لو بنی علی ذلک لا نسدّ باب التمسّک بالإطلاقات فی جمیع المقامات ، إذ ما من مورد إلاّ ویمکن فیه هذه الدعوی ، انتهی کلامه ملخّصاً .
وأنت خبیر : بأنّ هذا التقریب الذی اختاره قدس سره لاستفادة المفهوم من ناحیة إطلاق الجزاء ، هو بعینه ما ذُکِر فی استفادة المفهوم من الإطلاق فی ناحیة الشرط ، وقد ردّه قدس سره : بأنّ غایة ما یقتضیه إطلاق الشرط ، هی علّیة الشرط للجزاء ، ولا فرق
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 217 فی ذلک بین کونه علّة منحصرة ، أو غیرها ، فلا تقتضی المقدّمات انحصار الشرط فی العلّیة .
فنقول اقتباساً من مقاله : إنّه لا فرق فی ترتّب الجزاء علی الشرط بین کون الشرط علّة منحصرة لترتّب الجزاء ، وبین غیرها ، فکما أنّه یترتّب الجزاء إذا کان الشرط منحصراً ، فکذلک عند عدم الانحصار ؛ وذلک لأنّه إذا لم یفترق حال الشرط فی علّیته للجزاء بین کونه علّة منحصرة وغیره ، فکذلک لا یفرّق فی معلولیة الجزاء للمنحصرة وغیرها ، فکما اعترف قدس سره بأنّه لا تقتضی المقدّمات انحصار الشرط فی العلّیة ، فکذلک لا تقتضی المقدّمات فی الجزاء ، ترتّبه علی ذلک الشرط فقط .
وأمّا ما أورده قدس سره أوّلاً علی استفادة المفهوم من ناحیة إطلاق الشرط : من أنّ العلّیة والسببیة من الاُمور التکوینیة غیر القابلة للجعل ، ومقدّمات الحکمة إنّما تجری فی المجعولات الشرعیة ، ففیه : أنّه لو سلّم کون السببیة والعلّیة غیر قابلتین للجعل ، ولکنّ هذا لا یهمّ فیما نحن بصدده ؛ لأنّ القائل بإطلاق الشرط لا یرید إثبات الجعل للشرط ، بل یرید إثبات موضوعیته للحکم ، مثلاً إذا قال الشارع الأقدس : «إن ظاهرت فأعتق رقبة» فقد أوجب عتق الرقبة بالظهار وجعلها موضوعاً لحکمه ، مع أنّه لم تکن الرقبة ولا العتق مجعولین شرعاً ، فمعنی علّیة الشرط للجزاء ، هو أنّه تمام الموضوع لترتّب الجزاء علیه ، فلا یکون لترتّبه علیه حالة منتظرة ، فلو شکّ فی اعتبار قید فی الرقبة ینفی بالإطلاق ، ألا تری أنّه إذا کان المخبر فی مقام البیان فقال مثلاً : «إذا طلعت الشمس وجد النهار» یستفاد من هذه الجملة الخبریة ، أنّ
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 218 طلوع الشمس علّة تامّة تکوینیة لوجود النهار ، وإلاّ فلو کان لشیء آخر دخالة فیه فلابدّ وأن یأخذه ، مع أنّه لم یکن طلوع الشمس ولا وجود النهار ، من الاُمور المجعولة شرعاً .
وبالجملة : مجعولیة السببیة والعلّیة شیء ، وکون شیء موضوعاً لحکم أو تمام الموضوع له ، شیء آخر ، فلو قلنا بعدم الجعل فیهما فمع ذلک لا سبیل إلی إنکار أنّه إذا اُخذ شیء بلا قید موضوعاً لحکم ، وکان فی مقام البیان ، وشکّ فی دخالة قید فیه ، فحینئذٍ یمکن نفیه بالإطلاق .
والتحقیق فی الجواب عن عدم استفادة المفهوم من إطلاق الشرط ولا الجزاء : هو أنّ الإطلاق المبحوث عنه فی المقام هو الإطلاق المقامی ، وهو الذی یحتجّ به العقلاء بعضهم علی بعض فیما إذا کان المتکلّم فی مقام بیان مراده ، فعند ذلک إذا قال : «الماء إذا بلغ قدر کرّ لم ینجّسه شیء» مثلاً یحتجّ العقلاء بمجرّد أخذ الماء البالغ حدّ الکرّ موضوعاً للاعتصام من دون تقییده بقید ، علی أنّ ذات الماء البالغ حدّ الکرّ ، تمام الموضوع لعدم الانفعال ، وأنّه لیست له حالة منتظرة للاعتصام ، وإلاّ لأخلّ بغرضه .
وکذا إذا قیل : «أکرم العالم العادل» فإنّه یستفاد منه أنّ تمام الموضوع لوجوب الإکرام ذات متصفة بصفتی العلم والعدالة ، ولا حالة منتظرة فی تعلّق الوجوب به .
وهذا کما یجری فی الجمل الإنشائیة ، یجری فی الجمل الخبریة أیضاً ، فإنّه إذا أخبر شخص بأنّ الشمس مضیئة ، یستفاد منه أنّ تمام الموضوع للإضاءة عند المخبر هو ذات الشمس ، لا هی مع شیء آخر ، وإلاّ فلو کان لشیء آخر مدخلیة فی الإضاءة ، لعدّه العرف کاذباً فی إخباره ، ولکن مع ذلک لا یکاد یستفاد من تلک الجملة أنّ غیر الشمس لیس بمضیء فی العالم ، وأنّ الإضاءة منحصرة فی الشمس ، ولعمر الحقّ ، إنّ هذا فی الجمل الخبریة بمکان من الوضوح .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 219 وأمّا فی الجمل الإنشائیة وفی الجملة الشرطیة أیضاً ؛ لأنّه إذا قیل : إذا بلغ الماء قدر کرٍّ لم ینجّسه شیء وکان بصدد بیان موضوع حکمه فیستفاد منه أنّ نفس الکرّیة تمام الموضوع للحکم بعدم الانفعال ولم تکن بعد تحقّقه حالة منتظرة لترتّب الحکم علیه ، وأمّا استفادة أنّ المولی لاحظ علّیته حال الانفراد أو مطلقاً ـ سبقه شیء أو قارنه ـ فلا ؛ لأنّ تلک الاُمور تعرض للموضوع فی وجوده الخارجی ، والحکم إنّما یوضع علی الطبیعة والعنوان بحیال نفسه ، ولم یکن متعرضاً لکیفیة الاستناد فی الوجود ، فما ظنّک بمزاحماته فی الوجود .
فظهر : أنّ مقتضی إطلاق مقام البیان لیس بأزید من کون ما أخذه موضوعاً لحکمه تمام الموضوع لحکمه ، وأمّا نفی مؤثّریة غیره إذا سبقه أو قارنه فلا .
فاتضح : أنّ حدیث نقض الغرض لو کانت هناک علّة اُخری ، غیر مرتبط بما نحن فیه ، وغیر وجیه .
مضافاً إلی أنّه لو استفید نفی تخلّف الغیر ونیابته منابه بمجرّد ذلک ، یلزم أن یکون للوصف مفهوم ، مع أنّه قدس سره لا یلتزم به .
فتحقّق : أنّه لیس مقتضی الإطلاق فی بابی الشرط والجزاء ، نفی نیابة الغیر فی التأثیر حتّی تثبت العلّیة المنحصرة ، بل غایة ما یقتضیه نفی الشریک ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 220