کلام المحقّق النائینی قدس سره فی المقام ونقده
ذکر المحقّق النائینی قدس سره مقدّمة طویلة فی المراد من المفهوم بنحو لا تخلو من إشکال ، فقال ما حاصله : أنّ المفهوم ـ وکذا ما یشارکه فی أصل معناه ، کالمدلول ، والمعنی ، والمقصود ـ عبارة عن المدرک العقلانی الذی یدرکه العقل عند الالتفات إلی الشیء ؛ لأنّ لکلّ شیء وجوداً عقلانیاً علی طبق وجوده الخارجی ؛ سواء کان من المادّیات أو المجرّدات ، وسواء کان کلّیاً أو جزئیاً ، وذلک المدرک العقلانی یکون بسیطاً غیر مرکّب من المادّة والصورة ؛ لأنّهما تکونان من شؤون الوجود الخارجی ، فالوجود العقلانی مجرّد عنهما . والمفهوم کما یکون فی المفردات ـ کمفهوم زید ، وعمرو ، وإنسان ، وشجر ـ فکذلک یکون فی الجمل الترکیبیة ، مثل «زید قائم»
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 200 و«النهار موجود» ولبساطة المدرک العقلانی ، لا یکون للدلالة التضمّنیة أساس وإن کانت مشهورة فی الألسن ، بل الدلالة علی قسمین : إمّا مطابقیة ، أو التزامیة . ولا تنحصران فی الألفاظ المفردة ، بل کما یکون فی الألفاظ المفردة معنی مطابقی والتزامی ، فکذلک للجمل الترکیبیة ، کما لا ینحصر تقسیم اللازم البیّن إلی الأخصّ والأعمّ بالمعنی الأفرادی ، بل یجری فی المعنی الترکیبی أیضاً .
ثمّ إنّ اللازم بالمعنی الأعمّ مطلقاً ، لا یکون من المدالیل اللفظیة ؛ لأنّ اللفظ لا یدلّ علیه ، ولا ینتقل الذهن إلیه بواسطة اللفظ ، بل یحتاج إلی مقدّمة عقلیة ، ومن هنا قلنا : إنّ مسألة مقدّمة الواجب ومسألة الضدّ ، لیستا من المباحث اللفظیة ؛ لتوقّف اللزوم فیهما علی توسیط حکم العقل ولو سلّم کون اللازم الأعمّ من الدلالة اللفظیة ، ولکنّه لیس من المنطوق ، ولا من المفهوم المبحوث عنه فی المقام ؛ لأنّ المراد بالمنطوق ما دلّت علیه الجملة الترکیبیة بالدلالة المطابقیة ، والمراد من المفهوم ما دلّت علیه الجملة الترکیبیة بالدلالة الالتزامیة بالمعنی الأخصّ ، فما لم یکن منهما لا یکون من المنطوق والمفهوم .
ولا یخفی ما فیه أوّلاً : أنّه لا ینقضی تعجّبی من قوله قدس سره : «إنّ المدرکات بسائط» مع أنّ الضرورة قاضیة بأنّا نتصوّر الإنسان وله إجزاء عقلیة ، ومجرّد نفی کون الشیء ذا مادّة وصورة خارجیتین ، لا یوجب کون الشیء بسیطاً ، وإنّما یوجب ذلک إذا انتفت المادّة والصورة العقلیتان أیضاً .
وبالجملة : الماهیة النوعیة الإنسانیة مثلاً ، مرکّبة من الجنس ـ وهو الحیوان ـ والفصل ؛ وهو الناطق ، ومع ذلک فهما متحدان خارجاً ؛ وموجودان بوجود واحد ،
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 201 فعلی هذا لا سبیل إلی إنکار الدلالة التضمّنیة .
نعم ، فی کونها دلالة لفظیة أو دلالة المعنی علی المعنی ، کلام آخر ، وقد أشرنا إلی أنّ الحقّ أنّها ـ کالدلالة الالتزامیة ـ من قبیل دلالة المعنی علی المعنی ، لا دلالة اللفظ علی المعنی ؛ ضرورة أنّ الدلالة اللفظیة هی دلالة اللفظ علی ما وضع له ، وواضح أنّ اللفظ لم یوضع بإزاء جزء المعنی أو لازمه ، إلاّ أنّه بلحاظ تصوّر المعنی الموضوع له ، ربما ینتقل الذهن منه إلی جزئه ، کما ربما ینتقل إلی لازمه ، ولعلّه سیوافیک بعض الکلام فیه إن شاء الله ، فارتقب .
وثانیاً : أنّ ما ذکره هنا من کون المفهوم عبارة عن الدلالة اللفظیة الالتزامیة ، لا یلائم ما أفاده من عدم إمکان استفادة العلّیة المنحصرة ـ التی هی العمدة فی استفادة المفهوم ـ من اللفظ ، ولو استفید فإنّما هو من ناحیة مقدّمات الحکمة ؛ من جهة أنّه لا بدّ للمولی الحکیم الذی هو فی مقام البیان ، من تقیید إطلاق الشرط بکلمة الواو ، أو بکلمة «أو» لیعلم أنّ الشرط لیس علّة منحصرة ، وحیث لم یقیّده بقید ، یستفاد منه أنّ الشرط علّة منحصرة تامّة ؛ سبقه أو قارنه شیء آخر ، أم لا ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 202